3 ـ إبراهیم (علیه السلام)

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السابع)
2 ـ نوح (علیه السلام) 4 ـ یوسف (علیه السلام)

هناک تعابیر تبدو عند تفسیرها لأوّل وهلة وکأنّها نوع من الذنب، وردت حول هذا النبی العظیم الذی یتمیّز بمکانة خاصّة حتّى من بین الأنبیاء (علیهم السلام)، من حیث الإیمان والإخلاص والإیثار والشجاعة والصبر والإستقامة، نقر أ فی القرآن الکریم أنّه القی القبض علیه بعد تحطیمه للأصنام وَمَثُلَ فی المحکمة فسألوه: (قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا یَا إِبْرَاهِیمُ)؟(الانبیاء / 62 ـ 63)

فأجـاب: (بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا فَـاسْأَلُوهُمْ إِنْ کَـانُوا یَنطِقُونَ).

وهنـا یرد إشکال وهو: کیف نسب ابراهیم(علیه السلام) عمـله هذا إلى کبیر الأصنـام، ألیس هذا کذباً؟!

وفی نفس هذه الحادثة وعندما طلب منه المشرکون الخروج معهم خارج المدینة للإحتفال بعید الأصنام، إعتذر من الذهاب معهم بقوله: (إِنِّى سَقِیمٌ). (الصافات / 89)

ومع أنّه لم یکن مریضاً، فکیف یتناسب هذا الکلام مع منزلة عصمته؟ کما نقرأ فی القرآن الکریم أنّ إبراهیم یصرّح بأنّه یتمنّى غفران ذنوبه ویقول: (وَالَّذِى أَطْمَعُ أَنْ یَغْفِرَ لِى خَطِیئَتِى یَوْمَ الدِّینِ). (الشعراء / 82)

ألم یکن هذا الإعتراف دلیلا على صدور الذنب من ذلک النبی العظیم؟

کما وأشکلوا علیه أیضاً أنّه (علیه السلام) لماذا اتفق موقفه مع عبدة النجوم والقمر والشمس بالرغم من إیمانه الخالص المنزه من أی شائبة من شوائب الشرک حیث قال بمقولتهم ( هَذَا رَبِّى). (الأنعام / 76 و77 و78)

هذه هی المواضع الأربعة الواردة فی القرآن المجید والتی أثار کلّ واحد منها بدوره جدلا حول منزلة وعصمة إبراهیم وتنزیهه من الذنب والمعصیة.

الجواب :

ذکر کبار المفسّرین ورواة الحدیث ادلة ومواضیع جمّة للإجابة عن هذه الإستفسارات الأربعة، ولکن بعض تلک المطالب لیس لها أسانید معتبرة، والجواب الذی سنذکره هنا هو أنسب تلک الأجوبة وأکثرها اعتماداً:

أمّا فیما یتعلّق بالسؤال الأوّل، فإنّ إبراهیم لم یقل: إنّ کبیر الأصنام قد فعل هذا، إنّما قال: (بَلْ فَعَلَهُ کَبِیرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ کَانُوا یَنطِقُونَ).

هذه العبارة یمکن أن تکون من باب «القضیّة الشرطیة»، أی أنّ إبراهیم قد نسب هذا العمل إلى کبیرهم بشرط نطقهم، ولا یخفى عدم وجوب الکذب فی هذه القضیّة الشرطیة.

هذا هو نفس ما نقل عن الإمام الصادق (علیه السلام) فی حدیث أنّه قال: «ما فعله کبیرهم وما کذب إبراهیم، وحینما استفسر السائل عن کیفیة ذلک؟ قال (علیه السلام) قال إبراهیم: (فاسألوهم إن کانوا ینطقون فکبیرهم فعل، وإن لم ینطقوا فلم یفعل کبیرهم شیئاً، فما نطقوا وما کذب إبراهیم)»(1).

