9 ـ التذکیر (بالنسبة للبدیهیات والمستقلات العقلیّة)

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السابع)
8 ـ رفع الاختلاف10 ـ الدعوة إلى الحیاة الإنسانیة الطیبة

تمّت الإشارة فی نفس هذه الآیـة إلى أنّ أحکام الأنبیـاء(علیهم السلام) وتعلیماتهم تؤیّد أحکام العقل وتدعمها، وهذه بنفسها أحد أهداف بعثتهم.

وتوضیح ذلک: إنّ الإنسان یدرک الکثیر من «حقائق» الکون وکذلک «ما ینبغی» و«ما لا ینبغی» بواسطة عقله، لکنّ هناک وساوس مزمنة کامنة فی هذه الإدراکات العقلیة، خصوصاً إشکالات السوفسطائیین أو الطوائف المنکرة للحسن والقبح العقلیین وأمثالها التی تؤدّی إلى إضعاف العقل وبالتالی النظر إلى هذه الإدراکات والمستقلاّت العقلیة نظرة سلبیة.

وهنا یستوجب اللطف الإلهی إرسال الأنبیاء (علیهم السلام) لیؤکّدوا ضمن دعوتهم إلى الله تعالى صحّة الإدراکات العقلیّة وعلى أنّ الفتن الواقعیة إنّما هی من فعل العقل البشری، وذلک من خلال بیاناتهم الصادرة من الوحی السماوی، ویقطعوا الطریق أمام الوساوس التی تعترض هذه الإدراکات.

هذا هو الذی عبّر عنه القرآن بـ «التذکّر»، یقول تعالى فی الآیة مورد البحث: (هَذَا بَلاَغٌ لِلنَّاسِ وَلِیُنذَرُوا بِهِ وَلِیَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِیَذَّکَّرَ أُوْلُوا الاَْلْبَابِ)والتعبیر بـ «الذکر» کثیر جدّاً فی القرآن، ومجموع ما ذکر إثنتان وخمسون مرّة فی مختلف الآیات والتی تشیر أغلبها إلى القرآن الکریم.

أمّا التعبیر بـ «ذکّر» (مخاطبة النبی بصیغة الأمر) فقد جاء فی ستّة موارد، وتعبیر «یتذکّر» فی ثمانیة موارد، و «تذکّرون» فی سبعة عشر مورداً، و «یتذکّرون» فی سبعة موارد، وما أکثر مشتقّات هذه المادّة فی القرآن الکریم والتی تبیّن بمجموعها أنّ قسماً عظیماً من تعلیمات الأنبیاء(علیهم السلام) لها صبغة تذکّریة وإعادة المنسیّات إلى الأذهان على أقلّ تقدیر.

یستفاد من کلمـات بعض أرباب اللغـة أنّ «الذکر» لا یعنی العـلم والمعـرفة، بل یعنی «إعادة الإطّلاع على الشیء»، یقول الراغب فی مفرداته بعد مقارنته بین «الذکر» و«الحفظ»: «التفاوت بینهما هو أنّ الحفظ یقال اعتباراً بالإحراز، والذکر یقال اعتباراً بالإستحضار»، ثمّ یضیف قائلا: الذکر ضربان: ذکر عن نسیان وذکر لا عن نسیان بل عن إدامة الحفظ.

وهذا التعبیر یبیّن أنّ الذکر هو فی کلّ الأحوال نوع من الإلتفات المستأنف للشیء الذی کان ساکناً فی الذهن سابقاً، سواء کان بعد النسیان أم لا، وقد ورد «الذِکر» بمعنیین أیضاً فی «مقاییس اللغة»: الأوّل إشارة إلى الجنس المذکّر فی قبال الجنس المؤنث، والثانی ما یقابل النسیان.

إنّ هذه التعابیر القرآنیة یمکنها أن تکون إشارة إلى ما ذکر أعلاه، وهو أنّ الإنسان یدرک سلسلة من الحقائق عن طریق العقل، کما ویحصل على القسم الأعظم من (ما ینبغی) و(ما لا ینبغی) الذی یعدّ من المستقلاّت العقلیة کحسن أنواع الإحسان وقبح أنواع الظلم والفساد، لکنّ الشکّ والتردید یراود هذه البدیهیات أحیاناً بسبب وساوس الشیاطین.

وهنا یأتی دور الأنبیاء (علیهم السلام) لمسـاعدة النـاس وتأیید هذه الإدراکات العقلیة، إذ یبطلون مفعول هذه الوساوس، أو بعبارة اُخرى یعیدون هذه الاُمور إلى الأذهان.

بعض الفلاسفة کأفلاطون وأتباعه یعتبرون العلوم الإنسانیة ضرباً من الذکریات، ویعتقدون بأنّ الروح الإنسانیة قبل نزولها إلى هذا العالم کانت تدرک کلّ هذه الحقائق ولکن حجب عالم المادّة تسبّبت فی نسیانه(1) وبناءً على هذا فالتعلّم والتعلیم سواء أکان عن طریق الأنبیاء والرسل (علیهم السلام) أم عن طریق التجربة وشرح الاُستاذ لا تخرج عن کونها ضرباً من التذکّر والتذکیر لیس إلاّ.

ومن البدیهی عدم وجود دلیل واضح یدعم هذا الإدّعاء بهذه السعة، بل الصحیح هو ما تقدّم أعلاه من أنّ قسماً من معلومات الإنسان تحصل عن طریق الفطرة أو العقل، وأحیاناً تودع فی زاویة النسیان والإهمال، أو تجد الوساوس طریقها إلیها، فمهمة الأنبیاء(علیهم السلام)حینئذ بالإضافة إلى تعلیم الناس مسـائل جدیدة، من شأنها تقویة بنیة مثل هذه الأحکام الواقعیة و تنقیتها من الوساوس التی تخالطها.

کما یستفاد من الآیة الآنفة الذِکر أنّ دور الأنبیاء(علیهم السلام) یکمن فی أربعة أمور، الأوّل: إبلاغ الدعوة الإلهیّة للبشریة جمعاء، والثانی: إتمام الحجّة، والثالث: الإنذار (والتبشیر)، وأخیراً التعلیم والتذکیر وقد تمّت الإشارة إلیها فی الآیات السابقة أیضاً.


1. لمزید من الإطّلاع راجع «سیر حکمت در اروپا» ج 1 ص 23، مبحث فلسفة أفلاطون (بالفارسیة).
8 ـ رفع الاختلاف10 ـ الدعوة إلى الحیاة الإنسانیة الطیبة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma