بدیهی أنّ الله تعالى ولغرض هدایة عباده لا یقدم على أدنى شیء یکون سبباً فی انحرافهم ورکونهم للباطل وسلوکهم سُبل الضلال لأنّ صدور عمل کهذا من أی کان فهو قبیح فکیف بذاته تعالى؟
لو وضع الله أسرار النبوّة ـ الشاملة للاعجاز والأدلّة العلمیة ـ تحت تصرف غیر المعصوم، أی فی خدمة من یحتمل کذبه وخطأه وارتکابه للمعاصی، فقد أوقع عباده فی الضلال، وهذا بالضبط یشبه قیام شخص معروف بانتخاب شخص مخادع منحرف وکیلا عنه، ألیس هذا العمل قبیحاً؟
کیف نحتمل صدور مثل هذا العمل من الله تعالى، أن یضع المعجزات وأسرار النبوّة بید شخص مذنب کذاب منحرف وعاص؟!
وقد صرح القرآن بکلّ جلاء بهذا الموضوع قائلا: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَیْنَا بَعْضَ الاَْقَاوِیلِ * لاََخَذْنَا مِنْهُ بِالْیـَمِینِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِینَ) (أى فلا أحد منکم یقدر على منعنا من ذلک أو الدفاع عنه). (الحاقة / 44 ـ 46)
هذه الآیات تؤکّد على نفس الحقیقة التی تمّت الإشارة إلیها، وهی أنّ من یمتلک الآیات والحجج الإلهیّة والمجهّز بسلاح الإعجاز القوی، فقد وعده الله تعالى بقوله، لو انحرف حتّى للحظة واحدة عن المسیر الإلهی، فلن یمهله الله تعالى، بل سیضربه فی أخطر نقطة من بدنه أی شریان قلبه ویقضی علیه، وفیما عدا ذلک فانّ الله هو السبب وراء إضلال الناس وإغرائهم بالجهل، وهذا بنفسه یعدّ دلیلا صارخاً على مسألة العصمة.
ومع أنّ مسألة الخطأ خارجة عن إرادة الإنسان فلا یمکن معاقبة أحد على الأخطاء التی یستحیل اجتنابها، ولکن بما أنّ هفوة النبی وخطأه یترک نفس الأثر الذی یترکه افتراؤه على الله، أی یکون السبب وراء إضلال خلق الله، إذن یمکن الاستفادة من مضمون هذه الآیة أنّ النبی مصون من مثل هذا الخطأ أیضاً.
وکدلیل على ذلک نقرأ هذا الحدیث عن علی بن موسى الرضا (علیه السلام) حیث قال للمأمون: «من دین الإمـامیة، لا یفرض الله طـاعة من یعلم أنّه یضـلّهم ویغویهم، ولا یختار لرسالتـه ولا یصطفی من عبـاده من یعلم أنّه یکفـر به وبعبـادته، ویعبد الشیطان دونه»(1).
و نقرأ فی حدیث آخر عن الإمام علی (علیه السلام) أنّه قال:
«إنّ الله إنّمـا أمر بطـاعة رسوله لأنّه معصوم مطهّر لا یأمر بمعصیة الله وإنّما أمر بطاعة اُولی الأمر لأنّهم معصومون مطهّرون لا یأمرون بمعصیة الله، فهم اُولو الأمر، والطاعة لهم مفروضة من الله ومن رسوله، لا طاعة لأحد سواهم»(2).