إنّ الأنبیاء (علیهم السلام) کانوا یُبعثون عادة بین أقوام قد غرقوا فی الفساد الأخلاقی فضلا عن الانحراف الفکری والعقائدی، ولذا کانت دعوتهم لإزالة هذه الآثار السیّئة تواجه بثورة عنیفة من قبل ذلک المجتمع حتّى أنّهم کانوا یتّخذون العزلة فی بعض الأحیان، والذی کان یغذّیهم بالقوّة والمنعة لمواصلة تحقیق أهدافهم فی مثل هذه الظروف هو مسألة التوکّل على الله، والتی نجد أحد مصادیقها فی قصّة هود فی الآیة الثامنة من بحثنا:

إذ قال له قومه إنّک لم تأتنا بدلیل واضح ولن نترک آلهتنا لکلامک هذا، بل لن نؤمن بک أصلا، ونحن نعتقد بأنّ آلهتنا قد غضبت علیک وسلبتک لبک! لکنّه صمد بجرأة وقال: (إِنِّى أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّى بَرِىءٌ مِمَّا تُشْرِکُونَ * مِنْ دُونِهِ فَکِیدُونِى جَمِیعاً ثُمَّ لاَ تُنْظِرُونِ * إِنِّى تَوَکَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّى وَرَبِّکُمْ).

عندما یرى الإنسان شخصاً جاهلا ومتعصباً، فیصاب بالذهول والفزع، فکیف به إذا أراد أن ینهض لمواجهة قوم منحرفین ویحملون کافة الصفات الرذیلة، وهو لا یملک العُدة والعدد لیتغلب بها علیهم؟! من البدیهی إن عملا کهذا لا یمکن تحققه إلاّ بواسطة المدد الإلهی، وهی القوة النابعة من التوکل، حیث أن التوکل لا یأتی إلاّ من الایمان بالله سبحانه وتعالى المهیمن على کافة أرجاء العالم.

والملفت للنظر هو عدم اکتراث الأنبیاء(علیهم السلام) لتهدیدات أعدائهم وعدم إبراز أی رد فعل تجاههم، بل على العکس کانوا یحتقرون قدرتهم ویعرضونها للإستفهام ویفهمونهم بأنّهم لا یعیرون لکلّ ذلک المجتمع الوثنی المعاند أی اهتمام یذکر، فهذا التوکّل المنقطع النظیر هو أحد خصائص الأنبیاء (علیهم السلام).