من الطـبیعی إنّ فریقاً من الأنانیین والمتغطرسین المـعاندین الذیـن یرون دعـوة الأنبیاء(علیهم السلام) مخالفة لأغراضهم الشخصیّة یمتنعون عن قبولها ویقفون منها موقفاً سلبیاً، ولو أنّ الله سبحانه وتعالى لم یبعث نبیاً فمن الممکن أن یدعی هؤلاء ادّعاءات وحجج واهیة، من بینها، أنّ الله سبحانه وتعالى لو بعث نبیاً لاستقبلناه بصدور رحبة ولآمنا برسالته وبما یقول، إلى غیر ذلک من الادعاءات الکاذبة.

وعلى هذا الأساس فإنّ أحد أهداف بعثة الأنبیاء هو إلقاء الحجة على هذه المجموعة على کافة المعاندین، وأنّ إلقاء الحجّة هذا، یمثل أولا: العدل الإلهی بالشکل الواضح والدقیق.

وثانیاً: یقطع على أهل الکذب الطریق ویحول دون تقدیمهم الحجج والادّعاءات الجوفاء، أو بتعبیر علمی أدقّ فإنّ مسألة استحقاق الجزاء بالنسبة لهذه المجموعة تخرج من إطار «الاستعداد والقوة» إلى حَیّز «الفعلیة».

ولذا قال تعالى: (رُسُلا مُبَشِّـرِینَ وَمُنذِرِینَ لِـئَلاَّ یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)، کما ورد نظیر هذا المعنـى فی آیتین أخریین یتّحد مضمـونهما فی قوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّـا أَهْلَکْنَـاهُمْ بِعَذَاب مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَـا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَیْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آیَاتِـکَ مِنْ قَبْـلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْـزَى). (طه / 134)

وورد قریب من هذا المعنى فی قوله تعالى: (وَلَوْلاَ أَنْ تُصِیبَهُمْ مُصِیبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَیْدِیهِمْ فَیَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَیْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آیَاتِکَ وَنَکُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ). (القصص / 47)