تحدث القرآن المجید مراراً عـن المستکبـرین « والمستضعفین » وهو موضوع مهم وجدیر بالانتباه ویمکن أن یشکل أحد المباحث المستقلة فی التفسیر الموضوعی، إلاّ أنّه ینبغی هنا الإشارة إلیه بصورة عابرة مع بیان الآیات التی وردت فی هذا البحث.
یقول الراغب فی مفرداته: إنّ الکبر والتکبر والاستکبار لها معان متقاربة، ثم یضیف: إنّ للاستکبار معنیین أحدهما: أن یتحرّى الإنسان ویطلب أن یصیر کبیراً وذلک متى کان على ما یجب وفی المکان الذی یجب وفی الوقت الذی یجب والثانی أن یتشبّه فیظهر من نفسه ما لیس له وهذا هو المذموم وعلى هذا ما ورد فی القُرآن، وهو قوله تعالى: (أبَى
وَاسْتَکْبَرَ).(البقرة / 34)
ثم یضیف الراغب: قابلَ المستکبرین بالضعفاء تنبیهاً إلى أنّ استکبارهم کان بما لهم من القوة من البدن والمال(1).
إنّ الاستضعاف یقابل الاسکتبار وهو یعنی طلب الضعف وقلة الحیلة، لکن بما أنّ هذه المادة غالباً ما تستعمل فی القرآن بصفة (فعل مبنی للمجهول) أو (اسم مفعول)، فتعنی الضعف الذی فرض علیهم من قبل المستکبرین.
وقد استعملت فی القرآن بصیغة الفعل المبنی للمعلوم کما جاء ذلک فی فرعون الذی استضعف بنی اسرائیل:
( اِنَّ فِرْعَوْنَ عَـلاَ فِـى الاَْرْضِ وَجَعَـلَ أَهْـلَهـَا شِیَعـاً یَسْتَضْعِفُ طـَائِفَـةً مِّنْهُـم).(القصص / 4)
کما ینبغی ذکر هذه النقطة وهی: أنّ القرآن استعمل مفردة (مُستضعَف) بمعنیین: الأول المظلومون فی الأرض، وهم المشمولون بألطاف الله، کما جاء ذلک بالنسبة إلى مستضعفی بنی اسرائیل حیث قال الله فیهم:
( وَنُرِیدُ أَنْ نَّمُـنَّ عَلَـى الَّذِینَ اسْتُضْعِفُـوا فِـى الاَْرْضِ وَنَجْعَـلَهُمْ أَئِمَّـةً وَنَجْعَـلَهُمُ الوَارِثِینَ).(القصص / 5)
والمعنى الثانی وهو المستعمل غالباً فی القرآن المجید: الضعفاء فکریاً بسبب جهلهم وتقلیدهم الأعمى وتعصبهم، فیتبعون الظلمة والقادة الضالین عشوائیاً، وهؤلاء هم الذین أشارت الآیات المذکورة فی أول البحث إلى شجارهم مع المستکبرین فی یوم القیامة وصرحت أنّهم یستحقون العذاب المضاعف کالمستکبرین: عذاباً لأجل أنّهم ضالون وعذاباً لاجل أنّهم ساهموا فی تثبیت اسس حکومة الجبارین.