على العکس مما یتصوره بعض الجهلة فإنّ الاعتقاد بقیام المهدی (علیه السلام) وحکومته العالمیة ، لا یختص فقط بالشیعة واتباع مذهب أهل البیت (علیهم السلام)، بل إنّ جمیع الفرق الإسلامیة دون استثناء یعتقدون بظهور رجل من ذریة الرسول فی آخر الزمان یسمى المهدی، یملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ونقلوا روایة هذا الموضوع فی کتبهم عن الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) .

وقد کُتبت مصنفات کثیرة وذکرت روایات عدیدة فی هذا الصدد على أیدی علماء السنّة والشیعة سنشیر إلى بعض منها فی الأبحاث القادمة .

هذه الروایات من الروایات المتواترة والقطعیة وأیّدها جمیع المحققین من الإسلامیین ـ بصرف النظر عن مذاهبهم الخاصة، باستثناء عدد محدود مثل «ابن خلدون»، و«أحمد أمین المصری» اللذان شککا فی صدور هذه الروایات عن الرسول (صلى الله علیه وآله) ، وبین ایدینا مجموعة من القرآئن الدالة على أنّ الباعث الذی حملهم على هذا السلوک لم یکن ضعف الروایات ، بل لعلهم کانوا یتصورون بأنّ الروایات المتعلقة بظهور المهدی تنطوی على الخارق من العادات بحیث لا یسعهم تصدیقها بسهولة .

هذا فی الوقت الذی وافقت على ذلک أکثر الفرق الإسلامیة تعصباً لاسیما الوهابیون، واعترفوا بتواتر أحادیثه .

والشاهد على هذا الادّعاء بیان صدر قبل عدّة سنوات من قبل رابطة العالم الإسلامی الواقعة بشدة تحت نفوذ الوهابیین وحکومة آل سعود ، جواباً على سؤال موجه لهم بشأن ظهور الإمام المهدی (علیه السلام) .

وکان هذا البیان بمثابة جواب لأحد أهالی (کینیا) باسم «أبو محمد» وبتوقیع الامین العام «لرابطة العالم الإسلامی» «محمد صالح القزاز»، وقد ورد فی هذا البیان مایلی :

انَّ «ابن تیمیة» مؤسس مذهب الوهابیین یؤید الأحادیث المتعلقة بالمهدی (علیه السلام). وقد تطرق البیان بعد ذلک إلى الرسالة التی اعدها خمسة من علماء الحجاز المعروفین فی هذا الشأن : ونقرأ فی مقطع من هذه الرسالة :

( عندما یظهر الفساد فی العالم وینتشر الکفر والظلم، سوف یملأ الله تعالى العالم عدلاً بـ ( المهدی ) کما ملیء ظلماً وجوراً، وأنه آخر الخلفاء الراشدین الاثنى عشر الذین أخبر عنهم النبی (صلى الله علیه وآله) فی کتب الصحاح المعتبرة ...) .

وقد نقل الکثیر من صحابة النبی (صلى الله علیه وآله) الأحادیث المتعلقة بالمهدی، ومن جملتهم : عثمان بن عفان، علی بن أبی طالب، طلحة بن عبید الله، عبد الرحمن بن عوف، عبد الله بن عباس، عمار بن یاسر، عبد الله بن مسعود، أبو سعید الخدری، ثوبان، قرة بن ایاس المزنی، عبد الله بن الحارث، أبو هریرة، حذیفة بن الیمان، جابر بن عبد الله الأنصاری، أبو امامة، جابر بن ماجد، عبد الله بن عمر، أنس بن مالک، عمران بن الحصین، واُم سلمة .

وهؤلاء عشرون شخصاً ممن نقلوا روایات المهدی، ویوجد کثیر غیرهم .

کما نقلت أحادیث کثیرة حول ظهور المهدی عبر أولئک الصحابة أنفسهم بما یمکن اعتبارها من ضمن الروایات النبویة، لأنّ هذه المسألة لیست بالتی یمکن الاجتهاد حولها (ولذلک فإنّ الصحابة سمعوا بها من النبی (صلى الله علیه وآله)).

ثم یضیف: إنّ هاتین المسألتین ـ أی روایات النبی (صلى الله علیه وآله) وروایات الصحابة التی لها هنا حکم الحدیث ـ وردتا فی الکثیر من المتون الإسلامیة المعروفة وکتب الحدیث الرئیسیة فضلا عن (السنن) و(المعاجم) و(المسانید) .

ومن جملتها ( سنن أبی داود، سنن الترمذی، ابن ماجة، ابن عمرو، مسند أحمد، وابن لیلى، والبزاز، وصحیح الحاکم، ومعاجم الطبرانی، والدارقطنی، وأبو نعیم، والخطیب البغدادی، وابن عساکر وغیرهم ).

ثم یضیف: ولأهمیّة هذه القضیة کتب وألّف البعض من علماء المسلمین کتباً خاصة بموضوع أخبار المهدی، من ضمنهم (أبو نعیم الاصفهانی) فی ] أخبار المهدی [و( ابن حجر الهیثمی ) فی ] القول المختصر فی علامات المهدی المنتظر [والشوکانی فی ]التوضیح فی تواتر (ما) جاء فی المنتظر والدجال والمسیح[ و(ادریس العراقی المغربی ) فی کتاب ]المهدی [ وأبو العباس ابن ( عبد المؤمن المغربی ) فی کتاب ]الوهم المکنون فی الرد على ابن خلدون [ .

یضیف بعد ذلک : وقد صرح قسم من علماء المسلمین الکبار ـ قدیماً وحدیثاً ـ فی تألیفاتهم بأنّ الأحادیث المتعلقة بالمهدی وصلت إلى حد التواتر ( ولهذا فهی غیر قابلة للانکار) .

ومن جملة هؤلاء (السخاوی) فی کتاب ]الفتح المغیث[ ومحمد بن أحمد السفاوینی فی ]شرح العقیدة [ ، وأبو الحسن الابری فی] مناقب الشافعی[، وابن تیمیه فی کتاب فتاواه، والسیوطی فی ] الحاوی [، وادریس العراقی فی کتابه، والشوکانی فی] التوضیح [، ومحمد جعفر الکنانی فی ] نظم التنافر [ .

ویقول فی نهایة هذا المبحث : إنّ (ابن خلدون) فقط حاول النیل من أحادیث المهدی ولکن سادة الدین وعلماء المسلمین ردّوا أقواله، وبعض آخر مثل (ابن عبد المؤمن) ألّفوا کتباً خاصة فی الرد علیه .

وخلاصة القول: إنّ حفظة الحدیث وعظماء الشریعة قد صرحوا بأنّ أحادیث المهدی تشتمل على روایات صحیحة وحسنة تؤدی بمجموعها إلى التواتر .

ویستنتج فی الختام : (وبناءً على ذلک فإنّ الاعتقاد بظهور المهدی یعتبر واجباً على کل مسلم، وهو جزء من عقائد أهل السنّة والجماعة، ولا ینکر ذلک إلاّ کل جاهل أو مبتدع)(1).

ومن الضروری أیضاً الإشارة إلى هذا المطلب، أنّه حسب اعتقاد طائفة من المحققین ، فإنّ الاعتقاد بوجود المهدی لا یقتصر على المسلمین فقط، بل إنّ سائر اتباع المذاهب الاُخرى أیضاً فی انتظار مصلح کبیر لهذا العالم ، وقد اُشیر إلى هذا المعنى فی مصادرهم المختلفة، وللتعرف على الشرح الوافی لهذا الموضوع لابدّ من مطالعة الکتب المصنّفة بشأن ظهور المهدی(2) .

والآن ومع الأخذ بنظر الاعتبار اسلوب مباحث الکتاب التی تدور حول محور التفسیر الموضوعی ، ننتقل إلى الآیات التی تشیر إلى هذا الظهور الکبیر :

1. من الرسالة المؤرخة فی 21 مایو 1976 التی جاءت بتوقیع مدیر المجمع الفقهی الإسلامی محمد منتظر الکنانی ، وهی الرسالة التی جاءت نتیجة مباحثة المذکور مع أربعة أشخاص آخرین من فقهاء الحجاز المعروفین وهم ، الشیخ صالح بن عثیمین، والشیخ أحمد محمد جمال، والشیخ أحمد علی، والشیخ عبد الله الخیاط .
2. بإمکانکم مراجعة کتاب ثورة المهدی العالمیة بهذا الشأن .