5 ـ موسى (علیه السلام)

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السابع)
4 ـ یوسف (علیه السلام) 6 ـ داود (علیه السلام)

هنالک آیات قرآنیة فی مختلف السور مرتبطة بمنزلة عصمة موسى (علیه السلام)، وقد تعرّضت للإستفهام أیضاً:

نقرأ فی الآیة 16 من سورة القصص، أنّ موسى (علیه السلام) وبعد صراعه مع أحد أعدائه (أتباع فرعون)، الذی کان فی شجار مع رجل من بنی إسرائیل، وتوجیه ضربة قاضیة إلیه أردته

قتیلا، توجّه إلى الله تعالى وقال: (قَالَ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى فَاغْفِرْ لِى فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِیمُ).

یا تُرى «ألم یکن التعبیر بأنّی ظلمت نفسی وطلب العفو والمغفرة من الله تعالى، دلیلا على ارتکاب الذنب»؟

ثمّ إنّه ورد فی الآیة التی قبلها أنّ موسى وبعد قتله لعدوّه قال: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ).(القصص / 15)

وبعـد هذه الحادثـة وحینما بـلغ موسى مرتبة النبوّة، وجاء إلى فـرعون یدعوه إلى الله، عاتبه فرعون وقال: (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَکَ الَّتِى فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْکَافِرِینَ * قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّینَ). (الشعراء / 19 ـ 20)

صحیح أنّ موسى لم یکن قد بلغ مرتبة النبوّة فی ذلک الوقت، ولکن نظراً لضرورة تمتّع الأنبیاء بدرجة العصمة حتّى قبل النبوّة، فالتعبیر بـ «الضالّین» یبدو غیر مناسب هنا بعض الشیء.

الجواب:

أوّلا، وقبـل کلّ شـیء یجب البحث فی ماهیـة هـذا القتـل الذی لـم یکن بقصد وسبق إصرار، وهـو ممّا یصطـلح علیه بقتل الخطأ، هل کان جائزاً أم لا؟!

لا شکّ أنّ هذا العمل لم یکن معصیة، مع الأخذ بنظر الإعتبار ذلک الموقف المعادی الذی کان یتّخذه قوم فرعون الظالمین من بنی إسرائیل، حتّى أنّهم کانوا یذبحون أبناءهم الرضّع ویأخذون بناتهم للخدمة، بل کانوا قد أذاقوهم أقسى أنواع الظلم والعذاب، حتّى أصبحوا مصداقاً للتعبیر القرآنی: «مفسد فی الأرض»، خصوصاً أنّ موسى کان فی مقام نصرة المظلوم والدفاع عنه، إذن فجواز قتل هذا الفرعونی الظالم هو ممّا لا شکّ فیه على أقلّ تقدیر، فکیف یمکن الخدش فی درجة عصمة موسى فی مثل هذه الحال.

إذن، فالذی یحتمل کونه مخالفاً للوجدان یکمن حتماً فی ترک الأولى المتجسّد فی کیفیة تصرّف موسى (لا أصل تصرّفه).

ویبـدو أنّ مراد موسى (علیه السلام) من : «ظلمت نفسی» هو الوقوع فـی المشقّة، باعتبار أنّ قتله لأحد الأقباط لیس بتلک السهولة التی یتناساها أتباع فرعون، ولا یخفى أنّ ترک الأولى یعنی العمل المباح ذاتاً، إلاّ أنّه یَحرم صاحبه من العمل الأفضل.

وجمـلة: ( هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ ) إشـارة إلى أصل نـزاع القبطـی والسبتی (الفرعونی والاسرائیلی)، أی أنّ نزاعهم الأعمى التافه هذا هو من عمل الشیطان.

إذن، فطـلب المغفـرة من الله إنّما هـو لترکه الأولى، وقـد ورد نظیره فـی القرآن الکریم بحقّ آدم وحواء أیضاً، حیث انّهما قد أوقعا نفسیهما فی المشقّة وذلک بترکهما للأولى، وأکلهما من الشجرة الممنوعة، فطلبوا المغفرة لذلک (قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَکُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِینَ). (الأعراف / 23)

امّا التعبیر بـ «الضالّین» المـأخوذ من مادّة «الضلال» التی تعنی فی الأصل ترک الطریق السوی، فله معنى واسـع ولا ینحصر بمعنى الإعراض عن الدین والحقّ فقط، بل یصدق بحقّ شخص کمـوسى (علیه السلام) الـذی عرض حیـاته للخطر بقتله لذلک الفرعونی أیضاً، وبعبارة اُخرى فقد ترک طریق السلامة، وسلک طریق ذات الشوکة، ولـذا لم یتمکّن من البقاء فی مصـر بعد تلک الحادثة فغدى مشرّداً فی البوادی والجبال إلى أن وصل أرض «مدین»، وشملته الألطاف الإلهیّة فی خاتمة المطاف، حیث عاش هناک ولعدّة سنین وتربى على ید شعیب(علیه السلام)، وتهیّأ لتحمّل مسؤولیة الرسالة.

لا یخفى أنّ البعض یعتقد بأنّ معنى «الضلال» هنا هو عدم الإطّلاع، أی لم أعلم بأنّ تلک الضربة ستقضی على الرجل، وبناءً على هذا فالقتل المذکور یعد مصداقاً لقتل الخطأ لا العمد، لکن المعنى الأوّل یبدو أنسب، رغم أنّ فرعون قد یفهم من کلام موسى (علیه السلام) شیئاً آخر، ولذا اقتنع بذلک ولم یعلّق علیه بشیء.

ثانیاً فی الآیة 143 من سورة الأعـراف تستوقفنا هـذه الحادثة، وهی أنّ موسى (علیه السلام) طلب من الله تعالى أن ینظر إلیه ببصره وسمع الجواب: إنّک لن ترانی أبداً!

(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِیقَاتِنَا وَکَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَیْکَ قَالَ لَنْ تَرَانِى) وفی هذه الأثناء جاءه الأمر بالنظر إلى الجبل: (انظُرْ إِلَـى الْجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَکَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِى فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَکّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَکَ تُبْتُ إِلَیْکَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِینَ). (الأعراف / 143)

من هنا یقال:

أوّلا: لماذا طلب موسى مثل هذا الطلب من الله تعالى مع کونه یتمتع بمنزلة رفیعة فی المعرفة والإیمان؟

ثانیاً: لابدّ وأن صدرت منه مخالفة لیبتلى بالصعقة ویغمى علیه؟

ثالثاً: جملة «تُبت إلیک» تظهر أنّه تاب من عمل سیء قام به.

و للمفسّرین هنا أجوبة متنوّعة أیضاً، أجلاها هی: إنّ آیات القرآن تبیّن بکلّ وضوح أنّ ذلک الطلب لم یصدر من موسى (علیه السلام)، بل من بنی إسرائیل الذین ألحّوا علیه لیُریهم الله تعالى:

(وَإِذْ قُلْتُـمْ یَـا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَکَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْکُمُ الصَّاعِقَةُ).(البقرة / 55)

بل الآیات الاُخرى أیضاً تبیّن أنّ موسى کان مأموراً بأخذ جمع من أشراف بنی إسرائیل معه إلى جبل الطور لتکرار طلبهم هناک «حتّى یقفوا على الجواب بشکل عملـی»، ویشیر الى ما تقدّم ما أطـلق على هذه الحادثة، اسم «میقاتنا» فی الآیة الآنفة الذکر وکذلک فی الآیة (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِینَ رَجُلا لِمِیقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَکْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِیَّاىَ أَتُهْلِکُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِىَ إِلاَّ فِتْنَتُکَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِى مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِیُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَیْرُ الْغَافِرِینَ). (الأعراف / 155)

وبناءً على هذا فما قاله موسى (علیه السلام) کان بأمر وتکلیف من الله تعالى، کما أنّه لیس لنزول الصاعقة أیّة صفة جزائیة، بل کان الهدف إیقاف عامّة بنی إسرائیل على هذه الحقیقة، ولیبین لهم بأنهم عاجزون عن رؤیة شرارة صغیرة من قدرته تعالى بحیث تسقطون على الأرض فیغمى على البعض منکم ویصعق البعض الآخر، فکیف والحالة هذه تطلبون رؤیة ذاته تعالى بعظمتها؟

أمّا جملة «انّی تُبت» فقد کانت من جانب بنی إسرائیل، کما أنّ جملة (رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَیْکَ) کانت من قبلهم أیضاً.

یستفاد من عدّة آیات من سورة الکهف أنّ موسى (علیه السلام) ابتلی بالنسیان، فهو تارةً یقول: (فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَیْنِهِمَا نَسِیَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِیلَهُ فِى الْبَحْرِ سَرَباً). (الکهف / 61)

إذن فلقد وجد النسیان طریقه إلیهما.

وفی آیتین بعدها ینقل عن صاحب موسى (علیه السلام): (فَإِنِّى نَسِیتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِیهُ إِلاَّ الشَّیْطَانُ أَنْ أَذْکُرَهُ). (الکهف / 63)

فلو کان صاحبه وهو یوشع بن نون ـ کما هو معروف بین أقطاب المفسّرین ـ وکان فی تلک الحالة نبیّاً، فسیثبت جواز النسیان للأنبیاء.

کـما نقرأ فی عدّة آیات بعدها وعلى لسان موسى (علیه السلام)، أنّه حینما التقى بذلک الـرجل الإلهی «الخضر» تعهّد بألاّ یسأله عن أسرار ما قام به إلى أن یبیّنها هو بنفسه، لکن موسى(علیه السلام)نسی ذلک فی أوّل مرّة، ولذا اعترض على الخضر لخـرقه تلک السفینة السـالمة، وحینما ذکّـره الخضر بالعهـد قال: (قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِیتُ). (الکهف / 73)

کما تکرّر هذا الشیء ثانیة وثالثة أیضاً.

ألاّ یستفاد من مجموع هذه الآیات إمکان نسبة النسیان للأنبیاء؟! أولیس الصیانه عن ارتکاب الخطأ والنسیان أحد فروع العصمة؟

الجواب:

لقد سلک المفسّرون طرقاً شتّى للإجابة عن هذا السؤال: إذ قال البعض: إنّ «النسیان» یعنی تارةً ترک الشیء وإن لم یکن منسیاً، کما نقرأ فی قصّة آدم: (وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِىَ ...). (طه / 115)

من المسلّم أنّ آدم لم ینس العهد الإلهی فیما یتعلّق بالإجتناب عن الأکل من الشجرة الممنوعة، لکن نظراً لعدم اهتمامه بذلک العهد فقد عبّر عنه بالنسیان.

وقال البعض أیضاً: إنّ «الناسی» هو فی الحقیقة صاحب موسى(علیه السلام) ولیس موسى(علیه السلام)، والناسی لم یکن نبیّاً، إذ لم یثبت ذلک فیما لو اقتصرنا على الآیات القرآنیة على أقلّ تقدیر، فنحن نقرأ فی الآیات مورد البحث أنّ صاحب موسى (علیه السلام)قد شاهد سقوط الحوت فی الماء واستعادتها للحیاة والحرکة، وقرّر إخبار موسى (علیه السلام)بذلک لکنّه نسی، إذن فالناسی هو صاحب موسى لا غیره باعتباره الشاهد الوحید لهذه الحادثة، والنسبة إلیهما فی جملة «نسیا» هی من قبیل نسبة عمل الفرد إلى الجماعة وهی شائعة الإستعمال.

ولو قیـل: کیف یعقـل إیداع مسألة بکلّ هذه الأهمیّة فی زاویة النسیان؟ لقـلنا: إنّ صاحب موسى (علیه السلام) کان قد شاهد معجزات أهمّ من هذه، فضلا عن کونهمـا فی هذا السفر یطلبان هدفاً أهمّ، فنسیان الحوت بسبب هذا الهدف لا یدعو للعجب.

