1 ـ ما هی حقیقة الإعجاز

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السابع)
ثمرة البحث:2 ـ العلاقة بین الإعجاز والنبوّة

لفظة الإعجاز والمعجزة وکما أشرنا سابقاً لم ترد فی القرآن بالمعنى المصطـلح علیه الیوم، بل قد تمّت الإستعانة بتعابیر أخرى فی هذا المجال، وقد تقدّم شرحها فی الآیات التی مرّ ذکرها، فالبحث هنا لیس بحثاً لغویاً، إذ الهدف هو بیان حقیقة الإعجاز والمعجزة، لکن لا بأس بإشارة خاطفة قبل ذلک إلى المفهوم اللغوی للفظة «الإعجاز»، لیتّضح السبب الذی دفع العلماء والأکابر إلى انتخاب هذه المفردة لخصوص هذا المعنى.

مع أنّ هناک معنیین قد ذکرا فی مقاییس اللغة لأصل «الإعجاز» أی «العجز» وهما: «الضعف» و «عقب کلّ شیء»، لکن الراغب أرجع هذین المعنیین فی المفردات إلى معنى واحد، واعتبر المعنى الأصلی هو «عقب کلّ شیء»، وقد ترد بمعنى «الضعف» نظراً لتبعیة الأفراد الضعفاء للآخرین، وحیث إنّ معجزات الأنبیاء هی من القوّة بحیث یعجز الآخرون عن التصدّی لها ومقابلتها بالمثل، فقد اطلقت لفظة المعجزة علیها.

على أیّة حال فـ «المعجزة» فی التعریف الذی ذکره لها علماء العقائد، عبارة عن ذلک الشیء الجامع للشروط الثلاثة أدناه:

1 ـ العمل الخارق للعادة والخارج کلیّاً عن طاقة النوع البشری، والذی یعجز عن الإتیان بمثله حتّى أکبر نوابغ العالم.

2 ـ أن تکون مرافقة لدعوى النبوّة أو الإمامة من قبل الله، وبعبارة أخرى أن تکون بمثابة الدلیل على حقّانیة مدّعی الرسالة والإمامة.

3 ـ أن تکون بلسان «التحدّی» أی الدعوة للمعارضة والمقابلة بالمثل، وبعبارة أخرى أن یتحدّى مدّعی النبوّة أو الإمامة أولئک الذین ینکرون کونها من عند الله، الإتیان بمثلها، بالضبط کما عرض القرآن هذا الأمر أکثر من مرّة فیما یتعلّق بإعجاز هذا الکتاب السماوی، وقد مرّ بنا مثال ذلک فی الآیات السابقة.

وممّا تقدّم أعلاه یمکن استنتاج الأمور التالیة:

أ) المعجزة مستندة على القدرة الإلهیّة

ولا یمکن قیاسها بأعمال نوابغ العالم، والإکتشافات العلمیة العجیبة، إذ یحتمل مثلا وجود طفل ذکی لم یتجاوز عمره السبع سنین، ومع ذلک نراه یخطب خطبة عصماء، فهذا نوع من النبوغ، ولذا یحتمل العثور على طفل آخر مثله أیضاً، أمّا الطفل الرضیع فمن غیر الممکن (عادةً) أن ینطق بفصاحة لیقول کما نقرأ بالنسبة للمسیح: (قَالَ إِنِّى عَبْدُ اللهِ آتَانِىَ الْکِتَابَ وَجَعَلَنِى نَبِیّاً). (مریم / 30)

أو أنّ من الممکن لعالم إختصار فترة نضوج فاکهة ما من سبع سنین مثلا إلى عدّة أشهر، وذلک باکتشاف علمی جدید وأدویة خاصّة، فمن الواضح أنّ هذا العالم قد جاء باکتشاف عظیم، لکن من المحتمل أن یأتی مکتشف ونابغة آخر بعمل مشابه له أیضاً، امّا لو تحوّلت شجرة یابسة إلى مثمرة فی لحظة واحدة (وکانت ترافقها دعوى النبوّة والتحدّی) فهی معجزة إلهیة.

ب) المعجزة لا تعنی عمل المستحیل عقـلاً

(سواء کان محالا ذاتیاً کاجتماع النقیضین والضـدّین فی مکان واحد وزمان واحد، أو محالا بالغیر کالأمر الذی ینتهی وجوده فی خاتمة المطاف إلى محال عقلی) لأنّه غیر ممکن بحکم العقل، أو بعبارة أخرى هو خارج عن دائرة القدرة، أی أنّ استعمال کلمة «القدرة» فی حقّها لا معنى له أصلا، مثل أن یرید أحد الأنبیـاء أن یکون الشیء موجوداً وغیر موجود فی آن واحد، أو أن یضع صخرة عظیمة داخل بیضـة دون أن تصغر الصخرةٌ أو تکبر البیضة، مثل هذه القضایا إنّما تزرع التضادّ فی داخلها بنفسها، أی أنّها فی حقیقتها قضیّة خاطئة، ومفهومها فی الحقیقة هو أن یرید الإنسان شیئاً ولا یریده (تأمّل جیّداً).

وبناءً على هذا فالمحالات العقلیّة لا محلّ لها لا فی بحث الإعجاز، ولا حتّى فی أی بحث آخر، بل الذی یمکن عرضه هو المحال العادی فحسب، وبهذا فالمعجزة محال عادی لا غیر.

أی أنّ مثل هذا الشیء لا یمکن تحقّقه طبقاً للتسلسل الطبیعی لقانون العلّة والمعلول، واستناداً إلى الأسباب والشروط العادیة والطاقة البشریة، لکن لا مانع من تحقّقه أبداً بالقدرة الإلهیّة کالأمثلة المذکورة آنفاً.

ج) المعجزة لا تعنی تحطیم قانون العلّیة قد یتوهّم البعض أنّنا وبقبولنا للمعجزات یجب أن نضرب أصل العلّیة عرض الحائط، وان نسلّم بإمکان صدور المعلول بلا علّة، إلاّ أنّ هذا المعنى غیر مقبول لدى أی عالم ومفکّر.

ومن الواضح أنّ أصل العلّیة لا ینحصر فی الأصول البدیهیة للعلوم البشریة، بل یمتدّ لیعدّ فی الفلسفة أیضاً من المسائل البدیهیة، وذلک لعدم إمکان وجود أیّة حادثة بلا علّیة، والقائلون بالمعجزة لا ینکرون هذا الأصل البدیهی والمسلّم به.

وبنـاءً على هذا فللمعجزات علل وأسباب حتماً خلافاً لهذا التوهّم، ویحتمل أن تکون هذه العلّة أمراً میتافیزیقیّاً أی ما وراء عالم الطبیعة (وذلک لعدم انحصار الوجود بعالم المادّة والطبیعة فقط)، بل یمکن أن تکون علّة طبیعیـة إلاّ أنّها غیر مکتشفة، أی تلک العلّة التی یستحیل لأفراد البشر إدراکها دون الإتّکاء على علم وقدرة الخالق، وبهذا فکلّما وصل إنسان ما لهذا العامل الطبیعی والمجهول فی نفس الوقت، لاستنتجنا اتّکاءه على قدرة إلهیة.

ومعجزات الأنبیاء (علیهم السلام) یمکن أن تکون من النوع الأوّل أو الثانی، وذلک لتساویهما فی إثبات ارتباطهم بالله.

وقد اعتمد القرآن فی موارد کثیرة على قانون العلّیة وتقبّله کأصل مسلّم به، سواء فیما یتعلّق بعالم الطبیعة والخلقة أو بحیاة الإنسان الاجتماعیة أو حتّى بالحیاة الشخصیة لکلّ فرد، وهناک ما لا یعدّ ولا یحصى من الآیات الشریفة حول هذا الموضوع، وطبقاً لهذا فلا یمکن القول بأنّ المعجزات معالیل بلا علّة.

د) المعجزة لا تزلزل أُسس التوحید ومعرفة الله

قد یتوهّم البعض ویقول: لقد عرفنا الله من خلال نظام عالم الخلقة الثابت، فلو أمکن زلزلة هذا النظام عن طریق المعجزات، لتزلزل أساس التوحید ومعرفة الله، إنّکم تریدون إثبات النبوّة بواسطة المعجزات، وفاتکم انّکم إنّما تهدمون بذلک أساس التوحید.

وعلى حدّ قول البعض الآخر: إنّ النظام الإلهی لیس العوبة بید المتلاعبین، یحرّکونه کیفما شاءوا وأمثال ذلک.

والحقیقة أنّ الذین یدّعون بمثل هذا هم من المتغرّبین المادّیین، الذین توهّموا أنّ إنکارهم للمعجزات هذا، سیلفت أنظار المفکّرین الغربیین إلیهم، حتّى المادّیین منهم، مع کون هذا الکلام خطأ محض بسبب:

أوّلا: کمـا تقدّم سابقاً أنّه لا شکّ لأحد فی «أصالة» و «عمومیة» قانون العلّیة، کما أنّ تفسـیر المعجزة بـ «المعـلول بلا علّة» خطأ فادح، وغیاب مسیر العلل العادیة استثناءً بمثال محدود واحد أو أکثر، لا یخدش فی نظام الکون أبداً، لأنّ ما یتجسّد أمامنا کلّ ساعة من الآلاف المؤلّفة من مصادیقه لا یمکن أن یتزلزل بحالة استثنائیة تحدث بالسنة مرّة مثلا فضلا عن کون حصول ذلک الاستثناء لإثبات هدف أکبر، نعم لو حدثت کلّ یوم آلاف الآلاف من المعاجز لکان هناک مجال لتردّد البعض فی أصل وجود نظام الکون.

ثانیاً: لم یدّع أحد أنّ نظام الله هو ألعوبة، أو أنّ الأنبیاء (علیهم السلام) یتصرّفون به کما یحلو لهم، بل الذی نقوله هو أنّ الأنبیاء (علیهم السلام) إنّما یظهرون أمراً خارقاً للعادة بأمر من الله، لیثبتوا ارتباطهم بعالم ما وراء الطبیعة، مع اکتفائهم بالحدّ الأدنى من المعاجز، وعدم استعدادهم لتقبّل المعجزات المقترحة (المعجزات التی تقترح من قبل ذوی الحجج والشکوک الباطلة).

وهناک العدید من الآیات القرآنیة التی تشیر إلى هذا المعنى، والتی سنتکلّم عنها بالتفصیل إن شاء الله عند عرضنا لمنطق «المخالفین للمعجزات».

هـ) فرق المعجزة عن النبوغ

لقد اتّضح عدم وجود أی شبه بین المعجزة وعمل النوابغ، إذ إنّ المعجزة هی العمل الخارج أساساً عن قدرة الإنسان، فی حین من الممکن أن یظهر أمام کلّ نابغة شخص مثله لیقابله بالمثل، فضلا عن أنّ أعمال النوابغ محدودة بحدود معیّنة على الدوام، فأحدهم یبرز مثلا فی الأدبیات والآخر فی الفنّ والثالث فی الریاضیات والرابع فی الصناعة و...، امّا إعجاز الأنبیاء (علیهم السلام)فلا یحدّه إطار معیّن.

وبعبـارة اُخرى فأهل النبوغ إنّما یؤدّون ما یعلمون لا ما یطلبه الناس منهم، فی حین أنّ معجزات الأنبیاء تتمّ طبقاً لمراد النـاس (وهم أتباع الحقیقة طبعاً، لا من یبحث عن الحجج والذرائع).

بالإضافة إلى قیام النوابغ عادةً بتنمیة قدراتهم الباطنیة عن طریق التربیة والتعلیم، وعجزهم عن أداء أی شیء مع غیاب التعلّم المستمرّ والتمرین المتواصل، فی حین أنّ هذا لا یصدق فی حقّ الأنبیاء (علیهم السلام).

و) هل أنّ المعجزات عمل إلهی أو نتیجة قوّة نفوس الأنبیاء؟

طبقاً لما قلناه سابقاً، فالأمور الصادرة من النبوغ أو إرادة الإنسان القویّة أو النفوس السامیة، هی أمور محدّدة ومشخّصة، وبالإمکان العثور على نظیر ذلک الشیء عند باقی البشر، فی حین أنّ المعجزات غیر محدودة وغیر قابلة للمعارضة، کما أنّه لا یمکن العثور على أمثالها فی غیر الأنبیاء والأئمّة (علیهم السلام).

أمّا حدیثنا فیدور حول المعجزة، وهل أنّها من عند الله وأنّ دور الأنبیاء یقتصر على الدعاء والطلب فحسب، أم أنّ الله یمنح نفوس الأنبیاء وإرادتهم قوّةً تمکّنهم من أداء هذه الأعمال الخارقة للعادة بإذنه تعالى؟

لا شکّ أنّ بعضاً من المعجزات کالقرآن المجید هو عمل الله وکلامه، والحدیث هنا عن معجزات أخرى کمعجزة عصا موسى (علیه السلام) والید البیضاء، ومعجزات المسیح (علیه السلام) فیما یتعلّق بإحیاء الموتى وشفاء المرضى.

وکلا الاحتمالین ممکنان بنظر العقل، أی أنّه لا مانع أبداً فی أن تتحقّق المعجزة من قبل الله ودعاء النبی وطلبه، أو أن یمنح الله مثل هذه القدرة لنفوس الأنبیاء، ولا منافاة لأی منهما مع أصل التوحید وإسناد المعجزات إلى الله.

کما أنّ هناک اختلافاً بین ظواهر آیات القرآن أیضاً، یقول تعالى فیما یتعلّق بإحیاء الموتى من قبل المسیح (علیه السلام): (وَأُحْىِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ) إذ إنّه نسب إحیاء الموتى هنا إلى نفسه.

فی حین أنّه یقول تعالى فیما یتعلّق بخلق الطیر: (فَأَنفُخُ فِیهِ فَیَکُونُ طَیْراً بِإِذْنِ اللهِ). (آل عمران / 49)

فالاولى تبـیّن أنّ بعضاً من المعجزات یکون من عمل الأنبیاء (علیهم السلام) بأمر من الله، والثانیة تدلّ على أنّ البعض الآخـر هو من عمل الله، وکما قلنا فکلاهما یعودان فی خاتمة المطاف إلى الإرادة الإلهیّة ولا منافاة لأی منهما أبداً مع أصل التوحید.

فهل أنّ الدواء الشافی بإذن الله یتنافى وأصل التوحید؟

من البدیهی أنّه لا مانع أبداً فی أن تؤثر إرادة شخص النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) فی إحیاء الموتى وشفاء المرضى بإذن الله، وقد فات المصرّین على نفی هذا المعنى، تلک الحقیقة وهی أنّ تأثیر کلّ شیء إنّما هو بإذن الله وهذا هو عین التوحید.

ثمرة البحث:2 ـ العلاقة بین الإعجاز والنبوّة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma