إنّ «التقوى» من مادة «وِقایة» وتعنی ـ کما یقول الراغب فی مفرداته ـ حفظ الشیء من الآفات.
ثم یضیف: إنّ التقوى بمعنى حفظ الروح والنفس ممّا یخشى مضرته، ثم اطلقت على الخوف، کما أنّ التقوى فی الشرع تطلق على التحفظ من المعاصی، وکمالها ترک بعض المباحات المشکوکة(1).
ولباقی أئمّة اللغة تعابیر تشبه ما جاء فی المفردات، فقد فسرها بعض بالصیانة(2)، وبعض اخر بـ «الامتناع عن القبائح والأهواء»(3).
وقد نقل عدد من المفسرین حدیثاً عن بعض الصحابة أنّهم سألوا عن حقیقة التقوى فاجابوا:
«هـل مـررت بطـریق ملیء بالأشواک فی یـوم ما؟ قـال السائل: نعم، قـال: الم تجمع
ثیابک وترفع اذیالک وتسعى للخلاص من الأشواک؟ فحالتک هذه هی التقوى».
نعم، إنّ الطریق إلى الله ملیءٌ بالأشواک کأشواک الشهوات والمیول والأهـواء والآمـال البعیدة والکاذبـة، ومن هنا ینبـغی علـى الإنسان أن یحافظ على ثباته فیتجنب أن یکون عرضة لهذه الأشواک، وینبغی أن لا تشغله عن مسیره إلى الله سبحانه وتعالى.
و هذا لایکون إلا بالیقظة والمعرفة والخبرة ومراقبة النفس على الدوام.
وبتعبیر أبسط: إنّ التقوى هی الوقایة من الآفات التی تعترض الروح فی سیرها التکاملی، وتجنّبُ الذنوب والشبهات حتى الوصول إلى الملکة.
وقد ذکر بعض المفسرین معانیَ عدیدة للتقوى، وجاؤوا بشاهد من القرآن لکل منها، وفی الحقیقة أنّ کلا منها مصداق من مصادیق التقوى، مثل التوبة والطاعة والإخلاص والإیمان (العبادة والتوحید)(4).
ویقول البعض: إنّ حقیقة التقوى هی أن یجعل الإنسان حائلا أو مانعاً أمام آفة ما، فکما یدفع الإنسان تأثیر ضربات العدو بالدرع، کذلک المتقون فانهم یصونون أنفسهم من عذاب الله بواسطة درع طاعة الله(5).
نقسّم التقوى إلى ثلاث مراحل: التقوى عن الکفر، والتقوى عن الذنب، والتقوى عما ینسی الإنسان ذکر ربّه(6).
ولکن ـ کما هو واضح ـ فإنَّ المعانی هذه کلها ترجع إلى المعنى الأساسی الذی ذُکر للتقوى فی البدایة.