ونسبة النسیان إلى الشیطان، قد تکون لوجود علاقة بین حادثة إحیاء السمکة ومسألة العثور على ذلک الرجل العالم، الذی کان من المقرّر أن یستفید موسى(علیه السلام) من علمه، وحیث إنّ عمل الشیطان هو الإغواء والحؤول دون بلوغ بنی الإنسان أهدافهم المقدّسة، أو تأخیرهم عنها على أقلّ تقدیر، فقد قذف النسیان فی ذهن «صاحب موسى».

جاء فی بعض الروایات عن النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) ما مضمونه: إنّ موسى کان نائماً حین انسابت الحوت وسقطت فی البحر وذهبت فی سبیلها، وأنّ صاحبه «الذی کان یشاهد هذا الموقف» لم یرغب فی إیقاظه وإخباره بذلک، کما أنّه نسی أن یخبره بعد استیقاظه أیضاً ولذلک فقد واصلوا مسیرهم یوماً ولیلة آخرین، ثمّ تذکّر هذا الرجل الحادثة وقصّها على موسى (علیه السلام)فاضطرّا للرجوع إلى مکانهما الأوّل، الذی سقطت فیه السمکة فی الماء(1).

کما قال البعض أیضاً: إنّ الأنبیاء معصومون من النسیان المرتبط بدعوتهم، دون ما له علاقة بأمر عادی یومی، فالنسیان أمر عادی لا یرتبط من قریب أو بعید، بمسألة الوحی والنبوّة والتربیة والتعلیم والتبلیغ، بل إنّ عدم ترابطهما أمر واضح للجمیع ولا یخدش هذا فی مقام عصمة الأنبیاء، والنسیان الوارد فی الآیات المذکورة هو من هذا القبیل.

یقول العالم الکبیر المرحوم السیّد المرتضى(رحمه الله): إنّ هناک ثلاثة أوجه فیما یتعلّق بقول موسى للخضر: (لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِیتُ):

الأوّل: النسیان بمعناه الحقیقی المتعارف، ولا عجب أن ینسى موسى مثل هذا العهد خلال هذه الفترة القصیرة، لانشغاله فکریّاً (بمسائل أهمّ).

الثـانی: أنّ مـراده هو أن لا تؤاخذنـی على ما ترکته (أی أنّ موسى کان قد ترک العهد عمداً، ومعلوم أنّه کان مشروطاً، أی لو شئت البقاء معی فلا تسألنی حتّى اوضّح لک بنفسی).

الثالث: مراد موسى هو أن لا تؤاخذنی على عمل شبیه بالنسیان.

ثمّ یضیف قائلا: ولا إشکال لو حملنا الجملة على النسیان غیر الحقیقی، وإلاّ لو حملناه على النسیان الحقیقی فتعلیله أنّ النسیان بهذا المعنى لا یجوز بحقّ الأنبیاء، فی بیان الاُمور الإلهیّة، أو التشریعیة، أو الخارجة عن المتعارف، ولا مانع لما خرج عن نطاق هذه الدائرة، کما لو نسی النبی طعامه، أو شرابه لکن لا بتلک الدرجة والتکرار الزائدین عن الحدّ لاستحالة مثل هذا الشیء فی حقّه.

الآیـة الاُخرى المتعلّقة بأعمال هذا النبی العظیم والتی دار حولها النقاش وردت فی قوله تعالى: (وَلَمَّا رَجَعَ مُـوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَـانَ أَسِفاً قَـالَ بِئْسَمَـا خَلَفْتُمُـونِـى مِـنْ بَعْدِى أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّکُمْ وَأَلْقَى الاَْلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِیهِ یَجُرُّهُ إِلَیْـهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُـونِى وَکَادُوا یَقْتُـلُونَنِى فَـلاَ تُشْمِتْ بِىَ الاَْعْدَاءَ وَلاَ تَجْعَلْنِـى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَلاَِخِى وَأَدْخِلْنَا فِى رَحْمَتِکَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ).(الأعراف / 150 ـ 151)

وهنا ترد عدة علامات للإستفهام:

أوّلا: لماذا ألقى موسى بالألواح المکتوب فیها احکام الله وآیات التوراة على الأرض؟

ثانیاً: لماذا أبدى ردّ الفعل الشدید تجاه أخیه الذی لم یکن قد ارتکب إثماً؟

ثالثا: لماذا طلب العفو والمغفرة لنفسه ولأخیه؟!

لـکن لو تأمّلنا فی تلک الحـادثة التی واجهها هذا النبی العظیم بعد رجوعه من میقات ربّه، لسلَّمنا بصحة وضرورة تصرفه هذا.

فلقد قضى موسى سنوات طویلة ملیئة بالمشقّة، لزرع بذرة «التوحید» فی قلوب «بنی إسرائیل» القاسیة، وذهب إلى مکان الوحی لمیقات ربّه حینما نبتت تلک البذرة على أمل نموّها، لکنّه حینما رجع لاحظ أنّ کل جهوده ذهبت أدراج الریاح وقد استسلم الأکثریة الساحقة من بنی إسرائیل لوساوس «السامری» وسجدوا للعجل! فضلا عن إحاطة فتنة الوثنیة والشرک بکلّ شیء وانطفاء نور الإیمان والتوحید.

وهنا استغرب موسى کثیراً وغضب غضباً شدیداً، وکان غضبه لله طبعاً، هذا من جهة.

ومن جهة اُخرى کان لابدّ له من مواجهة ماحدث بشدة، حیث تعدّ أقسى حادثة فی حیاة موسى (علیه السلام)، وذلک لیقف بنو إسرائیل على خطورة الموقف وقبح عملهم، وبالنتیجة تزال کلّ آثار الشرک والوثنیة من قلوبهم، وإلاّ لاحتمل بقاء آثار الشرک فی قلوبهم وقلوب الأجیال القادمة أیضاً، فلیس المهمّ هنا مسألة احترام إنسان أو بعض الألواح المقدّسة، بل المهمّ هو مسألة التوحید وخطورة انحراف قوم بأکملهم.

کان ینبغی لمـوسى (علیه السلام) التعبیر عن غضبه الکامـن فی نفسه، وإظهار قبح هذا العمل للجمیع، وذلک مـا کان میسوراً إلاّ بإبداء ردّ فعل عنیف، ولذا عاتب أخاه هارون بشدّة حتّى أنّه جرّه من رأسه بعد أن ألقى الألواح جانباً، بل صرخ فی الـواقع من أعماق وجوده، حتّـى تردّد صداه بین بنی إسرائیل لیقول بعضهم لبـعض: ما أقبح عبادة العجـل یا ترى! بحیث یتعامل موسى (علیه السلام) بکـلّ هذه الخشونة مع أخیـه؟ وعلى فرض أنّ مثل هذا التصرّف لا یلیق بشأن هارون (علیه السلام) (مع أنّ علاقة الاخوّة بین الأخوین تنفی مثل هذا الشیء) فإنّه وبسبب التأثیر الاجتماعی العمیق له لم یجد موسى (علیه السلام) بدّاً من فعله.

کما أنّ نفس هذا الهدف کان وراء إلقاء الألواح، بالرغم من اعتقاد البعض بأنّ لفظة «الإلقاء» هنا تعنی الوضع على الأرض والذهاب وراء عمل ما، ولذا لم تنته المسألة عند هذا الحدّ، بل کان ذلک القرار الشدید على بنی إسرائیل بسبب ارتداد ذلک الفریق بالشکل الذی جاء فی ذیل الآیة 54 من سورة البقرة.

کما واجه مؤسّس الوثنیة بین بنی إسرائیل، أی: «السامری» ذلک العقاب الشدید أیضاً، خلاصة القول هی أنّ ردّ الفعل العنیف کان یرمی إلى أهداف عظیمة، ولم یکن خالیاً من الإشکال فحسب، بل کان واجباً أیضاً فی مثل تلک الظروف (تأمّل جیّداً).


1. تفسیر المراغی، ج 15، ص 174.
4 ـ یوسف (علیه السلام) 6 ـ داود (علیه السلام)
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma