کیف یکون المذنبون دعاةً للتقوى؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السابع)
تمهید:من هم أهل البیت؟

إنّ الآیة الاُولى من آیات بحثنا تکشف النقاب عن ثلاثة مواضیع:

الأوّل: الإبتلاءات الکبیرة التی أُبتلی بها إبراهیم من قبل الله تعالى، والتی اجتازها بنجاح تامّ.

الثانی: المـکافأة العظیمة التی نالهـا إبراهیم من الله بعد هذا الاختبار، أی مقام الإمامة.

الثالث: طلب إبراهیم منح هذه الموهبة لبعض ذرّیته، وجواب الله تعالى له بأنّ الظالمین من ذرّیته لن ینالوا هذا المقام الرفیع أبداً:

(وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّى جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّیَّتِى قَالَ لاَ یَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِینَ).

أمّا فیما یتعلّق بالقسم الأوّل فقد تقدّم الکلام عنه بشکل واف فیما مضى، کما أنّ هناک حدیثاً طویلا فیما یتعلّق بالقسم الثانی أی نیل مقام الإمامة الرفیع وماهیتها.

فهل أن الإمامة تعنی «النبوّة»؟ فی حین أنّ هناک قرائن واضحة تدلّ على أنّ إبراهیم (علیه السلام)قد تطرّق لهذا الأمر بعد وصوله لمقام النبوّة، وفی أواخـر سنـیّ عمره، حینما کان له أولاده وذرّیته کإسماعیل وإسحاق، وعلى أمل امتداد ذرّیته هذه إلى الأجیال اللاحقة، ومن هنا فقد تمنّى لهم أیضاً مقام الإمامة، إذ إنّه وکما نعلم لم یرزق ولداً لمدّة مدیدة، حتّى أنّه أخذته الدهشة حینما بشّره الملائکة الموکّلون بهلاک قوم لوط، هو وزوجته بولد کما تقرأ فی قوله تعالى: (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِى عَلَى أَنْ مَسَّنِىَ الْکِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاکَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَکُنْ مِنَ الْقَانِطِینَ). (الحجر / 54 ـ 55)

بـل قد تعجّبت زوجتـه أیضاً لهـذه البشرى واستغربت قائـلة: (قَالَتْ یَا وَیْـلَتى ءَأَلِدُ وَأَنَـا عَجُوزٌ وَهَـذَا بَعْـلِى شَیْخاً إِنَّ هَـذَا لَشَـىءٌ عَجِیبٌ). (هود / 72)

لکن المـلائکة حذّرته من تبعة الیأس من رحمـة الله فی کلّ الأحوال.

وبناءً على هذا فمن المستبعد جدّاً أن یکون المراد هو النبوّة، بل المراد هو الحکومة

الإلهیّة المطلقة على الأموال والأنفس وکلّ شؤون الحیاة الإنسانیة، أو الحکومة الظاهریة والباطنیة على الأرواح والأنفس عن طریق التربیة الظاهریة والباطنیة لإیصال الناس إلى الکمال المطلوب بإذنه تعالى، وعدم الإقتصار على رسم الطریق فحسب، والذی یعدّ من مهام کلّ الأنبیاء.

على أیّة حال فإنّه مقام یفوق النبوّة، ولم ینله إلاّ البعض من الأنبیاء فقط.

وامّا فیما یتعلّق بالموضوع الثالث وهو طلب إبراهیم هذا المقام لبعض أولاده، وسماعه الجواب فی الحال من أنّ هذا المقام هو نوع من التعهّد الإلهی لا یناله الظالمون، فالکلام فیه یدور حول المراد من «الظالم» معنىً ومفهوماً.

یجب معرفة ما المراد بالظالم؟ هل هو فقط ذلک الشخص الموصوف بهذه الصفة فعلا؟ مع أنّه یستبعد جدّاً بل یستحیل أن یطلب إبراهیم (علیه السلام) مثل هذا الطلب للظلمة من ذرّیته خصوصاً بعد اجتیازه لکلّ تلک الإختبارات الصعبة وشموله بمثل تلک العنایة، هذا الشیء غیر معقول أبداً سواء کان هذا الظلم بمعنی الکفر کما یصرّح بذلک القرآن الکریم: (إِنَّ الشِّرْکَ لَظُلْمٌ عَظِیمٌ). (لقمان / 13)

أو بمعناه الواسع الشامل لکل أنواع الفسق والفجور والمعصیة.

وبناءً على هذا فالمراد بـ «الظالم» هنا هو ذلک الشـخص الموصوف بتلک الصفة ولو للحظة واحدة طول عمره مهما انقضى على تلک اللحظة من مدّة، فان مثل هذا المصداق بحاجة إلى بیان.

وفـی الحـقیقة إنّ الله تعـالى أراد ببیـانه هـذا إیقاف إبراهیم على هـذه الحقیقة، وهی أنّ مقـام الإمامة رفیع بدرجة لا یناله إلاّ اُولـئک الذین یلیقون لهـذه (النعمة) العظیمة المنزّهون عن کلّ أنواع الظلـم والشرک والکفر والمعصیة، وبعبـارة اُخرى، المعصومون.

ولذا یقول الفخر الرازی حین یصل إلى تفسیر الآیة المذکورة: «هذه الآیة تدلّ على عصمة الأنبیاء من وجهین:

الأوّل: إنّه قد ثبت أنّ المراد من هذه العصمة: الإمامة، ولا شکّ أنّ کلّ نبی إمام، فانّ الإمام هو الذی یؤتمّ به، والنبی أولى الناس بذلک، وإذا دلّت الآیة على أنّ الإمام لا یکون فاسقاً، فإنّها تدلّ على أنّ الرسول لا یجوز أن یکون فاسقاً فاعلا للذنب والمعصیة أولى.

الثانی: إنّ التعبیر بـ «عهدی» لو کان یشیر إلى النبوّة فالقصد منه أن أحداً من الظلمة لا ینال مقام النبوّة، وأنّ النبی یجب أن یکون معصوماً، ولو کان یشیر إلى الإمامة فدلالة الآیة تامّة أیضاً، لأنّ کلّ نبی إمام نظراً لاقتداء الناس به (فی کلّ الاُمور بلا قید أو شرط)»(1).

مـع أنّ کلام الـرازی فی تفسیر الإمـامة لم یف بالمطلوب (کما تقـدّم)، لکن اعترافه الصریح فیما یتعلّق بالدلالة على لزوم عصمة الأنبیاء (والأئمّة) ملفت للنظر، والإشکال الوحید الذی یمکن إیراده على هذا الاستدلال، هو أنّ عصمة الأئمّة هی المستوحاة من الآیة المذکورة لا الأنبیاء (الأئمّة بالمعنى المتقدّم).

لکن هذا الإشکال یمکن ردّه بالقول: إنّ طلب إبراهیم(علیه السلام) مع أنّه یدور حول مقام الإمامة، فلفظ «العهد» الوارد فی جواب الباری جلّت قدرته: (لاَ یَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِینَ)تشمل کلا من «الإمامة» و«النبوّة» معاً، لکون کلّ منهما عهداً إلهیّاً لبداهة شموله لهما کیفما فسّرناه، وموهبة کهذه لا تکون من نصیب الظالمین کما جاء فی روح البیان أیضاً: «وفی الآیة دلیل على عصمة الأنبیاء علیهم الصلاة والسلام من الکبائر قبل البعثة وبعدها»(2).

فی الآیة الثانیة یأمر الله تعالى المؤمنین کافّة بالامتثال لأوامر النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)واجتناب ما ینهى عنه، ویحثهم على التقوى لأنّه تعالى شدید العقاب.

(وَمَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِیدُ الْعِقَابِ).

التأمّل فی الآیة یکشف عن أنّ المـراد من: (وَمَا آتَاکُمُ الرَّسُولُ)، هـو کلّ أوامـر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، باعتبار أنّ نواهیـه هی الطرف المقابل: (وَمَا نَهَاکُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)، ومـن هنا فقد صرّح الکثیر من المفسّرین بعمومیة مفاد الآیة (کالطبرسی فی مجمع البیان، أبی الفتوح الرازی فی روح الجنان، القرطبی فی تفسیره، والفخر الرازی فی التفسیر الکبیر، بالإضافة إلى العدید من المفسّرین المعروفین أیضاً)؟

وطبقـاً لهـذه الآیة یجب التسلیم المطلـق فی مقابل أوامـر النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)ونواهیه، ولا یمکن تصوّر التسلیم والطاعة بلا قید أو شرط لشخص غیر المعصوم، إذ مـع ارتـکاب الخـطأ أو المعصیـة والـذنب یجب علـى المـؤمنین تنبیهه على ذلک أو نهیه عنه فضلا عن حرمة التسلیم له.

کما ورد نظیر هذا المعنى أیضاً بصیغة اُخرى فی الآیة الثالثة من آیات بحثنا حیث تقول کحکم مطلق: (مَنْ یُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاکَ عَلَیْهِمْ حَفِیظاً).

الملفت للنظر هو ما قاله الفخر الرازی فی تفسیره: «إنّ هذه الآیة هی من أقوى الأدلّة على عصمة نبی الإسلام فی کلّ أوامره ونواهیه، وبأنّ کلّ ما یقوله هو عن الله تعالى، لأنّه لو أخطأ فی شیء فلن تکون إطاعته إطاعة الله تعالى، کما یجب أن یکون معصوماً فی أفعاله أیضاً، لأنّ الله تعالى قد أمر باتّباعه» (بشکل مطلق)(3).

و کذلک فقد جاء نظیر هذا المعنى أیضاً بقالب آخر فی الآیة الرابعة من آیات بحثنا حیث تقول: (فَلاَ وَرَبِّکَ لاَ یُؤْمِنُونَ حَتَّى یُحَکِّمُوکَ فِیَما شَجَرَ بَیْنَهُمْ ثُمَّ لاَ یَجِدُوا فِى أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَیْتَ وَیُسَلِّمُوا تَسْلِیماً).

من الواضح أن هناک مجالاً للاعتراض أو عدم قبول حکم القاضی إذا قطعنا بخطئه، فلا یجب الانصیاع لحکمه، فی حین أننا یجب أن لا نشک طرفة عین فی صوابیة أحکام الرسول الاکرم ویجب أن نُسلم تسلیماً مطلقاً ونرضى من الأعماق بما یقضی ویحکم به الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) من دون أن یساورنا الشک أو یدخل فی نفوسنا الحرج، وما أکّدت علیه الآیة أعلاه دلیل واضح على معصومیته، ولذا یصرّح الفخر الرازی فی ذیل هذه الآیة بأنّها تدلّ على أنّ الأنبیاء (علیهم السلام) معصومون من الخطأ فی الفتاوى والأحکام، لأنّـه تعالى أوجب الإنقیاد لحکمهم وبالـغ فـی ذلک الوجوب، وبیّن أنّه لابدّ من حصـول ذلک الإنقیاد فی الظاهر وفی القلب، وذلک ینفی صـدور الخطأ عنهم(4).

صـحیح أنّ الآیـة قد نزلت فی تحکیم نبی الإسـلام (صلى الله علیه وآله)، لکنّها توجب إطـاعته فـی کلّ شـیء طبقاً للقـرائن التـی تحفّ بها، ولذا نقـرأ فـی الحـدیث عن الإمام الصادق (علیه السلام): «لو أنّ قوماً عبدوا الله، فأقاموا الصـلاة، وآتوا الزکاة، وصـاموا شهر رمضان، وحجّوا البیت، ثمّ قالوا لشیء صنعه رسول الله ألا صنع خـلاف ما صنع أو وجدوا مـن ذلک حرجاً فی أنفسهم لکانوا مشـرکین! ثمّ تلا هذه الآیة ...»(5).

واضح أنّ هذه الآیة لا تختصّ بزمن النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) فقط، بل هی قائمة إلى یوم القیامة، وقد أشار البعض من المفسّرین إلى ذلک أیض(6).

وبناءً على هذا فکلّ من خالف سنّة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) القطعیّة وأحکامه، أو وجد من ذلک حرجاً فی نفسه أصبح مصداقاً لهذه الآیة.

وبالجملة فالآیات الثلاث السابقة هی بصدد بیان حقیقة واحدة بعبارات شتّى، ألا وهی ضرورة التسلیم المطلق أمام أوامر النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) وأحکامه، ولا یتمّ هذا إلاّ بالقول بضرورة عصمته.

والغریب هـو أنّ بعضاً من مفسّری أهل السنّة قد استدلّ بما جاء فی صحیح مسلم أنّ النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) مرّ بقوم یلقّحون (النخل) فقال: «لو لم تفعلوا لصلح، قال: فخرج شیصاً (لم یثمر)، فمرّ بهم فقال: ما لنخلکم؟ قالوا: قلت کذا وکذا. قال: أنتم أعلم بأمر دنیاکم»(7).

ومن هنا فقد قسّم البعض منهم أحـادیث النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) إلى قسمین: ما یقولـه عن الله تعالى فی المسائل الدینیة والشرعیة، وما یقول عن نفسه فی اُمور الدنیا، فهو معصوم فی الأوّل دون الثانی!!

لکننا لا نعتقد بصحة مثل هذه الاحادیث مطلقاً لانها من أجلى مصادیق الروایات المخالفة لکتاب الله تعالى، لأنّ القرآن اعتبر کلام الرسول(صلى الله علیه وآله) وأحادیثه مقیاساً ومیزاناً، واعتبره عین الوحی، حیث ورد فی قوله تعالى: (وَمـا یَنطِقُ عَنِ الهوى). (النجم / 3)

فکیف یمکن التصدیق بأنّ نبیّاً بکلّ تلک العظمة یدعو الناس إلى شیء من دون علم، بحیث یکون سبباً لدمار محاصیلهم ثمّ یتنازل عن کلامه هذا ویقول لهم: أنتم أدرى منّی باُمور دنیاکم، فی حین أنّه وبلا شکّ یعدّ من أعلم وأذکى الناس وله اطّلاع واسع باُمور من قبیل تأبیر النخل و... بل کیف یمکن لشخص یبدی رأیه رجماً بالغیب (والعیاذ بالله) أن یکون رئیساً لحکومة إسلامیة بتلک العظمة.

ولهـذا السبب لا نستبعد کون مثـل هذه الأحادیث من الموضوعات التی دبرها المنافقون وأعداء الإسلام، وأدخلوها بین طیّات الکتب الإسلامیة للحطّ من عظمة ومنزلة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)، وعلمه وعقله وتعریضه للشکّ والریبة والاستفهام.

إن عـدم نقل هذا الحدیث فـی الکثیر من المصـادر الإسلامیة الاُخرى، یعدّ بنفسه دلیلا على عدم اطمئنان علمـاء الإسلام بمثل هذه الأحادیث الواهیة، والذی یدعو للعجب هو الاستشهادبها من قبل أشخاص کـ «المراغی» وصاحب «المنار» فی تفاسیرهم، فی الوقت الذی یُشکلون على الکثیر من المسائل الاُخرى.

علـى أیّة حال فتقسیم أقوال وافعال وتقریرات الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله) إلى قسمین، یفتح الطریق أمام الذین فی نفوسهم مرض، لتفسیر ما یقوم به النبی الأکرم وفی شتّى المجالات الاجتماعیة والحیاتیة والبشریة، والتشکیک به، ثم الاستفهام هل هو من القسم الأوّل أو الثانی؟

لذا ـ وکما سیأتی إن شاء الله ـ لو وجد الخطأ والإشتباه طریقه إلى شیء من کلام النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله)، لما بقی هناک مجال للاعتماد على کافّة أحادیثه، ولهذا نعتقد نحن بوجوب

عصمة الأنبیاء والأئمّة من جمیع الجهات.

الآیة الخامسة تخاطب المسلمین وتقول لهم: (لَقَدْ کَانَ لَکُمْ فِى رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ کَانَ یَرْجُوا اللهَ وَالْیَوْمَ الاْخِرَ وَذَکَرَ اللهَ کَثِیراً).

«الاُسوة»: لها معنیان: فهی تارة تعنی الإصلاح والعلاج ومن هنا قیل للطبیب «آسی»، وتارة تعنی «الغمّ والحزن».

یعتقد البعض أنّ هذه المفردة لو کانت «معتلا واویاً» لکانت بالمعنى الأوّل، ولو کانت «معتلا یائیاً»، لکانت بالمعنى الثانی.

کما احتمل أیضاً عودة کلا المعنیین إلى معنى واحد باعتبار أنّ الغمّ والحزن والأسى إنّما یکون على ما فیه الصلاح والعلاج.

على أیّة حال فظاهر معنى الآیة الخامسة هو الإقتداء والإقتفاء (باعتبار أنّ الإقتداء بالعظماء یعدّ من أفضل طرق الصلاح).

الملفت للنظر أنّ «الاُسوة» کـ «القدوة» لها معنىً مصدری وهو الإقتداء والمتابعة ولیس معنىً وصفیّاً کما هو متداول الیوم، وبعبارة اُخرى فالقرآن الکریم لا یقول: النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)قدوة لکم، بل یقول: فی وجوده قدوة حسنة (تأمّل جیّداً).

التعبیر بـ «لقد» للتأکید، وذکر «کان» إشارة إلى حقیقة کون النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) قدوة للمسلمین على مرّ الزمن.

مع أنّ المخاطب فی هذه الآیة (لکم) یشمل کلّ المؤمنین، لکن جملة: (لِمَنْ کَانَ یَرْجُوا اللهَ وَالْیَوْمَ الاْخِرَ وَذَکَرَ اللهَ کَثِیراً) تفید أنّ الأشخاص الذین یتّصفون بهذه الأوصاف، وهی رجاء رحمة الله والیوم الآخر والذکر الکثیر لله تعالى، هم فقط اُولئک الذین یتسنّى لهم الاستفادة من هذه القدوة الحسنة.

وبالرغم من أنّ هذه الآیة ناظرة إلى استقامة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) وشجاعته الخارقة فی معرکة الأحزاب: ولکن هذا لا یحدّد مفهوم الآیة نظراً لإطلاقه وخلوّه من کلّ قید أو شرط.

الإجابة عن سؤال:

وهنا یتبادر فی الذهن هذا السؤال وهو: هل یمکن الإقتداء المطلق بلا قید أو شرط بمن لا یتمتّع بمقام العصمة؟! والجواب واضح وهو یمثل دلیلا وشاهداً على مسألة العصمة، إذن فالأمر بالإقتداء هذا خیر دلیل على حقیقة معصومیته، وإلاّ لما جاز أن یکون قدوة فی کلّ شیء، ولکلّ شخص فی أیّ زمان ومکان.

ومـن هنا فالآیة الآنفة الذکر متّفقة مع الآیات التی تأمر المؤمنین بإطاعة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) بلا قید أو شرط (الآیات السابقة).

ربّما قیل: إنّ التعبیر بـ «الاُسوة» قد جاء فی القرآن فی موضعین آخرین (الممتحنة / 4 و6) وأنّه شامل للمؤمنین الذین کانوا مع نبی عظیم کإبراهیم (علیه السلام)، بالإضافة إلیه، بالرغم من عدم عصمتهم، یقول تعالى: (قَدْ کَانَتْ لَکُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِى إِبْرَاهِیمَ وَالَّذِینَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْکُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ). (الممتحنة / 4)

لـکنّ التدقیق فی الآیة المذکورة یکشف انحصار الإقتداء والتأسّی هنـا فی بُعد واحد فقط، ألا وهو مسألة البراءة من المشرکین، إذ إنّ هناک طائفة من المسلمین فی عصر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) حدیثو عهد لم یستسیغوا التخلی عن أقربائهم ومعارفهم من المشرکین بسهولة، وهنا یقول القرآن: اقتدوا بإبراهیم وأصحابه فعندما أصبحوا موحدین أعلنوا عن استیائهم من المشرکین والبراءة منهم.

کما أنّ الآیة السادسة من هذه السورة تؤکّد على هذا الموضوع أیضاً، وبناءً على هذا فالخطاب لم یقصد منه مطلق الإقتداء والتأسّی بأصحاب إبراهیم (علیه السلام)(تأمّل جیّداً).

والمخاطب فی الآیة السادسة هم أهل بیت النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) إذ یقول تعالى: (إِنَّمَا یُرِیدُ اللهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً).

جاء فی مقاییس اللغة أنّ أصل «الرجس» هو «الإختلاط»، ثمّ أطلق على الأشیاء النجسة لاختلاطها بشیء آخر.

لکن «الراغب» فسّر أصل الرجس فی «مفرداته» بمعنى «الشیء القذر» وقال: إنّه یکون على أربعة أوجه: إمّا من حیث الطبع، وإمّا من جهة العقل، وإمّا من جهة الشرع، وإمّا من کلّ ذلک.

وقد ذکر البعض مصادیق أو معانیَ عدیدة لـ «الرجس» کالذنب والشرک والحسد والبخل، والقذارة، النجس المختلط، الصدید والجراحة، الصیاح الخارج عن الحدّ المتعارف، الشکّ، الکفر، اللعن، الرائحة الکریهة وأمثالها.

یبـدو أنّ «الرجس» فی هذه الآیة ونظـراً لإطلاقها، له معنى واسع شامل، لکلّ أنواع الذنب والشرک والبخل والحسد والفسوق الظاهری والباطنی والأخـلاق والعادات السیّئة التی تشمئـز منها النفوس، والحقیقة أنّ أهل بیت النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)وبإرادة من الله تعالى کانوا مطهّرین من کلّ هذه الاُمور، ولا شکّ أنّ هـذه الآیة تثبت مسألة العصمة فی شخص النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) وأهل بیته (أمّا فیما یتعلّق بالمراد من أهل البیت ومن هم؟ فسیأتی الکلام عن ذلک إن شاء الله تعالى)، إنّ إرادته تعالى لابدّ وأن تتحقّق، وإرادته فی إذهاب الرجس عن هذه الاُسرة لا یعنی سـوى «ضمان عصمتهم» مفهوماً، لبـداهة کون الشرک والـذنب من أجلى مصادیق الرجس والقذارة، ولا شکّ أنّ نفی الرجس بشکل مطلق یشمل الذنوب أیضاً.

هـل أنّ هذه الإرادة تشریعیة أم تکوینیة؟ وبعبـارة اُخرى، هل أنّ الله تعالى أمر أهل البیت بعدم ارتکاب الذنوب والقبائح، أم أنّه تعالى أودع الطهارة فی نفوسهم؟

بدیهی أنّ المراد لیس المعنى الأوّل، نظراً لعدم انحصار الإرادة التشریعیة (التکلیف بأداء الواجبات وترک المحرّمات) باُسرة النبی فقط، بل شمولها لکلّ الناس بلا استثناء فی اجتناب الذنوب، فی حین أنّ کلمة «إنّما» تدلّ على اختصاص وانحصار هذه الموهبة فی أهل بیت النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) (تأمّل جیّداً).

وبناءً على هذا فـ «الإرادة» هنا تنحصر بالإرادة التکوینیة، لکن لیس بذلک المعنى الذی یستلزم القول بالجبر وأنّ أهل بیت النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) مجبرون على العصمة، لأنّ الأنبیاء والأئمّة ـ وکما سیأتی الحدیث عن ذلک بالتفصیل ـ لا یذنبون مع قدرتهم على ارتکاب الذنب، حیث إنّ الله تعالى قد منحهم سلسلة من المعارف والمبادیء الفطریة التی تدعوهم إلى الطهارة، بالضبط مثل العاقل الذی تمنعه معرفته ومبادؤه الفطریة من خروجه إلى الزقاق عاریاً کما خلقه الله تعالى، مع بداهة قدرته على ذلک (سیأتی شرح واف لهذا الموضوع فی ذیل الآیات).


1. تفسیر الکبیر، ج 4، ص 48.
2. تفسیر روح البیان، ج 1، ص 338.
3. تفسیر الکبیر، ج 10، ص 193.
4. تفسیر الکبیر، ج 10، ص 165.
5. تفسیر مجمع البیان، ج 3، ص 69.
6. تفسیر روح المعانی، ج 5، ص 65.
7. جاء فی صحیح مسلم فی هذا الموضوع ثلاثة أحادیث متّفقة مضموناً وبعبارات شتّى، (صحیح مسلم، ج 4، الباب 38 ص 1835، ح 139 و141 باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً دون ما ذکره(صلى الله علیه وآله) من معایش الدنیا على سبیل الرأی).
تمهید:من هم أهل البیت؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma