کما اُشیر من قبل إلى أنّ الاعتقاد بخلود الإسلام ودیمویته من الاُمور التی اتفق علیها کل العلماء والمفکرین المسلمین ، بل وتعتبر من ضروریات هذا الدین ومصدر هذه العقیدة ـ وبالإضافة إلى الآیات القرآنیة ـ هناک روایات لا تحصى وصلتنا عن النبی(صلى الله علیه وآله) وبقیة الأئمّة المعصومین(علیهم السلام) بما یشکل مجموعها کتاباً کامل ، وسنشیر إلى قسم منها فی هذا الملخص کنموذج .

1 ـ الروایات العدیدة حول ختم سلسلة الأنبیاء والتی جاءت على لسان النبی(صلى الله علیه وآله)وهذه الروایات بذاتها تشکل باباً واسعاً جدّ ، ومن جملة الأحادیث فی هذا الباب الروایات التالیة :

أ) فی الحدیث المشهور الذی نقلته الکثیر من مصادر الحدیث والتفاسیر عن النبی(صلى الله علیه وآله)والذی یقول فیه :

«مثلی ومثلُ الأنبیاء کمثلِ رجل بنى داراً فأتمها وأکملها إلاّ موضع لبنة فجعل الناسُ یدخلونها ویتعجبون منها ویقولون : لولا موضع اللبنة، قال رسول الله(صلى الله علیه وآله) فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبیاء»(1) .

ونقل نفس الحدیث بطریق آخر جاء فی آخره: «فأنا اللبنة وأنا خاتم النبیین)(2) .

ونفس المعنى نقل بطرق متعددة(3) .

وفی تفسیر (مجمع البیان) جاء هذا الحدیث بهذه الصورة : یقول : نقل فی حدیث صحیح عن جابر بن عبد الله الأنصاری عن النبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال : «إنّما مثلی فی الأنبیاء کمثل رجل بنى داراً فأکملها وحسنها إلاّ موضع لبنة ، فکان من دخلها فنظر إلیها قال : ماأحسنها إلاّ موضع هذه اللبنة ، قال(صلى الله علیه وآله) : فأنا موضع اللبنة ختم بی الأنبیاء» ثم یقول : هذا الحدیث نقل فی (صحیح البخاری) و(صحیح مسلم)(4) .

وجاء أیضاً فی مسند (أحمد بن حنبل) و(الترمذی) و(النسائی) وکثیر من کتب الحدیث والتفاسیر الاُخرى ، وهو من الأحادیث المعروفة جدّاً والمشهورة .

والعلاّمة الطباطبائی بعد أن یذکر هذا الحدیث یقول : «نفس هذا المعنى نقله أیضاً غیر البخاری ومسلم مثل : الترمذی والنسائی وأحمد وابن مردویه عن غیر جابر»(5) .

ب) وجاء فی (نهج البلاغة) أیضاً التصریح بمسألة خاتمیة نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) فی خطب متعددة . ونقرأ فی الخطبة 173 : «أمین وحیه وخاتم رسله» .

وفی الخطبة 133 : «ختم به الوحی» .

وفی الخطبة 72 بعد أن یصلیّ علىّ(علیه السلام) ویسلم على النبی(صلى الله علیه وآله) یصفه هکذ : «الخاتم لما سبق والفاتح لما انغلق» .

وفی الخطبة 87 یخاطب الناس قائل : «أیّها الناس خذوها عن خاتم النبیین...».

ویقول فی الخطبة الاُولى من نهج البلاغة : «بعث الله سبحانه محمد(صلى الله علیه وآله) لانجاز عدته واتمام نبوته» .

والمثیر للاهتمام أنّه عند التدقیق الواسع الذی جرى على 110 أجزاء من کتاب (بحار الأنوار) بواسطة أجهزة الکومبیوتر تبیّن أنّ کلمة (خاتم النبیین) أو (خاتم الرسل) و(خاتم الأنبیاء) وردت فی أکثر من 300 موضع من الکتاب (من الجزء الثانی وحتى الجزء 110) والقسم الأعظم منها فی روایات الأئمّة المعصومین(علیهم السلام) والقلیل منها فی تفاسیر العلاّمة المجلسی وأمثاله . وتبیّن بوضوح ما تحظى به مسألة ختم النبوة بنبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) فی أوساط المسلمین فی کل عصر وزمان من شهرة وشیوع واسعین(6) .

وجاء فی کتب أهل السنة کرارا لفظ (خاتم النبیین) و(خاتم الأنبیاء)(7) .

