إنّ الجواب على هذا السؤال واضحٌ للغایة من خلال ملاحظة ما مرَّ ذکره آنفاً، ولکن للمزید من التوضیح ینبغی الالتفات إلى هذا الأمر وهو:
إنّ الکثیر من آیات القرآن الکریم تتناول بُعداً واحداً من أبعاد موضوع ما، فمثلا، فیما یخص مسألة «الشفاعة» فقد ورد فی بعض الآیات أصل إمکان الشفاعة.
وفی البعض الآخر «شروط الشفاعة» (سبأ 23، مریم 78).
وفی بعضها شروط «المشفَّع لهم» (الأنبیاء 28، غافر 18).
وفی بعض تُنفى الشفاعة عن الجمیع ما عدا الله تعالى (الزمر 44).
وفی بعض آخر ثبتت الشفاعة لغیر الله (المدثر 48).
نجد أنَّ حالةً من عدم الوضوح تحیط بأُمور الشفاعة بدءً من حقیقة الشفاعة وحتى سائر الشروط والخصوصیات الاُخرى، ولکن عندما نأخذ آیات الشفاعة من القرآن ونضعهاجانب بعضها ونفسّرها على ضوء بعضها البعض یرتفع هذا الغموض ویحلّ الابهام على أحسن وجه.
وکذلک الآیات المتعلقة بالجهاد، أو فلسفة أحکام وتعالیم الإسلام، أو الآیات المتعلقة بالبرزخ، أو مسألة علم الله، وکذلک موضوع علم الغیب، وهل أنّ العلم بالغیب ممکنٌ لغیر الله أم لا؟ فلو وُضعت آیات کل موضوع فی جانب فمن الممکن أداء حق هذا الموضوع وحل الإشکالات الموجودة عن طریق التفسیر الموضوعی.
وعلى هذا الأساس فإنّ الآیات المتعلقة بـ «المحکم» و«المتشابه» والتی تدعو تفسیر «المتشابهات» بالاستعانة «بالمحکمات» یعدُ نوعاً من التفسیر الموضوعی.
ومن هنا یبدو أنّه من خلال تفسیر الآیات المتعلقة بموضوع ما بالاستعانة بالآیات الاُخرى تنبثق عنها معارف وعلوم جدیدة، هذه العلوم تکمن فیها معارف القرآن والحلول لکثیر من المعضلات العقائدیة وأحکام الإسلام.
من هذا الباب یُمکن تشبیه آیات القرآن بالکلمات المتفرقة، حیث إنَّ لکلٍّ منها مفهوماً ذاتیّاً، ولکن حینما تُرتَّبُ وتجمع فی جمل مفیدة فهی تُعطی مفاهیم جدیدة.
أو تشبیهها بالعناصر الحیاتیة مثل «الاوکسجین» والهیدروجین» التی حینما تتفاعل مع بعضها ینتج عنها الماء الذی هو عنصر حیاتی آخر.
خلاصة القول إنّه لا یمکن حلّ الکثیر من اسرار القرآن إلاّ عن هذا الطریق، ولا یُمکن النفوذ إلى مکنوناتها إلاّ من خلال هذا السبیل، ونعتقد بأنّ هذا القدر کاف لتوضیح أهمیّة التفسیر الموضوعی.
وباختصار یمکن تلخیص فوائد التفسیر الموضوعی فی النقاط التالیة:
1 ـ إزالة الإشکالات التی تبرز فی بعض الآیات للوهلة الولى، وحلّ أسرار وأَلغاز المتشابه فی القرآن.
2 ـ الاطّلاع على خفایا ودقائق وعلل وأسباب ونتائج المواضیع والقضایا المختلفة الواردة فی القرآن الکریم.
3 ـ الحصول على معلومات جامعه لمواضیع مختلفة مثل «التوحید» و«معرفة الله» و«المعاد» و«العبادات» و«الجهاد» و«الحکومة الإسلامیة» وعلوم مهمّة اُخرى.
4 ـ کشف أسرار وخفایا جدیدة من القرآن من خلال الجمع بین الآیات.