إنّ منشأ العواطف الإنسانیة هو الإیمان بالله والأصول الدینیة، وعندما یقول الإسلام: (إنّما المُؤمُنونَ إخوةٌ ) (1) فإنّ هذه الجملة تحرک وتأجج العواطف الإنسانیة، وعندما یخاطب القرآن الکریم الأولاد ویقول: (فَلا تَقُلْ لَهُما أُفّ ) (2) فإنّ مثل هذه الإرشادات والتوجیهات تؤدی إلى تفجر العواطف الإنسانیة.

وتوصیات الإسلام حول الأیتام الأفراد الذین فقدوا معیلهم فی المجتمع لا تؤدی إلى رفع الحاجات الجسمیة والروحیة للیتیم فحسب، بل إنّها تزید أیضاً وتنمی العواطف الإنسانیة النبیلة فی هؤلاء الذین یقدمون المساعدة والدعم للأیتام، وقد أتى شخص إلى رسول الله (صلى الله علیه وآله) وشکا إلیه قسوة قلبه وعدم ذرفه للدموع وقساوة القلب، فقال له رسول الله (صلى الله علیه وآله): «إذا أَرَدتَ أَنْ یَلِینَ قَلبُکَ، فأَطْعِمِ المِسکِینَ وَامْسَحْ عَلى رَأسِ الیَتِیمِ» (3).

نعم، إنّ إکرام الیتیم ومساعدة المحتاج یؤدی إلى ترقیق القلب وتفجر العواطف الإنسانیة، وإنّ الدرس الذی نستفیده من هذه الروایة أنّ الرفق والرحمة بالیتیم وتکفلهم لا یرفع الحاجات الروحیة الجسمیة للیتیم فحسب، بل یؤدی إلى تنمیة العواطف البشریة فی من یقوم بذلک أیضاً، وبتعبیر آخر فإنّ التأثیر متبادل، فإننی عندما أقوم بمساعدة محتاج فإنّ ذلک یؤدی إلى خلق نوع من العاطفة فی قلبه ویصبح رهین محبتی له، وکذلک فإنّ عواطفی الإنسانیة أیضاً بفضل هذا العمل أیضاً تنمو وتتفجر، وإنّ الطفل الذی نما وترعرع فی ظل العاطفة والمحبّة، من المستحیل أن یتحول إلى شخص یضع القنابل فی سیارة لتنفجر فی أسواق المسلمین لتقتل المئات من الأبریاء وغیرهم، وإنّ من یقوم بمثل هذه الجرائم ویقتل الأطفال والنساء والشیوخ والشباب والمرضى وغیرهم، إمّا أن تکون نطفته تعانی من إشکالات أو أنّه لم یذق طعم العاطفة أو یرى لونها أو یشم رائحتها، ولهذا فإنّ الإسلام یدعو إلى مجتمع مملوء بالعواطف الإنسانیة! وعلى هذا الأساس إذا کانت الحکومة الإسلامیّة تتمتع بمیزانیة کبیرة وتستطیع من خلال ذلک أن ترفع حاجات کافة الأیتام، فإنّه على الرغم من ذلک فإنّ الناس یحتاجون إلى مساعدة الأیتام والمساکین لأنّهم إذا ترکوا ذلک العمل فإن نبع عواطفهم الإنسانیة سوف تجف بسبب ذلک

1 . سورة الحجرات، الآیة 10.
2 . سورة الاسراء، الآیة 33.
3 . میزان الحکمة، ج 8، ص 3467، الباب 3409، ح 17043، وورد شبیه هذه الروایة فی بحار الأنوار، ج 75، ص 5.