(لاَ یُقَاتِلُونَکُمْ جَمیعاً اِلاّ فِى قُرًى مُّحَصَّنَة اَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُر بَأْسُهُمْ بَیْنَهُمْ شَدِیدٌ تَحْسَبُهُم جَمِیعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذلِکَ بِاَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ یَعْقِلُونَ).(الحشر / 14)
إنَّ کلمة «قرى» تعنی جمع «قریة» ومعناها الأماکن المعمورة أعم من الأریاف والمدن، وقد تطلق على مجموعة یسکنون فی مکان ما، و«قرىً محصَّنة» تعنی المناطق الآمنة من العدو بسور أو ابراج أو خنادق أو غیرها.
إنَّ هذه الآیة تتحدث عن طائفة «بنی النضیر» (إحدى ثلاث طوائف یهودیة تقطنُ المدینة) حیث تکشف عن فزعهم وخوفهم الباطنی واختلافهم وفرقتهم، فتصرح الآیة للمسلمین: إنّکم تحسبونهم جمیعاً ومتحدین لکنّ الواقع أنّ شملهم متفرق بسبب جهلهم وعدم معرفتهم.
إنّ الاختلاف ینشأ عن الجهل، والاتحاد ینشأ عن المعرفة دائماً، فالجاهلون لا یجهلون الأخطار الجسیمة للفرقة، ولا یجهلون فوائد الاتحاد وبرکاتِهِ فحسب، بل یجهلون اُسس التعایش السلمی، واُسلوب التعاون وشروط النشاطات المشترکة، وهذه المسألة أدّت بهم إلى الاختلاف والفرقة.
إنّ المتعصبین والمعاندین والمتکبرین والحاقدین والسفهاء، لا یمکنهم الاتحاد مع الآخرین، لأنّ کلا من هذه الصفات تکون مانعاً کبیراً امام الوحدة، ویجب أن نعلم بان منشأ جمیع هذه الرذائل هو الجهل(1).