من المسلّم أنّ الشخص العاقل الحکیم لا یقدم أبداً على عمل یخالف هدفه وغایته، وإلاّ فلا یصح أن ینعت بالحکمة والوعی، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فنحن نعلم أنّ الله عزّوجلّ قد أرسل أنبیاءه لهدایة العباد وتربیتهم، فلو لم یکونوا معصومین عن الذنب والمعصیة لأضلّوا الناس بدل هدایتهم، وهذا هو الجانب المنافی للهدف من بعثة الأنبیاء بالضبط.

بالإضافة إلى أنّ الدور الرئیسی فی تربیة الناس، إنّما یعود للبرامج العملیة للأنبیاء، لأنّ کیفیة تصرّف المربّین وصفاتهم وحالاتهم تعدّ النموذج الأمثل لمن یتبعهم ویتولاّهم، وإنّ الأدلّة العقلیّة والخطب الحماسیة والبیان الجیّد مهما کان لها دور مهم فی توعیة الناس، إلاّ أنّها لا تعدّ شیئاً أمام النماذج العملیة، خصوصاً لو ظهر هناک تضادّ بین القول والفعل، وبین النظریة والتطبیق، فانّ حالة من الشلل ستسری إلى تلک البیانات والنداءات وتعدم تأثیرها!

ومن هنا ینبغی أن یکون الأنبیاء (علیهم السلام) قدوة حسنة للناس فی کافّة أبعاد الحیاة، وأن تنعکس دروسهم الدینیة للناس من خلال تصرّفاتهم.

ولـو کانوا أفراداً مثقلین بالذنوب، مبتلین بالکذب والخیانة والظلم واتّباع أهوائهم لفقدوا اعتبارهم تماماً، ولاصبح الهدف من بعثتهم غیر مجد ولا مفید.

کیف یعقل أن یضع الله هذا المنصب الخطیر الذی یعدّ أسمى منصب دینی ومعنوی واجتماعی، فی عهدة شخص قد تمکنت منه الذنوب ووقع فی أسر الهوى والشهوات، ولم یسیطر على نفسه؟ هل یمکن لشخص کهذا یاترى أن یکون قائداً ربّانیاً وروحیاً للناس؟!

وهنـا یجب الإذعان بأنّ هذا الهدف الحسّاس لا یمکن ضمان القیام به، إلاّ فی حالة تنزیههم عن کلّ أنواع الذنوب صغیرها وکبیرها، بل مطلق الخطأ والإشتباه.

ولذا نقرأ فی حدیث عن الإمام علی بن موسى الرضا (علیه السلام) أنّه قال فی وصف الإمام (علیه السلام): «هو معصوم مؤیّد موفّق مسدّد قد أمن الخطایا والزلل والعثار یخصّه الله بذلک لیکون حجّته على عباده وشاهده على خلقه»(1).

1. اصول الکافی، ج 1، ص 203، باب النادر الجامع فی فضل الإمام وصفاته، ح 1.