(قُلْ إِنَّمَا أَعِظُکُمْ بِوَاحِدَة أَنْ تَقُومُوا للهِِ مَثْنى وَفُرَادى ثُمَّ تَتَفَکَّرُوا).(سبأ / 46)
إنّ خطاب رسول الله (صلى الله علیه وآله) فی هذه الآیة موجه لأعدائه المنغمسین فی الکفر والشرک، ومختلف أنواع الفساد الأخلاقی.
وقد بیّن لهم أنّ مفتاح نجاتهم من هذا المستنقع الخطر هو التفکّر والعلم الذی هو طریق وسبیل المعرفة.
وعلى هذا الأساس بالامکان معرفة جذور أی ثورة وأی تحول أساسی فی المجتمعات البشریة من خلال معرفة ثوراتهم الفکریة والثقافیة.
فلو کانت المعرفة غیر ممکنة فلماذا التفکیر؟ بالخصوص بعد حصر الموعظة بالتفکّر وذلک باستعمال «إنّما» التی تفید الحصر، وهنا یثبت أنّ مفتاح النجاة هو المعرفة فقط!
لکن هذا التفکر سواءاً کان ـ جماعیاً أو فردیاً ـ ینبغی أن یکون متزامناً مع القیام لله وفی سبیله، ولهذا یقول (اَنْ تَقومُوا لله) أی بعیداً عن التعصب والعناد، والهوى النفسانی الذی سیأتی شرحه فی موانع المعرفة إن شاء الله.
وقد أکّد النبی یوسف (علیه السلام) على هذا الموضوع، وقال عند جلوسه على عرش السلطة فی مصر:
(رَبِّ قَدْ آتَیْتَنِى مِنَ الْمُلْکِ وَعَلَّمْتَنِى مِنْ تَأْوِیلِ الاَْحَادِیثِ فَاطِرَ السَّموَاتِ وَالاَْرْضِ أَنْتَ وَلِىِّ فِى الدُّنْیَا وَالاْخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحِینَ).(یوسف / 101)
من الملفت للنظر هنا هو أن علم تعبیر المنام من العلوم ذات الأهمیّة القلیلة، وبالرغم من ذلک فإنّ قصة یوسف (علیه السلام) فی القرآن تکشف بوضوح عن أن علمه بتعبیر الرؤیا أدّى إلى إنقاذه من سجن عزیز مصر، کما أدى إلى إنقاذ مصر من القحط والمجاعة، لأنّ العزیز رأى مناماً عجیباً عجز المفسرون عن تأویله، إلاّ أنّ أحد السجناء الذین قد أُطلق سراحهم وسبق لیوسف انْ فَسَّرَ رؤیاه فی السجن کان حاضراً فی البلاط آنذاک فقال: إنّی أعرف من یفسّر الرؤیا جیداً، وعندما فسّر یوسف (علیه السلام) له ما رآهُ فی منامه الذی یتعلق بالاُمور الاقتصادیة لسبع سنوات مقبلة، أطلق سراحه وتهیَّأت مقدمات حکومته من جهة، ومن جهة اُخرى استطاع أن یضع برنامجاً دقیقاً لانقاذ أهل مصر من المجاعة خلال سنوات القحط المقبلة.
إنّ الآیة السابقة التی تحدثت عن علم تأویل الأحادیث (فی المنام) بعد حدیثها عن ملک یوسف (حکومته)، یمکن أنّها تشیر إلى العلاقة بین هذین الاثنین.
وکیفما کان فإنّ هذه الآیة توحی بأنّ مفتاح النجاة هو العلم والمعرفة.
وحتى أنّ أبسط العلوم یمکن أن یکون سبباً لانقاذ دولة(1).