الإعجاز، أوّل دلیل على النبوّة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السابع)
1ـ الاعجازثمرة البحث:

کمـا تمّت الإشارة سابقاً فانّ لفظة الـ «معجزة» لم ترد فی القرآن بالمعنى المصطـلح علیه الیوم أبداً، بل إنّ ألفاظـاً أخرى من قبیل «آیة» و «بیّنة» و «برهان» قـد حلّت محلّها، وعلـى الرغم من إطلاق هـذه الألفاظ الثلاثة فی القرآن على معانی أخرى أیضاً، فانّ «المعجزة» أحد معانیها.

الآیات المختارة المذکورة هی من أجلى الآیات التی تتحدّث عن المعجزة بالاستفادة من هذه الألفاظ الثلاثة، بالإضافة إلى بعض الآیات الأخرى التی تعکس مفهوم ضعف الإنسان وعجزه عن مقابلة بعض ما یقوم به الأنبیاء من بعض الممارسات الخارقة للنوامیس الطبیعیة بالمثل، بالرغم من خلوّها من کلّ واحدة من هذه الألفاظ الثلاثة، وبالنتیجة فهی تثبت استعانة الأنبیاء بـ «الإعجاز» للتدلیل على حقّانیتهم من جهة، ومطالبة الناس ب «المعجزة» من جهة أخرى.

ورد فی الآیة الاولى: (قَالَ إِنْ کُنتَ جِئْتَ بِآیَة فَأْتِ بِهَا إِنْ کُنتَ مِنَ الصَّادِقِینَ * فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌ مُبِینٌ * وَنَزَعَ یَدَهُ فَإِذَا هِىَ بَیْضَاءُ لِلنَّاظِرِینَ).

إذ نرى هنا أنّ فرعون قد اعتبر المطالبة بـ «آیة» أی «معجزة» حقّاً مشروعاً له، ومن المعلوم أنّ موسى قد وافق بدوره على هذا الطلب برحابة صدر، وجاء بنموذجین من معجزاته.

وبهذا فهذه الآیات تعتبر الأمور الخارقة للعادة (المشروطة) تمثل الطریق لمعرفة الأنبیاء(علیهم السلام).

هذه الآیات لم تقل أبداً أنّ هذا الشیء قد تجسّم أمام أنظار فرعون، بل تحکی عن حقیقة متحقّقة ألا وهی استبدال العصا بثعبان رهیب، وبیاض ید موسى حینما أخرجها من جیبه، کما أنّ التعبیر بالـ «مبین» إشارة إلى نفس هذا الشیء أیضاً.

یحتمل أن یکون السبب وراء اختیار هاتین المعجزتین یعود إلى امتلاک إحداهما میزة الإرهاب للمستکبرین والمعاندین وتهدیدهم، والأخرى میزة التـرغیب لإیمان المؤمنین، علـى أمل أن یمتزج «اللین» بـ «الشدّة» لیقدما معاً دواءً شافیاً للعباد.

و فی الآیة الثانیة تمّت الإشارة بقوّة إلى معجزات السیّد المسیح، وتمّ التعبیر عنها بالـ «آیة»، وکان ذلک فی وقت بشّرت فیه مریم(علیها السلام) بولادة المسیح(علیه السلام)، إذ قال تعالى: (وَرَسُولا إِلَى بَنِى إِسْرَائِیلَ أَنِّى قَدْ جِئْتُکُمْ بِآیَة مِنْ رَبِّکُمْ أَنِّى أَخْلُقُ لَکُمْ مِنَ الطِّینِ کَهَیْئَةِ الطَّیْرِ فَأَنفُخُ فِیهِ فَیَکُونُ طَیْراً بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الاَْکْمَهَ وَالاَْبْرَصَ وَأُحْىِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُکُمْ بِمَا تَأْکُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُیُوتِکُمْ إِنَّ فِى ذَلِکَ لاَیَةً لَکُمْ إِنْ کُنْتُمْ مُّؤْمِنینَ).

وقد تمّ فی هذه الآیة ذکر مجموعة من معجزات السیّد المسیح: خلق الطیر من الطین، وإبراء الأکمه والأبرص الذی یستحیل علاجه، وإحیاء الموتى، والتی تمّت کلّها بإذن الله بالإضافة إلى الإطّلاع على الأمور الخفیّة وأسرار الغیب.

لم تکن معجزة المسیح لتنحصر بهذه المعاجز الأربع فحسب، إذ إنّ هناک خوارق أخرى للعادات قد نقلت عنه فی القرآن الکریم، من جملتها تکلّمه فی المهد، ونزول مائدة من السماء على الحوارین بدعائه.

والمعروف هو أنّ اختیار الله لقسم من هذه المعجزات للمسیح (علیه السلام)، إنّما کان بسبب انتشار العلوم الطبیّة وتطوّرها فی ذلک الزمان، وحاجة الناس الماسة إلى مهنة الطبابة نظر لشیوع الأمراض آنذاک، فوضع الله هذه المعجزات الخاصّة تحت تصرّف المسیح، لیتعرّف به العالم وغیره ویستسلم له ولتتجلّى عظمة إعجازه بشکل أکبر(1).

هذه الملاحظة أیضاً جدیرة بالاعتبار وهی وجود نوع من التنسیق بین هذه المعجزات المادیّة، وبین البرامج المعنویة والتربویة للسیّد المسیح: فلقد ربى بدعوته هذه أناساً متفتّحین على أفکار ومعارف جدیدة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، شفاء المرضى الذین یستحیل علاجهم على یدیه، وإحیاء ضحایا وادی الضلال وهداهم، ومسح بأسرار الغیب وأنوار المعرفة على القلوب، وبهذا کانت تلک المعجزات المادیّة متناسبة مع هذه الأهداف المعنویة.

صحیح أنّ «المعجزة» یجب أن تکون عملا خارقاً للعادة بحیث یعجز الکلّ عن الإتیان بمثله، لکن الله الحکیم الذی یتصرّف بحکمة، قد اختار المعجزات طبقاً لبرنامج مدروس.

هذه الملاحظة أیضاً جدیرة بالتأمّل والتفحّص وهی أنّ التعبیر بـ «إذن الله» قد تکرّر مرّتین فی هذه الآیة، لئلاّ یضل الجهّال فی وادی الشرک أو یبالغوا فی درجة النبی إلى مرتبة الغلو، خصوصاً وأنّ کیفیة خلق عیسى کانت بشکل یساعد على تهیئة الأرضیة المناسبة للغلو فی أفکار قصیری النظر، ولذا فقد تمّ التأکید مراراً على إذن الله وأمره لئلاّ یذهب بهم خیالهم إلى اتّصافه واقعاً بصفات الربوبیة، وکون هذه الأعمال صادرة منه بنفسه، بل لیعلموا أنّها جمیعاً من عند الله.

الآیة الثالثة تبیّن بوضوح أنّ موسى (علیه السلام) قد جاء للفراعنة بالعدید من خوارق العادة، (أو بعبارة أخرى بالآیات المفصّلات)، لکن الملأ من آل فرعون لم یؤمنوا بحجّة کون ذلک «سحراً»، یقول تعالى: (وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آیَة لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَکَ بِمُؤْمِنِینَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَیْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آیَات مُفَصَّلاَت فَاسْتَکْبَرُوا وَکَانُوا قَوْماً مُجْرِمِینَ).

هذه الحوادث العجیبة وغیر المتوقّعة کانت لها صفتی التأدیب والإعجاز معاً.

کما أنّ الآیات اللاحقة لها تبیّن أیضاً أنّهم کانوا یلجأون إلى موسى عند الشدائد، ویرجون منه الطلب من الله برفع «البلاء» ویعدونه لئن کشفت عنّا الرجز لنؤمننّ لک، ولکن حینما کان یکشف عنهم الرجز ینکثون عهدهم، إلى أن استحقّوا أخیراً «عذاب الإستئصال» واجتُثُّوا عن بکرة أبیهم.

صحیح أنّ الفراعنة وبنی إسرائیل کانوا یعیشون معاً، لکن لا یخفى أنّ الفراعنة کانوا هم المستهدفین بهذه البلایا، فتلک قصورهم الفخمة تطلّ على طرفی النیل، بینما منازل بنی إسرائیل تقع فی مناطق نائیة، ولذا ذهب الطوفان والفیضان بقصور الفراعنة.

