إن أوّل خصلـة لکلّ نبی قبل کل شیء هی صـدق الحدیث، وذلک لأنّه یخبـر عن الله تعالى، فمع عدم الإطمئنان بصدقه لا یمکن الإعتماد على کلامه، ولذا فقد أکّد القرآن على هذه المسألة عدّة مرّات، من جملتها أوّل آیة من آیات بحثنا إذ یقول تعالى: (وَاذْکُرْ فِى الْکِتَابِ إِبْرَاهِیمَ إِنَّهُ کَانَ صِدِّیقاً نَبِیّاً)، کما أنّ نفس هذا الوصف قد ورد بحقّ إدریس فی سورة مریم، الآیة 56 و یوسف فی سورة یوسف الآیة 46.
والملفت للنظر أنّ وصفه بـ « الصدق » قد سبق وصفه بـ « النبوّة » فی هذه الآیة، وهذا یبیّن أنّ أصل النبوّة إنّما یرتکز على الصدق، خصوصاً إنّ «صدّیقاً» هی صیغة مبالغة للصدق(1)، وتعنی کثیر الصدق أو الذی لا یکذب أبداً والذی یوافق قوله عمله، وبناءً على هذا فالأرضیة المناسبة لتقبّل النبوّة المتوفّرة لدى جمیع حملة الوحی الإلهی هی «الصدق المطلق» لیتمّ من خلاله إیصال أمر الله تعالى إلى عباده بدون أیّة نقیصة.
طبعاً یمکن للناس اکتشاف هذه الخصلة فی النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) من خلال تتبّع حیاته السابقة کما هو الحال تماماً فی أهالی مصر عندما عرّفوا یوسف بـ «الصدّیق» وخاطبوه ب (یُوسُفُ أَیُّهَا الصِّدِّیقُ). (یوسف / 46)