إنّ المال جید وسیء! فإن استعمل بشکل سلیم، وأنفق ما فاض على حاجة الإنسان فی رفع حاجات الفقراء والمحتاجین، کما ذکرنا سابقاً، فهو جید جدّاً، وإن تحول إلى مسیطر على الإنسان، یسلب إرادته ویخدعه، حتى یصل الأمر بالإخوة والأخوات إلى أن یتنازعوا بینهم على تقسیم إرث أبیهم القلیل، أو یقطعوا علاقتهم لسنین طویلة من أجل مال الدنیا، أو یُخرجوا أمّهم من منزلهم على الرغم من وصیة أبیهم بها لیقسموه فیما بینهم، فتعساً لهذا المال.
من الممکن للمال والثروة أن یکون سبباً للجنون، کما نرى مجانین الثروة فی عالم الیوم، حیث سنشیر إلى نماذج منهم:
أ) لقد قام أحد أثریاء أمریکا، ممن یمتلک طائرة خاصة، بترکیب مسبح فی طائرته، حتى یسبح أثناء السفر والطیران!
ب) نموذج آخر هو أحد أثریاء الغرب الذی لم یکن یدری ماذا یصنع بأمواله بعد موته، حتى توصل أخیراً إلى حل غریب، بأن أوصى بکل أمواله بعد موته إلى کلبه وقطته اللذین کان یحبهما!
ج) نموذج ثالث لهذا الأمر، غنی کان قد سافر إلى مکان ما، وأقام هناک فی فندق وبعد عدّة أیّام من إقامته فیه، یسأله مدیر الفندق: إلى متى سوف تقیمون فی هذا الفندق؟ عندها یغضب هذا الثری من طرح هذا السؤال، ویسأل صاحبه غاضباً عن سعر الفندق، ثم یأمر مدیر أعماله بدفع سعر الفندق إلى صاحبه بتوقیع شیک مصرفی بهذه البساطة!
هؤلاء هم مجانین الثروة، وهؤلاء هم الأشخاص الذین لا یتورعون عن القیام بأی شیء للحصول على المال والثروة، حتى لو أدى ذلک إلى احتلال أفغانستان والعراق، بل وحتى القضاء علیهما، بل لو جرّ ذلک إلى إحراق العالم کلّه، وسلب الطمأنینة عنه، ماداموا یملؤون جیوبهم بالدولارات.
ممّا ذکر من مباحث نستنتج: لقد أعطى الإسلام للإنفاق أهمیّة خاصة، وأوصى به على من یستحقون، ووجّه فی کیفیة الإنفاق وکمیته، کما ذکرنا بالتفصیل سابقاً، ونظراً لأهمیّة الإنفاق الکبیرة ومساعدة المحتاجین، من اللازم طرح مباحث أکثر وأوسع فی هذا المجال، ولکن یلزم قبل ذلک ذکر مقدّمة حول تناسق القوانین التکوینیة والتشریعیة فی الإنفاق.
