7 ـ سلیمان (علیه السلام)

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السابع)
6 ـ داود (علیه السلام)8 ـ یونس (علیه السلام)

وهناک أیضاً آیة فی القرآن الکریم وردت بحقّ هذا النبی العظیم، تبیّن أنّه قد طلب العفو من ربّه واستغفره على بعض الأعمال التی صدرت منه، (وأنّ الله تعالى قد قبل توبته).

یقول القرآن حول هذا الموضوع: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَیَْمانَ وَأَلْقَیْنَا عَلَى کُرْسِیِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْکاً لاَ یَنْبَغِى لاَِحَد مِنْ بَعْدِى إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهَّابُ * فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّیحَ ...). (ص / 34 ـ 36)

و لنرى ما هو هذا الإختبار؟ ولمن یعود هذا الجسد الجامد الذی اُلقی على کُرسیّه؟ فهذا ما لم یتعرّض القرآن لبیانه، لکن هناک تفاسیر إسلامیة تناولت هذه الحادثة، وروایات تعرضت لها، کما أنّ الرواة الذین وجدوا فی هذا الموضوع أرضاً خصبة لهم فحاکوا حوله أساطیر وهمیة لا أساس لها، ونسبوا إلى هذا النبی العظیم ما لا یتناسب حتّى مع المنطق والعقل السلیمین، فضلا عن منزلة العصمة والنبوّة، ومن جملة ذلک اُسطورة شنیعة وملفّقة تدّعی ضیاع خاتم سلیمان، واختطافه من قبل أحد الشیاطین وجلوسه على عرش سلیمان ثمّ استلامه للحکم، (وذلک لوجود عـلاقة بین الخاتم والحکومة والتسلّط على الإنس والجنّ طبقاً لهذه الاُسطورة)، وهذه الاُسطورة المذکورة فی بعض الکتب بکلّ جدّیة واعتقاد، والتی تبدو حسب الظاهر من خرافات الاسرائیلیات الممتدّة جذورها إلى «التلمود» کتاب الیهود، (وهو عبارة عن مجموعة روایات فی تفسیر قوانین موسى)، والتی یصعب التفوّه بها أو نقلها لوقاحتها.

والذی یبدو صحیحاً من بین التفاسیر والذی اُشیر إلیه فی الروایات الإسلامیة، تفسیران:

الأوّل: أنّ سلیمـان (علیه السلام) کـان یتمنّى أن یکون له أبناء شجعان وأکفاء لیدیروا حکومته من بعده، ویعینوه فی حیاته على إدارة البلاد والنظام والجیش، ولذلک قال فی إحدى اللیالی: لقد صممت على مقاربة العدید من نسائی على أمل أن اُرزق بأولاد أکفاء، لکنّه لم یقل: (إن شاء الله)، فبسبب ترک الأولى هذا لم یرزق من زوجاته سوى طفل ناقص الخلقة کالجثّة الهامدة حیث ألقوه على کرسیّه.

جاء فی حدیث عن النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله): «والذی نفس محمّد بیده لو قال إن شاء الله لجاهدوا فی سبیل الله فرساناً!»(1).

وهنا انتبه سلیمان(علیه السلام) إلى أنّه ترک الأولى فتاب لذلک وعفى الله تعالى عنه.

الثانی: أنّ المراد من جملة: (أَلْقَیْنَا عَلَى کُرْسِیِّهِ جَسَداً) هو أنّ سلیمان قد مرض مرضاً شدیداً حتّى عاد کالجثّة الهامدة فوق کرسیّه، فکان ذلک ابتلاءً إلهیّاً، ثمّ استعاد عافیته وشفى، وهو المراد من کلمة «أناب» فی الآیة.

طبقاً لهذا التفسیر الوارد فی تفاسیر الکثیر من أقطاب المفسّرین تکون جملة: (أَلْقَیْنَا عَلَى کُرْسِیِّهِ جَسَداً)، بمعنى: «القیناه على کرسیه جسداً» وهی خلاف ظاهر الآیة بطبیعة الحال.

فضلا عن عدم وضوح ما هو ترک الأولى الصادر من سلیمان(علیه السلام) على أثر هذا المرض لیستغفر ربّه؟ إلاّ أن یقال: إنّ الإنسان یرتکب ترکاً للأولى فی حالاته المختلفة بشکل عامّ وحال مرضه بشکل خاصّ، وأنّ سلیمان قد استغفر ربّه لمثل هذه الحالات، لکنّ هذا الجواب مبهم وغیر مقنع.

الموضوع الآخر الذی اثیر حول هذا النبی العظیم، هو الجملة التی تلی نفس هـذه الآیة وهی قوله: (وَهَبْ لِى مُلْکاً لاَ یَنْبَغِى لاَِحَد مِنْ بَعْدِى).

فهـل یتلاءم، هـذا الطـلب مع الروح السامیة والنظرة البعیـدة والزهد المنقطع النظیر الذی یتمتّع به الأنبیاء المعصومون (علیهم السلام)؟ ألا یُشمُ من هذا الکلام رائحة البخل یاترى؟

ورغم أنّ الحدیث یدور هنا حول عصمة الأنبیاء (علیهم السلام)، لکن على أیّة حال فالنقائص الأخلاقیة الاُخرى خصوصاً تلک التی تشمئزّ منها النفوس لا تتناسب مع درجاتهم ومنزلتهم الرفیعة.

وقد أجاب المرحوم السیّد المرتضى فی «تنزیه الأنبیاء» والمحقّق الطبرسی فی «مجمع البیان» وباقی المفسّرین عن هذا السؤال فی تفاسیرهم بأجوبة متعدّدة(2)، والأجوبة أدناه تعدّ أنسبها:

إنّ سلیمان(علیه السلام) طلب من الله تعالى أن تکون له معجزة خاصّة، کما أنّ لکلّ نبی معجزته الخاصّة، وکانت معجزته هی الحکم الذی لا مثیل له، الحکم على الإنس والجنّ وعلى الریاح والسحاب و...، فوهبه الله مثل هذه المعجزة، حکومة واسعة تتصف بالإعجاز فی مختلف الجوانب، ومن البدیهی أنّ طلباً کهذا لا یعدّ عیباً ونقصاً للنبی.

والجواب الآخر هو: إحساس سلیمان بالإذن لمثل هذا الطلب عن طریق الوحی، أو بعبارة اُخرى: أنّ الله تعالى شاء أن یتجسّد شعاع من قدرته وحاکمیته عن طریق أحد أنبیائه العظام، فوجد سبحانه سلیمانَ صالحاً لهذا الغرض فأجازه لمثل هذا الطلب، فطلب سلیمان بدوره تلک المعجزة، فوهبه الله تلک الحکومة العجیبة التی لا مثیل لها، والتی لم ولن یکون لها نظیرٌ فی العالم، ومن المسلّم أنّه حینما یجد اللهُ أحداً صالحاً لعمل ما، ویجیزه فی ذلک، لا یبقى هناک أدنى مجال للشکّ والتردید والإشکال.

الـدلیل على هذا الکلام هو ما ورد عن سیرة سلیمان من أنّه کان زاهـداً جدّاً فی حیاته، کما نقرأ فی حدیث عن النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) أنّه قال حول هذا الموضوع: «کان یأکل الشعیر ویطعم الناس الحُوَّاری!(3) وکان لباسه الشَعر وکان إذا جنّه اللیل شدّ یده إلى عنقه فلا یزال قائماً یصلّی حتّى الصباح!»(4).

وهناک تفسیر لطیف حول هذا الموضوع فی حدیث عن الإمام علی بن موسى الرضا (علیه السلام)وذلک حینما سئل عن تفسیر الآیة: (رَبِّ اغْفِرْ لِى وَهَبْ لِى مُلْکاً لاَ یَنْبَغِى لاَِحَد مِنْ بَعْدِى)قال (علیه السلام): «المـلک ملکان ملک مأخوذ بالغـلبة والجور وإجبار الناس، وملک مأخوذ من قبـل الله تعالى، کملک آل إبراهیم وملک طالوت وذی القرنین، فقال سلیمان (وهب لی ملکاً لا ینبغی لأحد من بعـدی) أن یقـول إنّه مأخوذ بالغلبة والجور وإجبار النـاس، فسخّـر الله عزّوجلّ لـه الریح ... وسخّـر الله عزّوجلّ له الشیاطین ... وعلّم منطق الطیـر، ومکّـن فی الأرض، فعلم النـاسُ فی وقتـه وبعده أنّ ملکـه لا یشبـه ملک الملوک المختارین من قبـل الناس، والمـالکین بالغلبة والجور»(5).

والمراد من هذا الحدیث هو أنّ سلیمان (علیه السلام) لم یطلب حکماً محدوداً، بل حکماً لا مجال فیه للقیل والقال والإتّهام بالزور والظلم، ولذا فقد مزج الله هذه الحکومة بالمعجزات العجیبة لإثبات کونها من عنده تعالى، لا من الناس ولا عن طریق الظلم والغلبة(6).

الجواب الثالث: ما أُثیر حول مقـام عصمة سلیمـان (علیه السلام) هو ما جاء فی نفس الآیات السابقة حیث یقول تعالى: (إِذْ عُرِضَ عَلَیْهِ بِالْعَشِىِّ الصَّافِنَاتُ الْجِیَادُ * (الخیل الأصیلة) ـ فَقَالَ إِنِّى أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَیْرِ عَنْ ذِکْرِ رَبِّى (إنّی أحبّ هذه الجیاد فی سبیل الله ومن أجل الجهاد، فبقی ینظر إلیها ..) حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَىَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالاَْعْنَاقِ (یمسح علیها لأنّها لائقة للقتال)). (ص / 31 ـ 33)

طبقاً للمعنى المتقدّم الذی تبیّن من هذه الآیات، لا یبدو هناک أی إشکال فی عمل سلیمان (علیه السلام) هذا، فهو یعتدّ بقدرته العسکریة ویلتذّ بالتطلّع إلى الجیاد المهیأة للجهاد، ویأمر بردّها علیه ثانیة لاعتزازه بها، وهذه التصرّفات کلّها تبدو بشکل عام معقولة ومنطقیة وإلهیة.

لکن البعض فسّر هذه الآیة بشکل آخر واعتبرها کبدایة للإشکال على سلیمان، وقال: إنّ الضمیر فی کلتا جملتی «توارت» و «ردوها» یعود إلى الشمس التی لم ترد فی العبارة، والتی یمکن استنتاجها من التعبیر بـ «العشی» الوارد فی الآیة، وطبقاً لهذا التفسیر فقد ذهل سلیمان بالنظر إلى هذه الجیاد، إلى أن غابت الشمس وتوارت وراء الحجب، فغضب لذلک کثیراً لفوات صلاة العصر علیه، وحینئذ طلب من الملائکة إعادة الشمس ثمّ توضّأ وصلّى، وأنّ جملة (فطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالاَْعْنَاقِ) إشارة إلى وضوئه.

کما ذهب البعض إلى أبعد من هذا أیضاً، وقال: إنّ المراد من هذه الجملة هو: أنّه أعطى أمراً بقطع أعناق الجیاد وقوائمها، باعتبارها السبب وراء غفلته عن ذکر الله (العذر الذی هو أقبح من الفعل)، والقول: إنّه ذبحها ووزّع لحومها فی سبیل الله یبدو عجیباً أیضاً، لأنّ جیاداً بتلک القیمة والخاصیّة التی تلفت نظره إلیها حتّى یذهل لذلک لا ینبغی ذبحها کالأبقار والأغنام، إذ لو أراد إنفاقها لوجب إعطاؤها للآخرین وهی على قید الحیاة، ولا یخفى على أحد سقم هذه التفاسیر، وذلک لأنّ:

1 ـ لو کانت هذه الجملة (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالاَْعْنَاقِ) إشارة إلى وضوئه، فلیس لدیه سوى رقبة واحدة، والتعبیر ب «الأعناق» بصیغة الجمع مما یکون، کما أنّ لدیه ساقَیْن، والتعبیر ب (السوق) بصیغة الجمع یکون لا معنى له أیضاً، ومَن قالَ إنَّ الوضوء کانَ بالمَسْح؟ لا معنى له.

ولو کانت بمعنى قطع أعناق وقوائم الجیاد، فهو عمل غیر منطقی جدّاً، لا یقدم علیه حتّى الفرد العاقل العادی فکیف بنبی عظیم کسلیمان (علیه السلام)، إذ لا ذنب لها، بل لو کان هناک ذنب فهو منه حینما انشغل بالنظر إلیها.

أکثر ما یمکن أن یقال هنا هو أن یهبها للآخرین لتبقى بعیدة عنه ولا تشغله بنفسها، ولا داعی للقتل أبداً؟!

2 ـ لم یرد فی هذا الحوار کلام عن «الشمس»، والاستدلال علیها عن طریق «العشی» بعید جدّاً، لأنّ أقرب ما یعود إلیه الضمیر هنا هو «الخیر» الذی یعنی هنا «الجیاد» بکلّ تأکید، کما لم یرد شیء عن الملائکة أیضاً لیکونوا من مخاطبی سلیمان، فضلا عن أنّ هذا التعبیر الذی وجهه سلیمان إلى الملائکة تشمّ منه رائحة صیغة الأمر، ویبدو مستبعداً جدّاً لعدم لیاقته وشأن الملائکة.

3 ـ لو قبلنا هذا التفسیر على سبیل الفرض، لأمکن القول: إنّ الصلاة التی أدّاها قضاءً کانت صلاة مندوبة، قد فاتت سلیمان وأنّها کانت قبل غروب الشمس، فکیف یثبت کونها صلاة واجبة؟ وأساساً کیف یثبت کون الفائت هی الصلاة؟! ربّما کانت أذکاراً خاصّة یؤدّیها سلیمان قبل الغروب، وقال بعض المفسّرین أیضاً: إنّ «ذِکر رَبّی» لو کان یعنی الصلاة الواجبة، وأنّ سلیمان (علیه السلام) کان قد غفل عنها لانشغاله بالجیاد استعداداً للجهاد، فلن یرد علیه إشکال أبداً، لأنّ نفس عمل سلیمان هذا یعدّ عبادة عظیمة قد أغفلته عن عبادة اُخرى.

لکن هذا التفسیر أیضاً یبدو بعیداً، نظراً للأهمیّة الخاصّة التی تتمتّع بها الصلاة، والصحیح هو ما قیل أوّلا.


1. ذکر البخاری هذا الحدیث فی صحیحه، کما ذکرته بعض التفاسیر ومن جملتها روح البیان; وفی ظلال القرآن فی ذیل الآیات مورد البحث.
2. تنزیه الأنبیاء، ص 97 و98; تفسیر مجمع البیان، ج 8، ص 476.
3. الحواری (بالحاء المضمومة والواو المشدّدة) هو «الطحین الأبیض».
4. سفینة البحار، مادّة (الزهد)، وتفاسیر اُخرى.
5. تفسیر نور الثقلین، ج 4، ص 459، ح 56.
6. وبناءً على هذا التفسیر فهناک جملة مقدرة فی الآیة تقدیرها: وهب لی ملکاً لا ینبغی لأحد من بعدی أن یقول لیس من عند الله.

 

6 ـ داود (علیه السلام)8 ـ یونس (علیه السلام)
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma