لقد أشارت الآیة الحادیة عشرة من آیات بحثنا هذا إلى نقطة اتفقت علیها الاهداف التی سبقت الاشارة إلیها من بعثة الأنبیاء، وهی أنّ الأنبیاء(علیهم السلام) دعوا أفراد البشر لکی یحیون حیاة طیبة حقیقیة وشاملة لکل متطلبات العیش.
قال تعالى: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اسْتَجِیبُوا للهِِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاکُمْ لِمَا یُحْیِیکُمْ).
وهذا التعبیر هو أقصر وفی نفس الوقت أشمل تعبیر ورد بحقّ دعوة نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله)(ودعوة کافّة الأنبیاء (علیهم السلام)) والذی یؤکّد على أنّ هدف البعثة هو الحیاة فی کافّة أبعادها: المادیّة والمعنویة والثقافیة والاقتصادیة والسیاسیّة والأخلاقیة والاجتماعیة.
مـع أنّ الحیاة فی آیـات القرآن قد وردت بمعنى الحیاة النباتیة فی قوله تعالى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ یُحْىِ الاَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَیَّنَّا لَکُمُ الاْیَاتِ لَعَلَّکُمْ تَعْقِلُونَ). (الحدید / 17)
وأحیاناً الحیاة الحیوانیة فی قوله تعالى: (وَمِنْ آیَاتِهِ أَنَّکَ تَرَى الاَْرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَیْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِى أَحْیَاهَا لَُمحْىِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى کُلِّ شَىْء قَدِیرٌ). (فصلت / 39)
لکنّها وردت هنا بمعنى الحیاة الإنسانیة، قال تعالى (فی بعض المؤمنین الذین آمنوا): (أوَ مَنْ کَانَ مَیْتاً فَأَحْیَیْنـَاهُ ...). (الأنعام / 122)
وبناءً على هذا فلو رأینا البعض یعتبر الآیة المعنیة ناظرة إلى «الجهاد» لوحده باعتباره العامل الاساسی فی حیاة الاُمم، أو «الإیمان بالله» أو العلم والمعرفة أو الحیاة الاُخرویة، فهم فی الواقع إنّما یحدّدونها فی بعض مصادیقها فحسب، وإلاّ فمفهومها أوسع وأشمل من هذه کلّها.
والملفت للنظر أنّ الحیاة فی هذه الآیة قد فسّرت فی الروایات(1) بمعنى ولایة علی بن أبی طالب (علیه السلام)، وهی فی الحقیقة أحد مصادیقها الهامّة وذلک لأنّ ولایته(علیه السلام) هی السبب للدعوة إلى الإسلام فی کافّة المجالات، فولایته دعوة إلى العلم والزهد والتقوى والإیثار والإخلاص.