4 ـ السحر لا یضاهی المعجزة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السابع)
3 ـ الاختلاف بین معجزات الأنبیاء(علیهم السلام)5 ـ منطق منکری الإعجاز

وهنا یرد سؤال مهمّ آخر کان قد تجسّد فی کلمات العلماء منذ قدیم الأیّام، وهو أنّه کثیراً ما یشاهد أنّ أشخاصاً حتّى من الکفّار قد نالوا قسطاً من خوارق العادات نتیجة للریاضات الشاقّة ومقاومة میول النفس والتمارین الصعبة للغایة، وبالخصوص بین مرتاضی الهند، وهناک نماذج مختلفة منها فی کتب العلماء والصحف الیومیة، وهی بکثرة بحیث لا یمکن إنکارها، بل إنّ أصعب الناس تصدیقاً حینما یرى هذه المواقف یذعن بإمکان صدور الاُمور الخارقة للعادة من أفراد لا یمتّون للدین بصلة.

والآن یثار هذا السؤال: وهو أنّه کیف یمکننا التمییز بین خوارق العادات هذه وبین معجزات الأنبیاء؟ ولو کان هناک تفاوتاً بینهما فما هو؟ ألا یحتمل أن تکون معجزة النبی من قبیل خوارق العادات لدى المرتاضین أیضاً؟

الجواب: ینبغی أوّلا تقدیم تعریف مختصر عن «السحر» فهنـاک أبحاث موسّعة عن ماهیة السحر وتاریخ ظهوره، إذ من الصعب تحدیده بتأریخ معیّن، لکن یمکن القول: إنّ السحر یعنی فی الأصل کلّ أمر لا یعرف مصدره، ویطلقونه عادةً على الاُمور الخارقة للعادة التی تتمّ بطرق معیّنة، والهدف منه هو إغفال الناس وخداعهم.

کما ویتوسّلون أحیاناً بالعوامل التلقینیة أی إنّهم یعکسون أمام أنظار العوام مسائل لا حقیقة لها، بالتلقینات القویّة والمؤثّرة، ویستفیدون أحیاناً من المهارة والخدعة، وهی ما یصطلح علیها بـ «الشعوذة»، وهکذا یشغلون الناظر بأشیاء معیّنة ثمّ یحرّکون الأشیاء عن مواضعها بسرعة ومهارة بحیث لا یلتفت إلیها الناظر بل یظنّها خرقاً للعادة.

کما ویستعینون أحیاناً بالخواصّ الفیزیائیة والکیمیائیة المجهولة لبعض الأجسام، أو الاُمور المرتبطة بکیفیة صدور النور من زوایا مختلفة، بحیث یرى الناظر أمامه اُموراً خارقة للعادة لا یعلم بأسرارها.

وأخیراً تلک الاُمور الخارقة للعادة عن طریق الإرتباط بالأرواح والإستعانة بالشیاطین، وهذه کلّها تندرج تحت المفهوم اللغوی الجامع لکلمة «السحر».

کما یمکن اعتبار أعمال المرتاضین التی یؤدّونها عن طریق التمارین الشاقّة، وتمرکز القوى الروحیة والبدنیة ضرباً من «السحر» أیضاً، وإن کانت تعدّ أحیاناً خرقاً للعادة فی قبال السحر.

على أیّة حال فأداء هذه الاُمور من قبل البعض لا یمکن إنکاره، لکن الشیء المهمّ هو الوقوف على ممیّزات کلّ من «المعجزات» و «السحر وخرق المرتاضین للعادات»، لیتبیّن الفرق بینهما بالکامل.

وهنا نواجه بعض الاختلافات البارزة:

1 ـ المعجزة مستندة على القوّة الإلهیّة فی حین أنّ سحر السحرة وخرق المـرتاضین للعادات ینبعان من القوّة البشریة، ولذا فالمعجزات عظیمة جدّاً وغیر محدودة، بعکس السحر وخرق العادات المحدودین.

وبعبارة اُخرى، فالسحرة والمرتاضون على استعداد لأداء تلک الاُمور التی تمرّنوا علیها لا غیر، دون التی تقترح علیهم، ولم یحدث إلى الآن أن عَبَّرَ السحرة أو المرتاضون عن استعدادهم لأداء ما یشیر إلیه الآخرون، وذلک لِتدُرّب کلّ واحد منهم على نوع معیّن.

صحیح أنّ الأنبیاء (علیهم السلام) کانوا یبادرون إلى إظهار المعجزات حتّى قبل أن یطالبهم بها الناس، (کالقرآن بالنسبة لنبی الإسلام (صلى الله علیه وآله)، ومعجزة عصا موسى ویده البیضاء، وإحیاء المسیح للموتى) لکنّهم مع ذلک لم یعجزوا عن إجابة إقتراحات الاُمم علیهم، کمسألة شقّ القمر، أو رفع الفتن والبلایا عن الفراعنة، أو نزول مائدة سماویة للحواریین، وأمثال ذلک (طبعاً على شرط کون ذلک بدافع الکشف عن الحقیقة لا التعنّت).

ولذا نجد فی قصّة موسى (علیه السلام) أنّ الفراعنة طلبوا منه مزیداً من الوقت لجمع السحرة وترتیب مقدّمات العمل، وذلک تحت عنوان: (فَأَجْمِعُوا کَیْدَکُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً). (طه / 64) فی حین أنّ موسى کان فی غنىً عن مثل هذه المقدّمات، کما أنّه لم یطلب منهم اعطائه الفرصة للتفکیر فی کیفیة مقاومة السحرة، حتّى بعد اطّلاعه على سحرهم، وذلک لاعتماده على القدرة الإلهیّة واعتماد السحرة على القدرة البشریة المحدودة.

ومن هنـا فالخرق البشری للعادات قابل للمواجهة والمقابلة بالمثل، وبإمکان الآخرین الإتیان بمثله، ولنفس هذا السبب أیضاً لا یجرؤ من یأتی بهذا العمل علـى «التحدّی» أی الدعوة للمقابلة والإدّعاء بعجز الکلّ عن أداء ما یؤدّیـه، فی حین أنّ المعجزات کانت مرفقة بالتحدّی دائماً، وذلک لعجز أی إنسان عن الإتیان بمثلها أبداً (إعتماداً على القوّة البشریة)، فقد أمر الله تعالى نبیّ الإسلام(صلى الله علیه وآله) أن یجیبهم بهذه الآیة: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الاِْنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ یَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ یَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ...). (الإسراء / 88)

ومن هنا أیضاً فسرعان ما تقهر الخوارق البشریة أمام المعجزات، ولا یستطیع السحر الوقوف امام المعجزة أبداً لعجزه عنها، بالضبط کعجز أی إنسان عن الوقوف أمام الخالق.

المثال الواضح لهذه المسألة فی القرآن الکریم قصّة موسى وفرعون، إذ إنّهم جمعوا کلّ السحرة من مختلف اصقاع مصر، وأخذوا قسطاً وافراً من الوقت لترتیب مقدّمات إبداء السحر، وقاموا برسم الخطط لذلک، لکنّهم ما لبثوا أن تقهقروا فی لحظة واحدة أمام إعجاز موسى وأضحى سحرهم کسراب بقیعة.

2 ـ نظراً لکون المعجزات من قبل الله فهی غنیة عن التدریب والتعلیم الخاصّین، فی حین أنّ السحر وریاضات المرتاضین مسبوقة دائماً بنوع من التدریب والتمارین المستمرّة، إلى درجة أنّ التلمیذ لو لم یتقن تعلیمات اُستاذه لاحتمل عجزه عن أداء ذلک أمام الناس وافتضاحه فی خاتمة المطاف.

وبعبارة اُخرى یمکن للمعجزة أن تتحقّق فی لحظة واحدة وبدون أیّة مقدّمات، فی حین أنّ الخوارق الاُخرى للعادات عبارة عن تلک الاُمور التدریجیة التی تحصل الإحاطة بها والسیطرة علیها بمرور الأیّام، بل السنوات والتی لا یمکنها الظهور بشکل دفعی فجائی أبداً.

وقـد تمّت الإشارة فی قصّة موسى وفرعون إلى هذه المسألة أیضاً، حیث یتّهم فرعون السحرة بکونهم تلامذة موسى(علیه السلام)، وأنّه اُستاذهم الذی أطلعهم على أسرار السحر: (إِنَّهُ لَکَبِیرُکُمُ الَّذِى عَلَّمَکُمُ السِّحْرَ). (طه / 71)

ومن هنا یحدث أحیاناً أن یستغرق السحرة عدّة أشهر وسنین فی تعلیم تلامیذهم وتدریبهم.

3 ـ أحوال صاحب المعجزة دلیل على صدقه، الطریق الآخر لتمییز المعجزات عن خوارق العادات البشریة هو المقارنة بین حالات أصحابها، فأصحاب المعجزات مبعوثون من قبل الله لهدایة الناس، ولذا نراهم متّصفین بأوصاف تتناسب ودورهم هذا، فی حین أنّ السحرة والکهنة والمرتاضین لا یهدفون إلى هدایة الناس، ولا یتکفّلون بمتابعة مثل هذه الأهداف، بل ینحصر هدفهم عادةً فی واحد من الاُمور الثلاثة التالیة:

1 ـ إستغفال البسطاء من الناس.

2 ـ کسب الشهرة بین عامّة الناس.

3 ـ المکاسب المادّیة التی تجنى عن طریق إشغال الناس وإلهائهم.

وحینما ینزل هذان الفریقان (الأنبیاء، والسحرة وأمثالهم) إلى المیدان لا یتمکّنون أبداً من کتمـان اُمنیـاتهم وأهدافهم مدّة طویلة، بالضبط کما طلب السحرة وقبـل نزولهم للمیدان أجـراً عظیماً من فرعون، وقد وافق على ذلک: (قَالُـوا إِنَّ لَنَا لاََجْراً إِنْ کُنَّـا نَحْنُ الْغَـالِبِینَ * قَـالَ نَعَمْ وَإِنَّکُـمْ لَمِـنَ الْمُقَرَّبِینَ). (الأعراف /113 ـ 114)

فی حین أنّ الأنبیاء یکرّرون دائماً القول: (وَمَ أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ مِنْ أَجْر). (الشعراء/109) (وقد ورد هذا التعبیر فی حقّ الکثیر من الأنبیاء فی العدید من الآیات).

ووقوف السحرة فی خدمة فرعون یکفی بنفسه للتمییز بین «السحر» و«المعجزة».

ولا یخفى أنّ حقیقة الإنسان لابدّ وأن تنعکس من خلال تصرّفاته، وإن أجاد فی کتمان أفکاره وأهدافه.

خلاصـة القول هی أنّ الوقوف على بدایات حیاة أمثال هؤلاء الأشخاص وکیفیة استفادتهم من خرقهم للعـادات التی یؤدّونها، مع الأخذ بنظر الإعتبار مکانة أمثالهم بین مختلف شرائح المجتمع، بالإضافة إلى نوعیة تصرّفاتهم وأخلاقهم، یمکنها بمجموعها أن تکون دلیلا حسناً لتمییز «السحر» عن «المعجزة»، ومع غض النظر عن موارد الأخلاق الاُخرى التی ذکرت، نجد أنّ من السهل تشخیص المعجزات عن السحر وبقیّة خوارق العادات من خلال هذا السبیل.

وقد أشار القرآن إلى هذه الحقیقة بتعابیر دقیقة، إذ یقول فی موضع: (قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَیُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لاَ یُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِینَ). (یونس / 81)

أجل فالسحرة أشخاص مفسدون ذوو أعمال باطلة، ومن الواضح أنّ أعمالا کهذه لا یمکنها أبداً أن تکون لها حیثیة إیجابیة فی المجتمع.

وفی موضـع آخر حینما یخاطب الله تعالى موسـى یقول: (لاَ تَخَفْ إِنَّکَ أَنْتَ الاَْعْلَى)ثـمّ یضیـف: (وَأَلْـقِ مَـا فِى یَمِینِـکَ تَلْقَفْ مَـا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا کَیْدُ سَاحِر وَلاَ یُفْلِحُ السَّاحِرُ حَیْثُ أَتَى). (طه / 68 ـ 69)

نعم، فعمل الساحر مکر وخدیعة، ولابدّ لمیوله النفسیة أن تتلاءم وعمله هذا، إنّهم أشخاص متقلّبون مخادعون، کما یسهل تشخیصهم بسرعة من خلال صفاتهم وتصرّفاتهم، فی حین أنّ إخلاص وصدق وصفاء الأنبیاء (علیهم السلام) دلیل مقرون بإعجازهم أضفى علیهم المزید من الجلاء والوضوح(1).


1. ورد نظیر هذا المعنى فی سورة یونس الآیة 77.
3 ـ الاختلاف بین معجزات الأنبیاء(علیهم السلام)5 ـ منطق منکری الإعجاز
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma