1 و 2 ـ التربیة والتعلیم

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السابع)
تمهید:3 ـ إقامة القسط والعدل

ورد فی هذه الآیات عشر غایات لبعثة الأنبیاء (علیهم السلام):

ففی الآیتین الاُولى والثانیة إشارة إلى هدفین رئیسیین من أهداف البعثة وفلسفة إرسال الرسل (علیهم السلام)، ألا وهما «التربیة والتعلیم».

یقول تعالى فی الآیة الاُولى: (هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الاُْمِّیِّینَ رَسُولا مِنْهُمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیَاتِهِ)، ونظراً إلى کون التلاوة لآیات الحقّ تعالى بمثابة المقدّمة بالنسبة للتزکیة وتعلیم الکتاب والحکمة ومحو آثار الضلالة والشرک، یضیف تعالى قائلا: (وَیُزَکِّیهِمْ وَیُعَلِّمُهُمُ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَإِنْ کَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلاَل مُبِین).

صحیح أنّ الغایة الرئیسیة من تلاوة الآیات وتعلیم الکتاب والحکمة هو تزکیة وتطهیر الروح والبدن والفرد والمجتمع، وأن تعلم الکتاب والحکمة له دور الطریقیة، وبمثابة مقدّمة بالنسبة إلى التزکیة، لکنّها مع ذلک تقدّمت علیهما نظراً لأهمیّتها.

فی حین أنّنا نجد الآیة الثانیة من آیات بحثنا التی تتعرّض لدعاء إبراهیم(علیه السلام)فی حقّ الاُمّة الإسلامیة، تقوم بتقدیم «تعلیم الکتاب والحکمة» على «التزکیة»، وتضع کلا فی مکانه الطبیعی له، حیث تقول: (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِیهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیَاتِکَ وَیُعَلِّمُهُمُ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَیُزَکِّیهِمْ إِنَّکَ أَنْتَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ).

أجل، هذا هو طلب إبراهیم (علیه السلام) من الله تعالى للاُمّة الإسلامیة واتّباع محمّد (صلى الله علیه وآله)، حیث أبان الهدف من بعثة هذا النبی العظیم (وسائر الأنبیاء) بکلّ وضوح.

إنّ التأمّل فی هاتین الآیتین یکشف عن نکات جدیرة بالاعتبار:

أوّلا: العبارة الواردة فی الآیة الاُولى دلیل على معرفة الله تعالى من جهة، وعلى النبوّة الخاصّة لنبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) من جهة اُخرى، حیث تؤکّد الآیة أنّ الله تعالى هو الذی بعث نبیّاً بهذه الخصوصیات وهذا لا یتمّ إلاّ عن طریق القدرة الإلهیّة فقط: (هُوَ الَّذِى بَعَثَ ...). وکذلک تقول: إنّ النبی هو ذلک الشخص الذی ظهر من بین جماعة اُمیّین، لکنّه على الرغم من ذلک فقد أصبح معلّماً للمئات والآلاف، وأفاض على أتباعه العلم والحکمة حتّى ظهر من بینهم بعد فترة قصیرة أکابر العلماء الذین قاموا بتأسیس حضارة عظیمة مشرقة.

ثانیاً: دار الحدیث فی کلتا الآیتین عن أربعة مواضیع وهی «تلاوة آیات الله تعالى» و«تعلیم الکتاب» و«تعلیم الحکمة» وأخیراً «التزکیة والتطهیر والتربیة».

إنّ الحالة الطبیعیة لهذه المواضیع الأربعة، هی کما اُشیر إلیها، بأنّه یجب ابتداءً أن یتعرف ویستأنس سمع الإنسان بکلمات الحقّ تعالى لیدرک بعد ذلک مضمون الکتاب من أعماق هذه الکلمات، ثمّ یتعرّف بعد ذلک على الحکمة أی الأسرار الکامنة فیها، وأخیراً یُطهر وینقی الروح والجسم.

هذا الترتیب الطبیعی یُلاحظ فی الآیة المرتبطة بدعاء إبراهیم (علیه السلام): لکن «التزکیة» قد تقدّمت على «تعلیم الکتاب والحکمة» کما جاء فی قوله تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ إِذْ بَعَثَ فِیهِمْ رَسُولا مِنْ أَنْفُسِهِمْ یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیَاتِهِ وَیُزَکِّیهِمْ وَیُعَلِّمُهُمُ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَإِنْ کَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلاَل مُبِین). (الجمعة / 2) (آل عمران / 164)

وذلک لکی تتبیّن هذه الحقیقة التی ترى أنّ الهدف الرئیس من کلّ هذه المقدّمات فی تلک الآیات هو الطهارة والتقوى وتربیة الإنسان ونمو المثل والقیم الأخلاقیة والإنسانیة.

ثالثاً: نظراً لتقدّم «التزکیة» على «التعلیم» فی آیتین من القرآن الکریم وتأخّرها عنه فی

آیة واحدة، یرد هذا السؤال وهو: أی منهما یکون الأصل حقیقة والآخر فرع؟

الجواب عن هذا السؤال لیس بتلک الصعوبة کما تقدّمت الإشارة إلى ذلک لأنّ «العلم» له حیثیة الطریقیة المقدّمیة، والهدف الرئیسی هو تربیة الإنسان وتزکیة النفس وتکامل الروح، وبعبارة اُخرى: إنّ تلاوة آیات القرآن الکریم وتعلیم العلم والحکمة کلّها تهدف إلى هذا الهدف الأسمى، وبناءً على ذلک تعدّ کلّ هذه مقدّمة بالنسبة للتزکیة التی تعتبر ذی المقدّمة، وما السبب وراء ذکر «التزکیة» قبل «تعلیم الکتاب والحکمة» فی آیتین اُخریین إلاّ لبیان دورها الخطیر هذا.

فضلا عن ذلک، فإنّ کلّ واحد من هذین الأمرین یترک أثره على صاحبه، أی إنّ الإنسان لا یسعى وراء العلم ما لم تتحقّق مرحلة تزکیة النفس، وما لم یتحقّق العلم فسوف لن تحصل المراحل العالیة من التزکیة، وبناءً على هذا فـ «التعلیم» و«التزکیة» لهما أثران متقابلان، کما یحتمل أن یکون الغرض من تنوّع الآیات حول هذا الموضوع هو إلفات النظر إلى هذا الأمر.

وینبغی ألاّ یخفى أنّ البعض من العلوم کالعلوم المرتبطة بالمعرفة بصورة عامّة ومعرفة الله تعالى ونظائرها لها حیثیة ذاتیة وعینیة، أو بعبارة اُخرى فهی مطلوبة بالذات، فی حین أنّ العلوم الاُخرى لیس لها حیثیة مقدمیة، ولهذا یمکن أن یکون تنوّع الآیات الآنفة الذکر إشارة إلى هذه الملاحظة أیضاً.

رابعاً: حول الاختلاف المحتمل بین «الکتاب» و«الحکمة» یعتقد البعض بأنّ الکتاب إشارة إلى القرآن الکریم، والحکمة إلى الأحادیث والسنّة النبویّة الشریفة، أو أنّ «الکتاب» إشارة إلى مجموعة الأحکام والأوامر الإلهیّة و«الحکمة» إشارة إلى أسرار تلک الأحکام وفلسفتها، لأنّ الإحاطة بتلک الأسرار تزید من عزم الإنسان على تنفیذها، کما أنّ هناک احتمالا آخر وجیهاً أیضاً وهو إنّ ذکرهما معاً «الکتاب والحکمة» إشارة إلى مصدری المعرفة الرئیسیین أی «الوحی» و«العقل».

خامساً: لفظة «الاُمّیین» على حدّ قول الکثیر من المفسّرین، إشارة إلى اُولئک الذین لا یعرفون القراءة والکتابة ویجهلون العلم والمعرفة على الإطلاق، أی کأنّما ظلّوا کما ولدتهم اُمّهاتهم بالضبط لم یتغیّروا قید أنملة أبداً.

وظهور النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) بین قوم کهؤلاء هو دلیل على عظمته وصدق دعوته.

لکن البعض من المفسّرین اعتبر لفظة «الاُمّیین» إشارة إلى أهل مکّة التی کانت تسمّى ب «اُمّ القرى»، وربّما قیل: إنّ المراد من «الاُمّیین» هم العرب وذلک لجهلهم بالقراءة والکتابة أیضاً.

لکن المعنى الأوّل أکثر تناسباً من تلک المعانی.

سادساً: إنّ التعبیر بـ «ضلال مبین» هو أفضل تعبیر یعکس حالة عرب الجاهلیة، فهم کانوا فی ضلال، وأی ضلال، إنّه ضلال مبین ظاهر بجمیع أبعاده، ألم یکن وأد البنات وعبادة الأوثان والتعصّبات القبلیة المقیتة والحروب الدائمة والإفتخار بالإغارة على الآخرین وأمثالها ضلالا مبیناً؟

والآیة الثالثة تشیر أیضاً إلى مسألة التربیة والتعلیم التی حصلت عند المسلمین على یدی نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) مع هذا الفارق وهو التأکید بصورة خاصّة على العلوم والمعارف التی یستحیل کسبها بدون بعثة النبی(صلى الله علیه وآله)، حیث تقول: (کَمَا أَرْسَلْنَا فِیکُمْ رَسُولا مِنْکُمْ یَتْلُوا عَلَیْکُمْ آیَاتِنَا وَیُزَکِّیکُمْ وَیُعَلِّمُکُمُ الْکِتَابَ وَالْحِکْمَةَ وَیُعَلِّمُکُمْ مَا لَمْ تَکُونُوا تَعْلَمُونَ).

وتفسیر هذه الآیة کسابقاتها، مع فارق وجود جملة فی ذیلها تشیر إلى أنّ نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) قد علّم الناس علوماً یستحیل الحصول علیها من دون الوحی، وهنا ینبغی ألاّ یفوتنا التفاوت الواضح بین جملة (لَمْ تَکُونُوا تَعْلَمُونَ) النافیة لإمکانیة التعلّم و(لَمْ تَعْلَمُوا)النافیة للعلم.

قال فی «روح المعانی» بعد الإلتفات إلى الجملة الأخیرة التی تشیر إلى العلوم التی لا یمکن اکتسابها إلاّ عن طریق الوحی: على هذا فالجملة المشار إلیها هی من قبیل ذکر الخاص بعد العام(1).

لکن المرحوم الشیخ الطوسی فی «التبیان» والشیخ الطبرسی فی «مجمع البیان» سبقاه فی التوجّه إلى هذه الملاحظة وأشارا إلیها بعبارة مختصرة واضحة.

إنّ کتابنا السماوی القرآن الکریم یحتوی فی الحقیقة على قسمین من العلوم، فالقسم الأوّل هو من المعارف التی یمکن أن تکتسب عن طریق الاستدلال العقلی، وإن کان القرآن قد عرض هذا القسم بشکل أکمل وأکثر اطمئناناً من الاستدلال العقلی.

والقسم الآخر یستحیل اکتسابه بغیر الوحی کما تقدّم، وهو الذی تمّ الاستناد إلیه فی الجملة الأخیرة (کالکثیر من الحقائق المرتبطة بعالم ما بعد الموت والقیامة)، أو التواریخ المعتبرة للأقوام والأنبیاء(علیهم السلام) السابقین والتی ضاعت على مرّ الزمن، وکذلک العلوم والمعارف التی حجبت عن أنظار المفکّرین فی ذلک الزمان على أقلّ تقدیر.


1. تفسیر روح المعانی، ج 2، ص 17.
تمهید:3 ـ إقامة القسط والعدل
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma