لقد جاء فی حدیث للإمام أمیر المؤمنین(علیه السلام): «الناس بامرائهم أشبه منهم بآبائهم»(1).
إنّ هذا الشبه یمکن أن یکون من حیث إنّ فریقاً من الناس یتبعون الاُمراء ویقتدون بهم جهلا وغفلة ویجعلون قلوبهم ودینهم رهناً لإشارات هؤلاء الاُمراء وایعازاتهم، ولهذا اشتهر الحدیث «الناس على دین ملوکهم».
إنّ هؤلاء الاُمراء فی رأی بعض الناس أبطال وقدوات نموذجیة واُسوات حسنة وأرفع شأناً من أن یُنتقدوا، وقد یقلّد البعض أنفسهم مناصب مقدسة فیغرروا ببعض الجهلة والعوام، ویجعلوا حجاباً أمام أفکارهم وعقولهم.
ومن المتعارف أنّ هناک فریقاً یعتبر «القدرة» دلیلا على «الحقانیة»، ویعتبر المنتصر هو المحق فرداً کان أو جماعة، وهذا الاُسلوب من التفکیر جعلهم فریسة للکثیر من الأخطاء والانحرافات فی حساباتهم الاجتماعیة.
إنّ الملوک والقادة الجبارین أینما دخلوا أفسدوا، وذلک لاستغلال الضعف والعجر الفکری لدى بعض الناس، کما جاء ذلک فی القرآن على لسان ملکة سبأ: (قَالَتْ اِنَّ الْمُلُوْکَ اِذَا دَخَلُوا قَرْیَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ اَهْلِهَا اَذِلَّةً وَکَذَلِکَ یَفْعَلُونَ).(النمل / 34)
وبالرغم من أنّ هذا الحدیث تفوهت به ملکة ظالمة، إلاّ أنّ ذکره فی القرآن من دون أی نقد من جهة، وصدوره من شخصیة ظالمة وخبیرة بما علیه الظّلَمَة من أمثالها من جهة اُخرى دلیل على واقعیة هذا الحدیث الشبیه بالاعتراف.
ولهذا أرادت مـلکةُ سبأ أن تختبـر سلیمـان هـل هو ملک أو نبـی حقاً؟ فأرسلت إلیه هدایا کی تعـرف ردّ فعله تجاهها، وذلک لأنّها تعرف أنّ أفـکار الملوک وقلوبهـم رهن الهـدایا والذهب والفضـة والشأن والمقـام، بینما الأنبیـاء لا یهمهم شیءٌ سوى صلاح الاُمم.