ربما یقال : إننا نقرأ فی الحدیث المروی عن النبی (صلى الله علیه وآله) فی مختلف الکتب : «أصحابی بمنزلة النجوم فی السماء فأیّما أخذتم به اهتدیتم» (1).فهل أنّ هذا الحدیث لا یتعارض والأحادیث المذکورة التی وردت بحق أهل البیت (علیهم السلام) ؟للاجابة عن هذا السؤال ، لابدّ من الالتفات إلى بعض الاُمور : 1 ـ على فرض أنّ حدیث «أصحابی کالنجوم» حدیث معتبر فهو لا یتعارض مع ما ورد بحق أهل البیت(علیهم السلام) ، لأنّ وجود مرجع واحد فی بیان حقائق الإسلام لا یتعارض مع وجود المراجع الآخرین، لاسیما وأنّه لم یرد الکلام فی حدیث «أهل بیتی کالنجوم» عن القرآن الکریم، بینما یمثل القرآن الکریم أهم سند للمسلمین .2 ـ إنّ هذا الحدیث «موضوع» و«مقدوح به» من ناحیة السند لدى الکثیر من علماء أهل السنة ، أو مشکوک على أقل تقدیر.ومن الذین صرحوا بهذا المعنى «أحمد بن حنبل» أحد الأئمّة الأربعة لأهل السنّة ، و«ابن حزم»، و«أبو إبراهیم المزنی»، أحد أصحاب الشافعی و«الحافظ البزاز» و«الدار قطنی» و«الذهبی» وطائفة اُخرى ، حیث یخرجنا نقل کلام کل منهم عن إطار البحث التفسیری ، ولکن بإمکانکم مراجعة «خلاصة کتاب عبقات الأنوار» بغیة الاطلاع الواسع على جمیع هذه الأقوال (2).

3 ـ إنّ مضمون هذا الحدیث لا یتناسب مع المعاییر المنطقیة ، فانّنا نعلم أنّ اختلافات شدیدة قد وقعت بین أصحاب رسول الله (صلى الله علیه وآله) (الأصحاب بالمعنى الشامل للکلمة، نعنی جمیع الذین أدرکوه (صلى الله علیه وآله) وکانوا إلى جانبه) ، وقد أُریقت دماء کثیرة بسبب هذه الاختلافات ووقعت حروب رهیبة ، فأی منطق یرتضی لنا أن نعتبر فرقتین متخاصمتین وکل منهما متعطش لدم الآخر ، أنوار هدایة ، ونخیرُّ الناس بأنّ لا فرق بالنسبة لکم فی أن تلتحقوا بمعسکر أمیر المؤمنین (علیه السلام) أو بمعسکر معاویة ؟ أی : أنّ الأمر سیان للقوم فی حرب الجمل سواء کانوا مع علی (علیه السلام) أو مع طلحة والزبیر ! فکلهم أنوار هدایة ویأخذون بأیدیکم إلى الجنّة ؟فلا عقل یقبل مثل هذا المنطق ، والنبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) أسمى وأرفع من أن ینسب إلیه مثل هذا.إنَّ القرائن تبرهن على أنّ حکام «بنی أُمیة» ومن لف لفهم قد ابتدعوا هذا الحدیث ونسبوه إلى النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) من أجل ترسیخ دعائمهم أو إضعاف معنى حدیث النجوم والتقلیل من أهمیّة أهل البیت (علیهم السلام) ، لیفهموا أهل الشام أن لو کانت حکومة علی (علیه السلام) على الحق ومشعل هدایة، فإنّ حکومة معاویة کذلک بحکم کونه من أصحاب رسول الله ، فلا فرق فی أن تکونوا مع هذا أو مع ذاک، والله العالم بحقائق الاُمور .

1. جامع الاُصول ، ج 9 ، ص 410 .
2. خلاصة العبقات ، ج3، ص 124 إلى 167 (وفی هذا الکتاب بین ضعف سند هذا الحدیث عن أکثر من ثلاثین من علماء أهل السنة مع شرح لأحوالهم) .