ج) حدیث (المنزلة) المعروف ـ الذی ورد فی الکثیر من کتب الشیعة وأهل السنة المعروفة بخصوص علی(علیه السلام) ویعتبر من أشهر الأحادیث النبویة المتواترة ـ دلیلً واضح على هذا المعنى . لأنّ النبی(صلى الله علیه وآله) کان یرید التوجه مع جیشه إلى (معرکة تبوک) فخلف مکانه فی المدینة علی(علیه السلام) وقال له : «أنت منی بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبی بعدی»(8) .

والنقطة المثیرة للاهتمام أیضاً هی أنّ هذه الجملة لم یقلها النبی(صلى الله علیه وآله) فی واقعة (معرکة تبوک) فقط ، بل وصرح بها فی مواضع اُخرى أیض ، وعلى الأقل أنّها سمعت منه(صلى الله علیه وآله) ستّ مرات فی غیر (غزوة تبوک) :

أول : فی یوم (المؤاخاة الاولى) .

ثانی : فی یوم (المؤاخاة الثانیة) .

ثالث : أثناء تعزیة النبی(صلى الله علیه وآله) لـ(اُم سلیم) عندما استشهد أبوها وأخوه .

رابع : فی الحدیث الذی ینقله (ابن عباس) عن (عمر) بهذا الخصوص .

خامس : فی الحدیث الذی جرى أثناء المنازعة على کفالة بنت (حمزة سید الشهداء) .

سادس : فی الحدیث الذی ورد عن سد الأبواب التی على المسجد إلاّ باب بیت علی(علیه السلام)وبیت النبی (صلى الله علیه وآله)(9) .

وهذا الحدیث یثبت بوضوح أنّ ما من نبی سیأتی بعد نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) وأنّ هذه المسألة اعتبرت جزءا من الواضحات منذ نفس عصر ظهور النبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) .

د) ورد فی أحادیث متعددة أنّ الأحکام الإسلامیة باقیة وقائمة إلى نهایة العالم . وهذا الأمر لایستقیم إلاّ بـ(خاتمیة نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) لأنّ مجیء نبی جدید آخر سینسخ قسماً من أحکام النبی الذی سبقه على الأقل .

ومن جملتها نقرأ فی اُصول الکافی : «حلال محمد حلالٌ أبداً إلى یوم القیامة وحرامهُ حرامٌ أبداً إلى یوم القیامة . لا یکون غیره ولا یجیء غیره»(10) .

وجاء نفس المعنى فی مکان آخر إذ یقول الإمام الصادق(علیه السلام) بعد أن ذکر الأنبیاء : «حتى جاء محمد(صلى الله علیه وآله) فجاء بالقرآن وبشریعته ومنهاجه ، فحلاله حلال إلى یوم القیامة وحرامهُ حرامٌ إلى یوم القیامة»(11) .

ثم إنّه یتضح من هذا الخبر المشهور أنّه لیس النبی(صلى الله علیه وآله) (خاتم الأنبیاء) فحسب ، بل وأنّ دینه ومجموع تعالیمه وأحکامه خالدة وأبدیة ولا تتعرض لای تغییر ، وأنّ أولئک الذین یتصورون ـ بقبولهم مسألة الخاتمیة ـ أنّهم یستطیعون بأفکارهم إیجاد تغییرات فی تعالیم الإسلام وأحکامه مخطئون جدّ ، لأنّ الأحادیث آنفة الذکر تقول إنّ خلود نبوّته ملازماً لخلود تعالیمه وأحکامه .

ونقل (العلاّمة المجلسی) رحمه الله هذا الحدیث أیضاً فی الکثیر من مجلدات بحار الأنوار(12) .

هـ ) فی آخر خطبة (حجة الوداع) الشهیرة وهی نفس الخطبة التی بینها النبی(صلى الله علیه وآله) للناس بعنوان وصیته الجامعة فی آخر حجة وآخر سنة من عمره الشریف جاءت مسألة (الخاتمیة) صریحة .

إذ یقول : «ألا فلیبلغ شاهدکم غائبکم لا نبی بعدی ولا اُمّةً بعدکم» ثم رفع یدیه المبارکتین إلى السماء ـ بعد أن انتهى من تبیین کل وصایاه ـ حتى بان بیاض أبطیه وقال : «اللّهم اشهد أنّی قد بلغت»(13) .

و) وجاء فی حدیث معروف اخر عن النبی(صلى الله علیه وآله) أنّه قال : «إنّ الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدی ولا نبی»(14) .

وهذا الحدیث بالخصوص ملفت للنظر من جهة أنّه اغلق الطریق أمام مختلقی الذرائع الذین یقولون: إنّه (خاتم الأنبیاء) ولیس (خاتم الرسل) .

ز) ننهی هذه الروایات بحدیث آخر عن رسول الله(صلى الله علیه وآله) فقد جاء فی کتاب (اسد الغابة): «أنّ (العباس بن عبد المطلب) عم النبی کان یطلب منه(صلى الله علیه وآله) أن یأذن له بالهجرة من مکة إلى المدینة حتى یلحق به (حسب بعض الروایات أنّ العباس کان من المؤمنین الذین یکتمون إیمانهم وبقی فی مکة باذن من النبی(صلى الله علیه وآله) یکتب له أخبار المشرکین ویلجأ إلیه المسلمون ، وعندما قویت شوکة الإسلام طلب العباس من النبی(صلى الله علیه وآله) أن یأذن له بالهجرة، ولکن النبی(صلى الله علیه وآله)قال له : «لا تعجل بهذا الأمر»)، ومتن هذه الروایة یشیر إلى هذا الأمر :

«یاعمّ أقم مکانک الذی أنت به فإنّ الله تعالى یختم بک الهجرة کما ختم بی النبوة» .

ثم جاء إلى النبی(صلى الله علیه وآله) فی المدینة قبل (فتح مکة) وهاجر ورافقه فی فتح مکة ، وبفتح مکة انتهت الهجرة ـ لأنّ هذه المدینة أصبحت بعد فتح مکة دار إسلام ولیس دار کفر یهاجر منها إلى المدینة»(15) .

وبناءً على ذلک کان (العباس) هو آخر من هاجر من مکة إلى المدینة إذ بعده فتحت مکة وانتهت الهجرة . وکتب البعض أنّ (العباس) الذی کان فی طریق هجرته إلى المدینة مع زوجته وأبنائه التقى بالنبی(صلى الله علیه وآله) فی أحد المنازل وسط الطریق عندما کان(صلى الله علیه وآله) فی طریقه لـ(فتح مکة) فانضم إلیه وقال له(صلى الله علیه وآله) : «وهجرتک آخر الهجرة کما أنّ نبوتی آخر النبوة»(16) .

ویبلغ مجموع الأحادیث التی ذکرت تحت هذه العناوین السبعة التی ذکرنا الآف الأحادیث التی تدل بوضوح کلها على أنّ مسألة خاتمیة نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) کانت منذ البدایة من المسائل الواضحة والبدیهیة .

والنقطة الملفتة للنظر أیضاً أنّ کل واحد من الأئمّة المعصومین الأربعة عشرة(علیهم السلام)وصلنا عنه حدیث أو أحادیث عن (الخاتمیة)(17) .

والبعض من الکُتّاب قسموا هذه الأحادیث إلى عشرین قسماً(18) .

1. صحیح مسلم، ج4، ص 1791 .
2. المصدر السابق.
3. المصدر السابق .
4. تفسیر مجمع البیان، ج7 و8 ، ص 362 .
5. تفسیر المیزان، ج16 ، ص 327 . ذیل الآیة مورد البحث .
6. نتقدم بالشکر إلى المرکز الکومبیرتری للحوزة العلمیة فی قم الذی قدم هذه الموارد التی جاءت فی 23 صفحة من الحجم الکبیر إلى مرکز تفسیر رسالة القرآن .
7. یراجع المعجم المفهرس لألفاظ الحدیث النبوی مادة، (ختم) .
8. الملفت أنّ هذا الحدیث نقل عن 170 طریقاً ـ مائة منها عن طرق أهل السنّة وسبعون طریقاً من طرق أهل البیت(علیهم السلام) ـ ومن جملة الکتب التی نقل فیها هذا الحدیث : صحیح مسلم ; صحیح البخاری ; سنن ابن ماجه ; مستدرک الحاکم ; مسند أحمد بن حنبل ; ذخائر العقبى ; الصواعق المحرقة ; کنز العمال ; ینابیع المودة وغیره . (للاسیتضاح أکثر ارجعوا إلى «المراجعات» المراجعة 28) .
9. للاطلاع أکثر ارجعوا إلى (تفسیر نمونة «فارسی») ذیل الآیة 42 من سورة الأعراف والمراجعات (المراجعة 32) .
10. اصول الکافی، ج1 ، ص 58 ، ح 19 .
11. اصول الکافی، ج2 ، ص 17 ، ح 2 .
12. بحار الأنوار، ج 2 ، ص 260 ، ح 17 .
13. بحار الأنوار، ج 21، ص 381 نقلاً عن الخصال ج 2 ، ص 84 .
14. سنن الترمذی، ج3 ، ص 364 .
15. اُسد الغابة، ج3 ، ص 110 .
16. عیون الاخبار لابن قتیبة، ج 1، ص 5.
17. للاطلاع أکثر راجعوا کتاب الخاتمیة من وجهة نظر القرآن والحدیث والعقل .
18. للاطلاع أکثر راجعوا کتاب خاتمیة آخر الأنبیاء(صلى الله علیه وآله) من ص 39 إلى ص 41 .