لا شکّ أنّ للأنبیاء الإلهیین ارتباطاً بعالم الغیب وما وراء الطبیعة، وبعبارة اُخرى، أنّ لهم علاقة خاصّة بالله تعالى، وقد استلهموا عن هذا الطریق التعالیم الخاصّة والأحکام والقوانین الإلهیّة وبلّغوها الاُمم.

لکن کیف کانت هذه الرابطة یاترى؟ فهذه مسألة فی غایة التعقید، ومن السهل الإطّلاع علیها إجمالا فی حین تعدّ الإحاطة بها تفصیلا فی غایة الصعوبة، لاستحالة إدراکها بالدقّة من قبل من یفتقر لهذه العلاقة، بالضبط کإحساس البصیر منذ ولادته بامتلاک الآخرین لحسّ إضافی، یطّلعون من خلاله على کلّ الموجودات المحیطة بهم ولامتدادات واسعة، کما ویدرکون من خلالها مختلف الألوان والأنوار، أمّا ما هو هذا الحسّ، وما هی حقیقة «اللون» و «النور» ؟ فهذا ما لا یمکن إدراکه أبداً.

إذن فالذی سیعرض فی مبحث الوحی وحقیقته لا یتعدّى سوى الحصول على العلم الإجمالی بخواص الوحی، مع الإجابة عن الأسئلة التی ستثار هنا، ومن هنا لا ینبغی مطالبة هذه المباحث بالکشف عن «کنه» الوحی، لاستحالة ذلک لغیر الأنبیاء (علیهم السلام)بالضبط کالمثال المتقدّم أعلاه.

فی المجلّد الأوّل من هذا التفسیر «نفحات القرآن» وعند شرح خامس مصدر من مصادر المعرفة تحدّثنا بالتفصیل عن مسألة الوحی، وکشفنا النقاب عمّا یرتبط به من معارف قدر المستطاع، ولذا فقد اکتفینا بذکر موجز لمبحث الوحی، مع إضافات جدیدة على ما قیل هناک، وسنوکل توضیح باقی المسائل إلى ذلک البحث، وبهذه الخلاصة نعود إلى القرآن ونتأمل خاشعین فی الآیات التالیة الواردة فی هذا المجال:

1 ـ (وَمَا کَانَ لِبَشَر أَنْ یُکَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْیاً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَاب أَوْ یُرْسِلَ رَسُولا فَیُوحِىَ بِإِذْنِهِ مَا یَشَاءُ). (الشورى / 51)

2 ـ (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الاَْمِینُ * عَلَى قَلْبِکَ). (الشعراء / 193 ـ 194)

3 ـ (وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِیمَ بِالْبُشْرَى). (هود / 69)

4 ـ (قَـالَ یَا بُنَـیَّ إِنِّـى أَرَى فِى الْمَنَـامِ أَنِّـى أَذْبَحُـکَ فَانظُرْ مَاذَا تَـرَى قَالَ یَا أَبَتِ افْعَـلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِـدُنِى إِنْ شَـاءَ اللهُ مِـنْ الصَّابِرِینَ). (الصافات / 102)

5 ـ (فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِىَ مِنْ شَاطِىءِ الْوَادِ الاَْیْمَنِ فِى الْبُقْعَةِ الْمُبَارَکَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ یَا مُوسَى إِنِّى أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ). (القصص / 30)