کما أنّ نسبة إبراهیم(علیه السلام) هذا العمل إلى کبیر الأصنام إنّما جاء من باب الکنایة، التی هی أفضل من التصریح، فلقد أراد أن یوقف عبدة الأصنام على خرافة عقائدهم عن هذا الطریق، ویفهمهم أنّ هذه الأحجار والأخشاب الجامدة عاجزة حتّى عن التفوّه ولو بجملة واحدة وأنّها محتاجة إلى عبدتها، فکیف یمکنها والحالة هذه من حلّ مشاکلهم؟

وبعبارة اُخرى، فالکذب إنّما یکون فیما لو لم تکن هناک قرائن تدلّ على أنّ المقصود کنایة، وهنا تشیر کلّ القرائن إلى أنّ إبراهیم لم یکن جدّیاً فی کلامه هـذا، بل کان یسخر من أفکارهم، وما أکثر أمثـال هذه التعـابیر فی المحـاورات الیومیة، کما لو فرض وقوع سرقة ما فی محیط محدود یقطن فیه أشخاص معینین، وعند التحقیق ینفی کلّ منهم هذا الإتّهام عن نفسه، فیقول المحقّق، أنت لم تفعل هذا وذاک لم یفعله و... حتماً قامت به ملائکة السماء! وبدیهی أنّ هذا الکلام لا یعتبر کذباً، بل الهدف منه هو تکذیب أقوالهم الواهیة التی لا أساس لها.

هنـاک احتمال ثالث أیضـاً، وهو أنّ جملة « بل فعله » مطـلقة، وهی فـی الواقع إشارة إلى تحلیل منطقی مطابق لعقائد الوثنیین، وهو أنّه: ألا تعتقدون أنّ حادثة تحدث داخل المعبد لا یمکن أن تکون بفعل من خارج المعبد، وذلک لهیمنة الأصنام على کلّ شیء وکلّ فرد، ومهما کان فهو داخل المعبد، وحیث إنّ کبیر الأصنام أکثرهم قوّة ومنعة، بالإضافة إلى وجود الفأس فی عنقه (یقال أنّ إبراهیم وضع الفأس على رقبته)، فضلا عن کونه الصنم الوحید الذی لم یلحق به أی أذى.

إذن بناءً على هذا فالقرائن تشیر إلى أنّه من فعل کبیرهم، وهذا نظیر التحالیل التی یستخدمها المحقّقون لمعرفة الجانی عن طریق تتبّع آثاره وبصمات أصابعه، حینما یدخلون فی محیط قد وقعت فیه جریمة، وکما قلنا فإنّ هذا التحلیل کان مطابقاً لعقائد الوثنیین لغرض إدانتهم بما یعتقدون.

وفیما یتعلّق بالآیة الثانیة فلا دلیل أصلا على أنّ إبراهیم(علیه السلام) لم یکن مریضاً حقّاً، فهناک علّة فی بدنه، غایة الأمر أنّها لم تکن بتلک الخطورة التی تقعده عن نشاطه البدنی بالمرّة، وتستفحل علیه بحیث تمنعه حتّى عن تحطیم الأصنام، وما أکثر المرضى المشغولین بأعمالهم طول النهار، خصوصاً تلک التی تبعث على ترسیخ العقیدة کتحطیم الأصنام لبطل التوحید إبراهیم! هذا أوّلا.

وثانیاً مع أنّ «السُقم» و«السَقم» هو المرض المختصّ بالبدن، لکنّه قد یکون فی النفس أیضاً کما صرّح به البعض من أصحاب اللغة، وبدیهی أنّ روح إبراهیم کانت متعبة وکالمریضة فی ذلک الجو الملیء بالشرک، إذن فقوله انّی سقیم إشارة إلى الجانب النفسی.

ثمّ إنّ الأمراض النفسیة حین تشتدّ وطئتها تظهر مضاعفاتها السلبیة حتّى على البدن أیضاً، وقد أصبحت هذه المسألة الیوم من المسلّمات، والقرآن الکریم أیضاً یخاطب النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله): (فَلَعَلَّکَ بَاخِعٌ نَفْسَکَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ یُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِیثِ أَسَفاً).(الکهف / 6)

کما أنّ بعض المفسّرین قال: إنّ لإبراهیم (علیه السلام) مرضاً (کالحمى المزمنة) ینتابه بین الفینة والاُخرى، وأنّ مراده من جملة، (إنّی سقیم) هو اقتراب زمن هذا المرض فانا معذور من مرافقتکم، کما أنّ الجملة التی قبلها: (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِى النُّجُومِ) (الصافات / 88) دلیل على هذا المدّعى، لأنّ النظر إلى النجوم إنّما یکون لحساب الوقت أی للوقوف على زمن ظهور ذلک المرض.

وفیما یتعلّق بالآیة الثالثة، فالجواب هو نفس ما تقدّم تفصیله فی الآیات المتعلّقة بآدم(علیه السلام)، وهو أنّ مراد إبراهیم من «الخطیئة» هو «الذنب النسبی» و«ترک الأولى» و«حسنات الأبرار سیّئات المقربین»(2).

لـکن ما هو «ترک الأولى» بالنسبة لإبراهیم یاترى؟ قال البعض: إنّ المراد به هو کلّ تلک الحالات التی تتسبّب فی غفلة الإنسان عن الله تعالى بأی نحو کان، کالإشتغال بشؤون الحیاة مثل الأکل والشرب وأمثالها التی یعتبرها أولیاء الله ذنباً لغفلتهم عن الله تعالى ولو بهذه الدرجة(3).

وفیما یتعلّق بالآیة الرابعة، أی إشارة إبراهیم إلى النجم والقمر والشمس، ووصفه إیّاها «هذا ربّی» فللمفسّرین فیه أقوال وآراء کثیرة أیضاً، أقواها أن نقول: إنّ إبراهیم کان فی مقام الحوار والاستدلال مع المشرکین من عبدة النجم والقمر والشمس (بقرینة الآیتین اللتین تحفّان بهذه الآیة، واللتین تتعرّضان لحوار إبراهیم واحتجاجه على الوثنیین).

وبناءً على هذا فقد وقف إبراهیم(علیه السلام) بوجه هذه المجامیع الثلاث کلّ على حدة، إذ وافقهم على آرائهم فی أوّل الأمر، وعلى سبیل الفرض لحین أُفول هذه الکواکب السماویة لکی یتبیّن لهم خطأهم، بالضبط مثلما نواجه القائلین بسکون الأرض وحرکة الشمس حول الأرض فنقول لهم حسناً، کما تقولون، لکن هل تعلمون أیّة دائرة عظیمة یستلزمها کلامکم هذا لکی تتمکن الشمس التی تفصلها عن الأرض تلک المسافة البعیدة، وأی سرعة عظیمة تحتاج للدوران حول الأرض دورةً کاملة کلّ 24 ساعة، وثبوت هذه السرعة لمثل هذا الجرم السماوی من المستحیلات، إذن، یتّضح من ذلک بطلان فرضیتکم، (فتأمّل جیّداً).

هذا هو أحد أفضل الطرق التی یمکن استخدامها لإبطال نظریات الخصم، أی الوقوف معه أوّلا، وموافقته (على سبیل الفرض)، دون إثارة روح التعصب والعناد عنده، ثمّ إیقافه على نتائجها الباطلة، کما قال البعض أیضاً: إنّ استخدام جملة «هذا ربّی» أمام هؤلاء القوم کان بمثابة «استفهام»، ذلک الإستفهام الذی یعدّ مقدّمة لإبطال نظریاتهم عند غروب واُفول تلک الکواکب.

أمّـا القـول: إنّ إبراهیم(علیه السلام) قـد نطق بهذه الجمل للتحقیق بنفسـه ولا مانـع من قبـول الإنسان لمختلف الآراء مبدئیّـاً واختبارها، فلا یبدو صحیحاً لأنّ جملة: (یَا قَوْمِ إِنِّى بَرِىءٌ مِمَّا تُشْرِکُونَ) (الانعام / 78) دلیل على أنّه کان بمثابة الإحتجاج على هؤلاء المشرکین لا التحقیق بنفسه.

وقول البعض تأییداً لهذا الإدّعاء: إنّ إبراهیم لم یر السماء إلى تلک اللحظة بصورة جیّدة، لأنّ والدته کانت قد خبأته فی غار خارج المدینة خوفاً من عیون نمرود، فیبدو کلاماً بعیداً جدّاً، إذ کیف یعقل أن یبقى إبراهیم فی الغار طوال سنین عدیدة منذ طفولته وحتّى ریعان شبابه ولا یخرج منه ولو لمرّة واحدة، لا لیلا ولا نهاراً؟! هذا الکلام أقرب إلى الاُسطورة من الواقع(4).

فضـلا عن أنّ هذه الآیات قد وردت على الفـور، بعد الآیة التی تتعرّض للحوار الجدّی لإبراهیم مع آزر حول مسألة تسفیه اعتقاده بالأصنام، أی أنّ إبراهیم(علیه السلام) کان قد بلـغ مقام التوحید الرفیع والیقین الراسخ قبل ذلک، وأنّ الله تعالى کان قد أطلعه علـى ملکوت السماوات، وقد بدأ إبراهیم (علیه السلام) بعده بدعوة الآخرین لا التحقیق لنفسه.

المـلاحظة الجدیره بالاهتمام هی: إنّ إبراهیم ولبیان بطلان ربوبیة هذه الکـواکب الثلاثة، أورد دلیلا یعدّ من أدقّ البراهین الفلسفیة، فی الوقت الذی یسهل على الجمیع استیعابه، فیقول فی هذا الدلیل: إنّ «الربّ» یجب أن یبقى على اتّصـال دائم بمخلـوقاته، وبناءً على هذا فالموجود الذی یغرب فینقطع نوره وبرکاته لساعات طوال، لا یمکن أن یکون ربّاً لهذه الموجودات.

فضلا عن أنّ الشروق والغروب المستمرین لهذه الأجرام السماویة، دلیل على خضوعها لقانون ما، وکیف یتسنّى للموجود الواقع فی قبضة القوانین الکونیة، والطبیعیة أن یکون حاکماً على هذا العالم وخالقاً له؟!

بالإضافة إلى أنّ «الحرکة» بذاتها موجود «حادث»، وبناءً على هذا فالشیء المتحرّک مخلوق وحادث حتماً، ومثل هذا لا یمکن أن یکون موجوداً أزلیّاً أبدیّاً (هذا هو نفس الشیء الوارد فی البراهین الفلسفیة تحت عنوان «العالم متغیّر» و «کلّ متغیّر حادث»).

وبناءً على هذا فقد کان لحوار إبراهیم ثلاثة مفاهیم مختلفة ومثیرة، ولا یمکن الإستغناء عنها لإبطال اُلوهیة النجم والقمر والشمس.


1. تفسیر نور الثقلین ج 3، ص 434، ح 84; بحار الأنوار، ج 11، ص 76، ح 4 (باب عصمة الأنبیاء).
2. مع أنّ «الخطیئة» مأخوذة من مادّة «الخطأ» والتی تعنی فی الأصل الزلاّت الصادرة من الإنسان لکنّها اتّسعت تدریجیّاً لتطلق على کلّ ذنب یشمل العمد وغیره، واستعمالها فی الذنب غیر العمد واسع جدّاً، لکن «الإثم» یطلق على الذنوب العمدیة، وهو یعنی فی الأصل: الشیء الذی یثنی الإنسان عن عزمه، وحیث إنّ الذنب یحول دون بلوغ الإنسان للمنزلة الرفیعة ویمنع عنه الکثیر من الخیرات والبرکات فقد سمّى «إثماً».
3. تفسیر المیزان، ج 15، ص 285.
4. وقد جاء ذلک فی عیون أخبار الرضا عن الإمام علی بن موسى الرضا (علیه السلام) أنّ إبراهیم خرج من مخبئه والتقى بثلاث طوائف من المشرکین (تفسیر نور الثقلین، ج 1، ص 735).
یعدّ فی ذاته دلیلا على خلاف هذا الإدّعاء فضلا عن دعمه له «تأمّل جیّداً».
2 ـ نوح (علیه السلام) 4 ـ یوسف (علیه السلام)
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma