(إِذْ جَعَلَ الَّذِینَ کَفَرُوا فِى قُلُوبِهِمُ الحَمِیَّةَ حَمِیَّةَ الْجَاهِلِیَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَکینَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِینَ...).(الفتح / 26)
إنَّ کلمة «حمیة» مشتقة من مادة «حَمْی» على وزن «حَمْد»، وکما یذکر الراغب فی «مفرداته» أنّ معناها الأولی هو الحرارة الناشئة من أشیاء مثل النار والشمس والقوة الباطنیة فی جسم الإنسان (الحرارة الذاتیة والباطنیة للأشیاء)، ولهذا یقال لارتفاع درجة حرارة المریض (حُمّى) على وزن (کُبْرى)، وبما أنَّ التعصب والغضب یولدان حرارة وحرقة فی باطن الإنسان قیل «حمیة»، وقد جاء فی کتاب «التحقیق فی کلمات القرآن الکریم» أنّ «الحمیة» هی شدة الحرارة والعلاقة والتعصب فی الدفاع عن النفس(1).
إنَّ هذه الآیة نزلت فی حوادث صلح الحدیبیة وتوضیح قصة سبب النزول: أنَّ الرسول الأعظم(صلى الله علیه وآله)قصد مکة للحج فی السنة السادسة من الهجرة، إلاّ أنّ المُشرکین منعوا المسلمین من دخول مکّة تعصباً لجاهلیتهم، مع أنَّ السماح بزیارة مکة کان مباحاً للجمیع حسب قوانینهم وسننهم المتعارفة، فهم بهذا انتهکوا حرمة الحرم الإلهی، ونقضوا سنتهم، إضافة إلى أنّهم وضعوا حائلا ضخماً بینهم وبین الحقائق.
إنّ إضافة «الحمیة» إلى «الجاهلیة» من قبیل إضافة «السبب» إلى «مسببه»، التعصب والعناد والغضب ینشأُ عن الجهل دائماً، لأنّ الجهل لا یسمحُ للإنسان أن یفکر بعواقب أعماله، ولا یسمحُ له قبول أن فکرته قد تکون خاطئة، وأنَّ هناک علماً أوسع وأکبر من علمه، ولهذا نرى أنّ شدّة عناد وتعصّب الأقوام الجاهلة أکثر منها فی الأقوام الاُخرى، ولهذا السبب نجد أن الأنبیاء والرسل عندما یبعثون إلى قوم بالرسالات والأَنوار الإلهیّة الساطعة، یواجهون مقاومة عنیفة، ویتهمون بمختلف التهم، وقد أورد القرآن الکریم نموذجاً من ذلک: (وَعَجِبُواْ أَن جَاءَهُم مُّنذِرٌ مِّنهُمْ وَقالَ الکَافِرونَ هَذَا سَاحِرٌ کَذَّابٌ * أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَـهاً وَاحِداً إِنَّ هَذا لَشَىءٌ عُجَابٌ * وَانطَلَقَ الْـمَلاَُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ وَاصْبِرُواْ عَلَى آلِهَتِکُمْ إِنَّ هَذَا لَشَىءٌ یُرَادُ* مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِى الْمِلَّةِ الاْخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ).(ص / 4 ـ 7)
حیث ترى أنّ حدیثهم مملوء بالعناد، الناشیءُ عن الجهل والغرور(2).