لقد بینت الروایات الإسلامیّة موقف المؤمنین والمسلمین تجاه بعضهم بعضاً وواجبات کل منهم تجاه الآخر، ومنها:
1. یقول رسول الله (صلى الله علیه وآله): «المُؤمِنُ أَخو المُؤمِنِ کَالجَسدِ الواحدِ إنْ اشْتَکَى شَیئاً مِنْهُ وَجَدَ أَلَم ذَلِکَ فِی سَائِرِ البَدنِ» (1).
بناء على هذه الروایة فإنّ المسلمین فی سائر العالم کالجسد الواحد إذا اشتکى مسلم منه فی أقصى أرجاء المعمورة من ألم أو مرض أو مشکلة فإن باقی المسلمین
یجب أن یتأثروا من ذلک ویسعوا لحل تلک المشکلة ورفع ذلک الحیف (2)، فإن وقع زلزال فی (بم) وذهب ضحیته الآلاف وشرّد الآلاف من غیرهم، وإن وقع طوفان تسونامی فی دولة إسلامیّة فی شرق آسیا وذهب ضحیته الآلاف الکثیرة ممن فقدوا أعزاءهم وشرِّدوا من منازلهم، وإن نشبت حروب فی أفغانستان والعراق وفلسطین ولبنان وسلبت الطمأنینة والهدوء عن سکان تلک المناطق، وإن سیطر المرض والقحط على سکان بلد ما فیجب على المسلمین فی مواجهة ذلک کله، أن یبدوا رد الفعل المناسب، ویسارعوا ضمن إمکاناتهم وطاقاتهم أن یدعموهم ویساعدوهم، کما یجری عندما یصاب عضو من جسد الإنسان بالمرض فإن کامل الجسم یعانی من السهر والحمى ویقوم بمضاعفة نشاطاته لإنقاذ ذلک العضو من الألم والتعب.
2. یقول الإمام علی (علیه السلام) وهو على فراش الشهادة لولدیه العزیزین الحسین والحسین (علیهما السلام) ما یلی:
«أُوصِیکُمَا، وَ جَمْیِعَ وَلَدِی وَ أَهْلِی وَمَنْ بَلَغَهُ کِتَابِی، بِتَقْوَى اللهِ، وَنَظْمِ أَمْرِکُمْ، وَصَلاحِ ذَاتِ بَیْنِکُمْ» (3).
ویقول المفضل بن عمر: (أعطانی الإمام الصادق (علیه السلام) مقداراً من المال حتى أحلّ به النزاعات بین شیعته على الأمور المالیة، فوجدت نفرین منهم یتنازعان، وبعد التحقق والاستفسار تبیّن أن منشأ نزاعهما سببه أربعمائة درهم، فأعطیت الأربعة درهم إلیهما ورفعت النزاع بینهما، ثم قلت لهما: هذا المال ممّا جعله الإمام الصادق (علیه السلام) تحت تصرفی لهذا الغرض) (4) ولذلک فإنّ واجب کل مسلم أن یبادر بأی شکل ممکن فی سبیل حل مشکلات المسلمین الذین یواجهونها وألا یقف موقف المتفرج حیال ذلک.
3. فی کتابه القیم (سفینة البحار) عند ذکره کلمة (هجران) ینقل المرحوم الحاج الشیخ عباس القمی (رحمه الله) حدیثاً مؤثراً عن رسول الله (صلى الله علیه وآله) حیث یقول: «أَیّما مُسْلِمَینِ تَهاجَرا فَمَکَثا ثَلاثَةَ أَیَّام لَم یَصْطَلِحان إِلاّ مـاتـا خـارِجَینِ عَنِ الإِسلامِ» (5).
أیّها القراء المحترمون! إننا نعرف إخوة متخاصمین طوال اثنی عشر عاماً بسبب الاختلاف على إرث أبیهم وهذا الأمر قبیح غیر مقبول بالنسبة لمسلم، لا سیما إذا کان سبب الخصام والنزاع والهجران المسائل المادیة، ولا شک أنّ إصلاح ذات البین وإزالة التوترات بین الناس وإصلاحهم من أهم العبادات، فما الإشکال إذا بادرنا للإصلاح بین الأزواج الذین تنازعوا فیما بینهم لسنوات أو القیام بإرجاع المرأة إلى بیت أبیها وزوجها؟
1 . بحار الأنوار، ج 61، ص 148، ح 25.
2 . وقد أشار الشاعر الإیرانی الکبیر مصلح الدین الشیرازی إلى هذه الخاصیة البشریة فی أبیات مقتبسة من هذا الحدیث، وفی مجموعته (گلستان)، الباب الأوّل، الحکایة العاشرة.
3 . نهج البلاغة، الرسالة 37.
4 . البرهان فی تفسیر القرآن، ج 2، ص 647، ح 4205.
5 . سفینة البحار، ج 8، ص 629.
