إحدى الطرق الاُخرى لمعرفة الأنبیاء الإلهیین (علیهم السلام) هی التحقیق فیما تتضمّنه دعواتهم، أی مجموعة المعارف والأحکام والقوانین، والبرامج الإنسانیة والأخلاقیة البنّاءة التی یدعون إلیها.

وسنتکلّم عن هذه المسألة بالتفصیل فی بحث النبوّة الخاصّة، أی إثبات نبوّة نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) کمثال على ذلک، إذ حینما نتأمّل فی تعالیمه بدقّه نجدها وبالرغم من ظهوره فی محیط یفتقر إلى کلّ أنواع الحضارة الإنسانیة بین قوم نصف متوحشین غارقین فی الخرافات والعادات الجاهلیة، تمزّقهم الخلافات الکثیرة والعقائد السخیفة والکثیر من الأحقاد والعداوات، نعم، وبالرغم من کلّ ذلک نجد أنّ تعالیم الدین الاسلامی عبارة عن مجموعة من العقائد التوحیدیة الخالصة الحاویة على أفضل المعلومات عن الله وصفاته الجلالیة والجمالیة، والعدید من تواریخ الأنبیاء (علیهم السلام) المذکورة بما یتناسب ورفعة منزلتهم بالإضافة إلى الأحکام والقوانین المتضمّنـة للعدالة الاجتمـاعیة، والبرامج العـاریة عن أوهام الخرافات والأخلاق والقیم التی تعدّ بحقّ متمّمة لمکارم الأخلاق، ونظیر هذه المسائل هو ما سنتطرق لشرحه مستدلّین بالآیات والروایات.

فهل بالإمکان ظهور مثل هذه التعالیم فی مثل تلک البیئة ومن إنسان اُمّی؟ ألیس هذا بنفسه خیر دلیل على صدق من جاء بها؟

ویکفی صدق نظیر هذ المعنى لوحده فی حقّ کلّ واحد من الأنبیاء والأئمّة(علیهم السلام) للتدلیل على صدقهم أیضاً، وبعبارة اُخرى: هل هناک معجزة أکبر من ظهور مثل تلک التعالیم من البشر؟ إنّ استحالة هذه المسألة بدون إمداد إلهی لا تخفى على أحد، فهی المعجزة بعینها.

بل التحقیق فی مضمون دعوة الأنبیاء ونکاتها الدقیقة، وروعة إرشاداتهم یعدّ أحیاناً عند أهل النظر والمعرفة أرفع درجة من المعجزات من قبیل شقّ القمر وإحیاء الموتى وإشفاء المرضى، وإن کانت المعجزات المادیة والحسیّة أهمّ عند عامّة الناس، وسنکتفی بهذه الخلاصة حول هذا البحث، ونترقّب شرحه فی مکان آخر.