إنّ الإنسان مرکب من حقیقتین، إحداهما قلیلة القیمة ،والأخرى ذات قیمة عالیة، إذ إنّ البعد الجسمی للإنسان قلیل القیمة حیث وصفه الله عزّ وجلّ بقولة: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسانَ مِنْ صَلْصال مِنْ حَمَإ ) (1).

وبناءً على هذه الآیة الشریفة، فإنّ الإنسان لم یخلق من طین عادی بل خلق من ثفالة الطین ذی الرائحة متعفنة، وفی هذا دلیل على عظمة الله عزّ وجلّ وقدرته حیث خلق مخلوقاً شریفاً من هذا الطین المتعفن، والذی یعتبر هذا المخلوق من أشرف الموجودات فی العالم ومن أعلاها، ویعتقد الباحثون فی العلوم الطبیعیة أنّ أوّل آثار الحیاة وجدت فی الأطیان والأتربة التی نشأت حول البحار، أمّا العنصر الآخر للإنسان فهو الروح الذی وصفه الله عزّ وجلّ بروحه، لعظمة شرفه وعظمته فی حین نعلم أنّ الله لیس له روح وجسم، کما وصف الکعبة ببیت الله لشدّة شرفها وعظمتها فی حین أنّه لیس بجسم حتى یحتاج إلى بیت وهذا الموضوع أیضاً یصدق على شهر الله عزّ وجلّ، وفی النتیجة، بما أن الإنسان مرکب من جسم وروح وبما أنّ الشیطان کان خبیثاً وملوثاً بالتکبر والحسد والغرور فإنّه لم ینظر إلى الجانب الروحی للإنسان بل إلى الجانب المادی له (من حمأ مسنون) وقال: (لَمْ أَکُنْ لأَسْجُدَ

لِبَشَر خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصال مِنْ حَمَإ مَسْنُون ) (2).

نعم، إنّ الأنانیة والحسد والغرور والتکبر تمنع الإنسان عن إدراک حقیقة الأشیاء، وتردی بصاحبها إلى الضلال والشقاء

1 . سورة الحجر، الآیة 26، وکذلک ورد مضمون هذه الآیة فی الآیتین 28 و 33.
2 . سورة الحجر، الآیة 33.