کما دمّر الجراد والآفات الزراعیة مزارعهم الواسعة، وحصلت زیادة مطّردة ومفاجئة فی تکاثر الضفادع لتخرج من النیل وتدخل فی کلّ جزئیات حیاة الفراعنة، بل لم تترک حتّى غرف نومهم وموائد طعامهم وأوانیهم بالإضافة إلى تحمّلهم لخسائر فادحة جدّاً حینما تلوّن نهر النیل بالدم.

لکن هذه البلایا أو بعبارة أخرى «المعجزات المنبّهة» التی ورد شرحها فی التوراة الحالی، فی «سفر الخروج» الفصل السابع إلى العاشر، لم توقظهم أبداً.

ویحتمـل أن یکون اختیار هذه المعجزات الخمس ناظراً إلى إحاطة العذاب الإلهی بکافّة شؤون حیاتهم، فالطوفان قلب قصورهم رأساً على عقب، والجراد دمّـر بساتینهم، و«القمّل» ذهـب بزراعتهم، والضفـادع سلبتهم راحة بالهم وسکینتهم، وإستبدال ماء النیل بالدم حرمهم ماء شربهم!

وهناک إشارة مختصرة فی الآیة الرابعة إلى معجزة نبی آخر وهو النبی صالح (علیه السلام)، حیث تعبّر عنها بـ «البیّنة»، وکذلک الـ «آیة»، یقول تعالى:

(وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ یَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَکُمْ مِنْ إِلَه غَیْرُهُ قَدْ جَاءَتْکُمْ بَیِّنَةٌ مِنْ رَبِّکُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللهِ لَکُمْ آیَةً ...).

«الناقة»: تعنی فی الأصل أُنثى البعیر، وقد أشیر فی القرآن إلى ناقة صالح بهذه اللفظة أکثر من مرّة، والتی کانت ناقة إستثنائیة بلا شکّ، وذلک فی کیفیة خروجها بالإضافة إلى بقیّة الحالات والصفات التی یکون الخوض فی جزئیاتها خارجاً عن موضوع هذا البحث، إذ لا نعلم أکثر من عدم کونها ناقة عادیة، ولذلک یعتبرها بمثابة البیّنة و الآیة ولغرض الوقوف على أهمیّة هذه المعجزة فقد تمّ التعبیر عنها فی الآیة المذکورة بـ «ناقة الله».

لماذا اختار الله هذه المعجزة من بین کلّ المعجزات لصالح(علیه السلام)؟ قال البعض: کان ذلک استجابة لطلب القوم لمثل هذه الناقة.

نقرأ فی إحدى الروایات: «حینما بُعث صالح بالنبوّة بین قوم ثمود الذین کان لهم سبعون صنماً یعبدونها، لبث فیهم مدّة طویلة یدعوهم وینصحهم، لکنّهم لم یجیبوه إلى خیر، فقال لهم ذات یوم: أنا أعرض علیکم أمرین، إن شئتم فاسألونی حتّى أسأل إلهی فیجیبکم فیما تسألون، وإن شئتم سألت آلهتکم فان أجابونی خرجت عنکم، فقد شنئتکم وشنئتمونی، فقالوا قد أنصفت!

فتـواعدوا لیوم یخرجون فیه، فخرجوا بأصنامهم إلى عیدهم وأکلوا وشربوا فلمّا فرغوا، دعوه فقالوا یاصالح سل فسألها فلم تجبه، فقال: لا أرى آلهتکم تجیبنی فاسألونی حتّى أسأل إلهی فیجیبکم الساعة، فقالوا یاصالح! اخرج لنا من هذه الصخرة (وأشاروا إلى صخرة منفردة) ناقة مخترجة جوفاء وبراء فان فعلت صدّقناک وآمنا بک، ففعل صالح ذلک ولم یؤمنوا»(2).

الکلام فی الآیة الخامسة هو عن «البیّنة» أیضاً، وقد ذکرت هنا «بیّنة نوح» تلک البیّنة التی یراد منها «معجزة ظاهرة»، إذ نراه یعقّب على کلام مشرکی القوم حینما قالوا: «بل نظنّکم کاذبین»، بالقول: (قَالَ یَا قَوْمِ أَرَأَیْتُمْ إِنْ کُنتُ عَلَى بَیِّنَة مِنْ رَّبِّى وَآتَانِى رَحْمَةً مِّنْ عِنْدِهِ فَعُمِّیَتْ عَلَیْکُمْ (تعصّباً وعناداً) أَنُلْزِمُکُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا کَارِهُونَ)(3).

قال الکثیر من المفسّرین أنّ «البیّنة» تعنی هنا المعجزة، وعلى الرغم من المنقول عن ابن عبّاس أنّ المراد بالبیّنة هو الدلیل المنطقی الجلیّ، لکن نظراً للتعبیر بـ «من ربّی» ولکون هذه البیّنة قد اقیمت فی مقابل تکذیب نوح وأتباعه، فلا یمکن أن یفهم منها سوى المعجزة، وربّما کان مراد ابن عبّاس من الدلیل الواضح نفس المعجزة أیضاً.

ونلاحظ فی الآیة السادسة تعبیراً آخر حول هذا الموضوع ألا وهو «البرهان» ، إشارة إلى معجزتی موسى المعروفتین واللتین وردتا فی الآیات السابقة،أی استبدال العصا بثعبان عظیم، وبیاض الید، یقول تعالى: (فَذَانِکَ بُرْهَانَانِ مِنْ رَبِّکَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلاَِیهِ).

و«البرهان»: وعلى حدّ قول الراغب فی المفردات یعنی الدلیل المحکم، وقد اعتبره البعض مصدراً لمادّة «بَرَهَ ـ یَبْرَهُ» إذا ابیضّ، وإطلاق هذه المفردة على الأدلّة المحکمة من باب بیانه للمطلب، وتوضیحه له، أو لأنّه یبعث على افتخار المتکلّم، أو أنّه إشارة إلى الکلام الواضح الذی یعتریه الإبهام.

وفی «لسان العرب» فسّر البرهان بمعنى الدلیل الواضح الذی یمیّز الحقّ عن الباطل، ومن هنا فسّر المفسّرون لفظة «برهانان» فی ذیل الآیة بمعنى الدلیلین الجلیین(4).

لکن صاحب کتاب «التحقیق» یعتقد بأنّ استعمال لفظة البرهان بمعنى الدلیل اصطلاح منطقی خارج عن دائرة اللغة، وأنّ معناه هو ذلک الکلام الواضح الخالی من الإبهام، أو الموضوع الواضح تماماً.

علـى أیّة حال، ففی الآیة أعلاه قد استعملت هذه اللفظة فی التعبیر عن المعجزة، التی تعدّ دلیلا جلیّاً وواضحاً على صدق مدّعی النبوّة، أی النبی موسى (علیه السلام) هنا.

وفی الآیة السابعة والأخیرة من الآیات التی وردت فی البحث لم یکن التعبیر بالـ «آیة» أو الـ «بیّنة» أو الـ «برهان»، بل بمصداق من المصادیق البارزة جدّاً للمعجزة، وبعد ذلک تمّ التصریح بالقول: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الاِْنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ یَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ یَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ کَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِیراً).

الهـدف لا یکمـن فی الخوض فی بحث «إعجـاز القـرآن» لأنّ هذا البحث قد جاء فی ذیل هذه الآیة فی المجلّد الثانی عشر من «التفسیر الأمثل»، کما سیأتی أیضاً فی المجلّد القادم من نفحات القرآن، بشرح أوفى، إنّما الهدف هو بیان حقیقة کون المعجزة هی إحدى الطرق القطعیة لمعرفة الأنبیاء (علیهم السلام).

ولذا نقرأ فی ذیل آیة أخرى دعوة القرآن المخالفین للإتیان بعشر سور مثل سور القرآن: (فَإِنْ لَمْ یَسْتَجِیبُوا لَکُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللهِ). (هود / 14)


1. وردت هذه الملاحظة فی حدیث عن الإمام علی بن موسى الرضا (علیه السلام) (بحار الأنوار، ج 11، ص 70).
2. تفسیر مجمع البیان، ج 4، ص 441 (بتلخیص).
3. جملة (أنلزمکموها) هی بمثابة الجزاء للقضیّة الشرطیة «إن کنت».
4. تفسیر الکبیر، ج 24، ص 238.
1ـ الاعجازثمرة البحث:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma