الفلسفة الثالثة: المنتظرون الحقیقیون لا یذوبون فی فساد المحیط

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء التاسع)
الفلسفة الثانیة: أعمال الرعایة الاجتماعیة

الأثر المهم الآخر الذی یمتاز به انتظار المهدی هو عدم الذوبان فی مفاسد المحیط، وعدم الاستسلام أمام الانحرافات والفساد.

وتوضیح ذلک: إنّه عندما یشیع الفساد ویجر الأکثریة نحو التلوث ، فإنّ الأفراد الطاهرین

یواجهون أحیاناً مأزقاً نفسیاً حاداً لا مخرج منه، مأزقاً مغلقاً نابعاً من الیأس من الإصلاحات .

إنّهم یعتقدون أحیاناً بأنّ الأمر قد خرج من أیدیهم ولا أمل بالإصلاح قط ، والسعی من أجل المحافظة والابقاء على الطهارة یعد عبثاً، ومن الممکن أن یجرهم هذا الیأس والاحباط نحو الفساد والتأقلم مع المحیط تدریجی ، بحیث لا یتمکنون معه من المحافظة على أنفسهم بصورة أقلیة صالحة أمام الأکثریة الطالحة، وینظرون إلى مسألة عدم التأقلم مع الجماعة کباعث على الفضیحة !

والشیء الوحید الذی یمکن أن یبعث فیهم «الأمل» ویدعوهم إلى المقاومة والمحافظة على النفس، ولا یدعهم یذوبون فی المحیط الفاسد هو الأمل بالإصلاح النهائی ، فی هذه الصورة فقط سوف لن یرفعوا أیدیهم عن بذل المساعی والجهود للمحافظة على طهارتهم وإصلاح الآخرین .

وإن کنّا نلاحظ فی القوانین الإسلامیة أنّ الیأس من غفران الذنوب یعدّ من الذنوب الکبیرة، ومن الممکن أن یتعجب الجاهلون أنّه لماذا یعد الیأس من رحمة الله على هذا القدر من الأهمیّة، بل حتى أنّه أهم من کثیر من الذنوب، إنّ فلسفة هذه المسألة تکمن فی حقیقة مفادها هو أنّ المذنب الآیس من الرحمة لا یرى أی مبرر للتفکیر بالتکفیر عن ذنبه، أو على الأقل الاعراض عن الاستمرار بارتکاب الذنب، ومنطقه یرتکز على أنّ الماء قد تجاوز هامتی سواء بمتر أو مائة متر ! أنا المفضوح فی الدنیا فلن اُبالی بهموم الدنیا ! ولا لون بعد السواد أشد منه، سأدخل جهنم لا محالة، أنا الذی اشتریت ذلک لنفسی، فممّ الخوف إذن؟! وأمثال هذا المنطق ...

أمّا عندما تفتح أمامه نافذة أمل، الأمل بعفو الله ، الأمل بتغییر الوضع الموجود، ستتولد نقطة عطف فی حیاته تدعوه إلى التوقف عن مسیرة الذنوب والعودة نحو الطهارة والإصلاح .

ولهذا السبب یمکن اعتبار الأمل على أنّه عامل تربوی مؤثر فی أوضاع الفاسدین دائم ، وکذلک الصالحون المبتلون بالأوساط الفاسدة ، لا یسعهم المحافظة على أنفسهم بدون الأمل.

والنتیجة إنّ انتظار ظهور مصلح یزداد الأمل بظهوره کلما إزدادت الدنیا فساد ، له أثر نفسی متزاید لدى المعتقدین، ویصونهم أمام أمواج الفساد المتلاطمة; إنّهم لا یعرفون الیأس بمجرّد انتشار رقعة فساد المحیط، بل بمقتضى «اقتراب موعد الوصل * یزداد لهیب الشوق والوله» فإنّهم یرون موعد الوصل والوصول إلى الهدف الذی هو نصب أعینهم، وتزداد حدّة المنازلة مع الفساد أو المحافظة على النفس بکل شوق واستماتة .

من مجموع الأبحاث الماضیة نستخلص النتیجة التالیة: إنّ الأثر التخدیری للانتظار یقع فی حالة واحدة بأن یصبح مفهومه المسخ أو التحریف ـ کما حرّفه إلى هذا المفهوم جمعٌ من المعارضین، ومسخه جمعٌ من المؤیدین ـ أمّا لو تُرجم إلى مفهومه الواقعی فی المجتمع والفرد فیتحوّل إلى عامل مهم للتربیة وبناء الذات والتحرک والأمل .

ومن جملة الأسانید الواضحة التی تؤید هذا الموضوع ما جاء فی آخر هذه الآیة ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَیَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الاَرْضِ .... ) . (النور / 55)

ونقل عن أئمّة الإسلام الکرام المقصود بهذه الآیة «هو القائِمُ وأصحابُهُ»(1) .

ونقرأ فی حدیث آخر : ( نَزَلت فی المهدی ) .

وفی هذه الآیة اُشیر إلى المهدی (علیه السلام) وأصحابه بأنّهم ( الَّذِینَ آمَنُوا مِنکُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ )، وبناءً على ذلک فإنّ تحقق هذه الثورة العالمیة بدون الإیمان الراسخ الذی لا یداخله أی نوع من الضعف والتخاذل، وبدون الأعمال الصالحة التی تفتح الطریق أمام إصلاح العالم یعدّ أمراً غیر ممکن البتة، وعلى الذین ینتظرون مثل هذا البرنامج أن یرفعوا مستوى وعیهم وإیمانهم، وأن یجتهدوا فی إصلاح اعمالهم .

ویمکن لهؤلاء الأفراد أن یمنحوا أنفسهم أمل الاشتراک فی حکومته فقط، ولیس الذین یتعاونون مع الظلم والاضطهاد، ولیس البعیدون عن الإیمان والعمل الصالح ، ولا الأفراد الجبناء والأذلاء الذین یخشون کل شیء وحتى یخافون من ظلهم بسبب ضعف إیمانهم.

ولا الأفراد المتقاعسون والکسالى والعاطلون الذین یقفون مکتوفی الأیدی أمام مفاسد محیطهم ومجتمعهم مفضلین السکوت دون أن یکون لهم أدنى سعی أو جهد على طریق مواجهة معالم الفساد.

هذا هو الأثر البنّاء لقیام المهدی (علیه السلام) فی المجتمع الإسلامی .

اللّهم! نوّر أبصارنا بجمال طلعته البهیّة، واجعلنا من أنصاره المخلصین وجنوده المضحّین!


1. بحار الأنوار، ج 13، ص 14.
الفلسفة الثانیة: أعمال الرعایة الاجتماعیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma