2 ـ الاعجاز القرآنی على صعید المعارف الإلهیّة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثامن)
مقتطفات من الأمثلة الاعجازیة للقرآن:3 ـ إعجاز القرآن فی تصور العلوم الحدیثة

بعد الکلام عن مسألة الفصاحة والبلاغة وصل بنا المطاف للحدیث عن المضمون وقبل کل شیء نتعرض لمسألة المعارف ونحاول بیان المسائل المتعلقة بالمبدأ والمعاد والعقائد الدینیة .

ومن الاُمور الأساسیة هی أنّ بیان المسائل ذات العلاقة بالمبدأ والمعاد والنبوة والإمامة ، یُعدُّ أحد المعاییر الفاصلة بین الأدیان الحقة والباطلة ، لأنّ بحوث هذا القسم وبالأخص ما یتعلق بالذات القدسیة لله تعالى وصفاته واسمائه فی غایة الدقة والتعقید ، بحیث یصبح الحد الفاصل بین الشرک والتوحید ادق من الشعرة أحیان .

إنّ هذا القسم من الآیات القرآنیة على جانب کبیر من الابداع والعمق والدقة ، بحیث لو لم یوجد دلیل على اعجازه سوى الایضاحات الدقیقة التی یبینها فی هذه المسائل ، لکان هذا کافیاً للاستدلال علیه .

خصوصاً وأنّ القرآن ظهر فی بیئة عاکفة على عبادة الأصنام مملوءه بالمعابد بدءاً من الأصنام المنزلیة وانتهاءً بالاصنام العشائریة والأصنام الکبیرة العامة ، التی کانت مقصداً لکل بلد وحی .

لقد کانوا یصنعون الأصنام بأیدیهم من الاخشاب أو الصخور أو المعادن ، وبالرغم من علمهم بعدم امتلاکها لأدنى احساس وشعور وحرکة ورؤیة، نجدهم ینسبون إلیها القدرة الهائلة استناداً إلى جملة من التخیلات المحضة الرکیکة التی تدور فی أذهانهم ، ومن ثم یسلمونها مقالید اُمورهم ومقدراتهم ویخضعون لها فی عجز وتضرع یلتمسونها ویسجدون لها ویقدمون لها القرابین حتى تصیر واسطة للفیض والشفاعة بینهم وبین الله تعالى ، وکان یصل بهم الأمر أحیاناً إلى أن یصنعوا أصناماً من التمر ، واتفق فی احدى سنی القحط أن خلت منازلهم من الطعام فحملوا على آلهتهم التی صنعوها بأیدیهم فأکلوها، ومن شواهد هذه القصة هو الشعر الذی لا یزال شاخصاً بین أشعار عصر الجاهلیة :

أکلت حنیفةُ ربَّها عامَ التقحمِ والمجاعه *** لم یحذروا مِن ربّهم سوءَ العواقبِ والتباعه

وهذه الأفکار هی من أسوأ الأفکار خرافیة وانحطاطاً وأکثرها سخافة والتی یمکن أن تخطر فی ذهن إنسان .

إنّ الأکثریة الساحقة من عرب الجاهلیة تعتبر الملائکة بنات الله ، فی حین أنّهم أنفسهم کانوا ینفرون من مجرد سماع اسم البنت لما أُثر عنهم من تحقیرهم للمرأة فی تلک البیئة ـ کما نقرأ ذلک فی قوله تعالى: ( وَاِذَا بُشِّرَ اَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحَمــنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ کَظِیمٌ ) . (الزخرف / 17)

وتوجد هناک مسائل خرافیة اُخرى کثیرة یطول شرحها سواء فی مبحث المعرفة الإلهیّة أو فی مبحث المعاد وغیره .

وعندما نشاهد شخصاً ظهر من تلک البیئة یدعو إلى التوحید الخالص والمعارف الأصیلة ببیان دقیق یذعن له کبار الفلاسفة ، حینئذ لا یعترینا الشک بأنّ بیان مثل هذه المعارف لا یصدر إلاّ من الله عزّ وجلّ ، ولیست هناک أدنى مبالغة فی هذا القول ولا حاجة إلى قطع طریق بعید طویل للتوصل إلى الحقیقة ، فاذا القینا نظرة على المجلد الثانی والثالث من هذا الکتاب «نفحات القرآن» حیث تضمن المجلد الثانی بحثاً عن الله سبحانه وتعالى والثالث حول معرفة الله لاطلعنا على سعة المعارف القرآنیة وعمقه ، وکذلک الحال بالنسبة إلى المعاد فی القرآن فقد اُفرد له بحث واسع فی المجلد الخامس والسادس من نفحات القرآن.

لذا نقف هنا عند البحث الإجمالی ونکتفی باشارات عابرة فی هذا المجال ، الغرض منها ان نعود بقرّائنا الأعزاء إلى المجلدات السابقة .

وبالرغم من سیطرة فکرة الشرک بالله وعبادة الأصنام على تلک البیئة بحیث لا یجرؤ احد على النیل من هذه العقیدة بادنى لوم أو اعتراض ، انبرى القرآن بقاطعیة کاملة إلى ضرب تلک العقیدة الخرافیة ، فتارة ینقل ذلک على لسان إبراهیم الخلیل (علیه السلام) فیقول : ( قَالَ اَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَالاَ یَنْفَعُکُمْ شَیْئاً وَلاَ یَضُرُّکُمْ * اُفّ لَّکُم وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ اَفَلاَ تَعْقِلُونَ ). (الأنبیاء / 66 ـ 67 )

وتارة اُخرى یقول فی صدد قصة عجل السامریّ الذی أصبح مورداً لإغواء عدة من جهال بنی اسرائیل واغترارهم به : ( اَفَلاَ یَرَوْنَ اَلاَّ یَرْجِعُ اِلَیْهِمْ قَوْلاً وَلاَ یَمْلِکُ لَهُمْ ضَرَّاً وَلاَ نَفْعَ ). (طــه / 89)

وبجملة مختصرة : إنّ القرآن یندِّد کثیراً بالشرک ویذم عبادة الأصنام بحیث إنّه یعفو ویصفح عن جمیع الذنوب ما عدا الشرک ، فیقول : ( اِنَّ اللّهَ لاَ یَغْفِرُ اَنْ یُشْرَکَ بِهِ وَیَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِکَ لِمَنْ یَشَاءُ وَمَنْ یُشْرِکْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى اِثْمَاً عَظِیَم ). (النساء / 48)

إنّ هذا التندید القاطع والحاسم بفکرة عبادة الأصنام یعدّ بحق أمراً فریداً من نوعه ; لأنّ هذه الفکرة تعتبر سُنّة معروفة للأجداد ، والثقافة الرائجة فی جمیع أنحاء تلک البیئة بحیث إنّ العدول عنها یُعد من عجائب الاُمور ومورداً لکل أنواع الذم والتقریع ، أمّا نحن ففی الوقت الحاضر نلقی نظرة عفویة على هذه الآیات ونعتبرها أمراً عادیاً بغض النظر عن أنّ تلک البیئة کانت تعیش ضمن ظروف وأوضاع خاصة تختلف عن أوضاعن ، هذا من جانب ومن جانب آخر عندما یشرع فی بحث التوحید ، یعمد إلى طرح الدلائل الفطریة والمنطقیة و( برهان النظام ) و( برهان الصدیقین ) بشکل لا یتصور الإنسان ما هو أروع منه .

ویشیر فی بحث التوحید الفطری إلى المسألة التی کانت تحدث فی حیاة کل أولئک الناس وبأشکال مختلفة فیقول : ( فَاِذَا رَکِبُوا فِى الفُلْکِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الّدِینَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ اِلَى البَرِّ اِذَا هُمْ یُشْرِکُونَ ). (العنکبوت / 65)

وبهذه الطریقة یبیّن استقرار نور التوحید فی أعماق وجودهم ووجدانهم ، ویزیح النقاب عن طوفان الحوادث تلک الشعلة المستترة فی أقبیة الجهل والجاهلیة ، فعندما یأتی إلى التوحید الاستدلالی یقول فی جملة مختصرة : ( أَفِى اللَّهِ شَکٌ فَاطِرِ السَّموَاتِ وَالاَرْضِ ).(إبراهیم / 10)

بعد هذا البیان الإجمالی یأخذ بید البشریة ویجوب کل نقطة من نقاط هذا العالم الفسیح لیریهم الآیات فی الآفاق وفی أنفسهم واحدة تلو الاُخرى فتارة یقول : ( وَفِى الاَرْضِ آیَاتٌ لِّلمِوقِنِینَ * وَفِى اَنْفُسِکُمْ اَفَلاَ تُبْصِرُونَ ). (الذاریات / 20 ـ 21 )

ثم بالبراهین المفصلة على عظمة الله تعالى وقدرته وحکمته فی السماءوالنجوم والأرض ، والنباتات والطیور ، واللیل والنهار ، والهواء والمطر .... فیستأنس الإنسان عند البحث فیها وتأخذه حالة سرور غامر(1) .

ونجده یبدی رأیه أیضاً حینما یشرع فی بحث الصفات الإلهیّة وهو من أعقد الأبحاث العقائدیة وواحد من أهم المنزلقات الفکریة المحیرة لکثیر من العلماء ; ففی أحد المواضع یکرم الله تعالى وینزهه من أی نوع من الصفات الممکنة المحدودة الناقصة ، فیقول فی جملة مختصرة : ( لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَىءٌ ). (الشورى / 11)

وعلى هذا الأساس ینفی عنه جمیع الأوصاف الممکنة ، ویثبت له الصفات الجمالیة والکمالیة المنقطعة النظیر .

ویتوسع فی کلامه أحیاناً فیقول : ( هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ اِلهَ اِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغَیْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَـنُ الرَّحِیْمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِى لاَ اِلهَ اَلاَّ هُوَ المَلِکُ القُدُّوسُ السَّلاَمُ المُؤْمِنُ المُهَیْمِنُ العَزِیزُ الجَبَّارُ المُتَکَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا یُشْرِکُونَ * هُوَ اللَّهُ الخَالِقُ البَارِىءُ المُصَوِّرُ لَهُ الاَسْمَاءُ الحُسْنَى یُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السَّمــواتِ وَالاَرْضِ وَهُوَ العَزِیزُ الحَکِیمُ ). (الحشر / 22 ـ 24 )

وفی الواقع أننا لو عقدنا مقارنة بین الوصف الذی رسمه القرآن فی عدّة آیات عن خالق الکون وبین الرؤیة التی یمتلکها المشرکون والانطباعات السائدة فی بیئة ظهور القرآن عن الله تعالى ، لما أمکن تصور أن هذا البیان الساطع الفرید من نوعه هو ولید تلک البیئة الخرافیة المظلمة اطلاق .

ویصف فی موضع آخر العلم اللامحدود لله تعالى بهذا الرسم الذی یفوق حد التصور ( وَلَوْ اَنَّمَا فِى الاَرْضِ مِن شَجَرَة اَقْلامٌ وَالبَحْرُ یَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ اَبْحُر مَّا نَفِدَتْ کَلِمَاتُ اللَّهِ ). (لقمان / 27 )

فی واقع الأمر أنّ هذه الصورة تتضمن الإشارة إلى حالة غیر متناهیة إلاّ أنّها صورة حیة ، لأنّ العدد اللامتناهی قد یستفاد منه بشکل جامد فی الریاضیات والتوضیحات الفلسفیة ، وقد یستفاد منه وهو ینبض بالحیاة على شاکلة الصورة التی وردت فی هذه الآیة بحیث ترتقی بفکر الإنسان ، إلى ذرى اللانهایة .

ونحن عندما نستطیع أن نقف على عمق المعارف الإسلامیة فیما یخص أدق المسائل التوحیدیة والأسماء والصفات الإلهیّة نکون قد بحثنا دورة لکل القرآن المجید بهذا الصدد(2) .

وحینما یضع القرآن اللبنات الاُولى لمسألة المعاد والحیاة بعد الموت نجده تارة یفند جمیع المزاعم والافتراضات الخاطئة للمناوئین فی جملة مختصرة ویقول : ( کَمَا بَدَأَکُمْ تَعُودُونَ ). (الأعراف / 29)

وتارة یقول فی تبیان أوسع : ( اَوَلَیْسَ الَّذِى خَلَقَ السَّمــواتِ وَالاَرْضَ بِقَادِر عَلَى أَنْ یَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الخَلاَّقُ العَلیمُ * اِنِّمَا اَمْرُهُ اِذَا اَرَادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ ). (یس / 81 ـ 82)

وتارة اُخرى یجسم لهم مشهد المعاد والبعث فی لوحة حیة بدون أن یکلفوا تفکیرهم عناء الاستدلال : ( یَا اَیُّهَا النَّاسُ اِنْ کُنْتُم فِى رَیْب مِّنَ البَعْثِ فَاِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِّنْ تُراب ثُمَّ مِنْ نُّطْفَة ثُمَّ مِنْ عَلَقَة ثُمَّ مِنْ مُّضْغَة مُّخَلَّقَة وَغَیْرِ مُخَلَّقَة لِنُبَیِّنَ لَکُمْ وَنُقِرُّ فِى الاَرْحَامِ مَا نَشَاءُ اِلَى اَجَل مُّسَمّىً ثُمَّ نُخْرِجُکُم طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا اَشُدَّکُمْ وَمِنْکُم مَّنْ یُتَوَفّى وَمِنْکُم مَّنْ یُرَدُّ اِلى اَرْذَلِ العُمُرِ لِکَیْلاَ یَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْم شَیْئاً وَتَرَى الاَرْضَ هَامِدَةً فَاِذَا اَنْزَلْنَا عَلَیْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَاَنْبَتَتْ مِنْ کُلِّ زَوْج بَهِیج * ذَلِکَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ وَاَنَّهُ یُحْىِ المَوْتى وَاَنَّهُ عَلَى کُلِّ شَىء قَدِیرٌ ). (الحج / 5 ـ 6)

وبناء على ذلک یبین القرآن مشهد البعث فی عالم الإنسان وطیّه لمختلف المراحل الجنینیة التی تُعدُّ کل واحدة منها بعثاً عظیم ، وفی عالم النباتات أیضاً نلاحظ مشهد الموت والحیاة وبعثها فی کل شتاء وربیع من کل سنة .

إنّ الآیات التی تطرقت إلى الحیاة بعد الموت والأدلة المختلفة علیها تعرضت إلى المنازل والمشاهد المتعددة للآخرة ، وما یقع هناک من حوادث ، وکیفیة تجسُّم الأعمال والحساب والکتاب والمیزان والشهود فی یوم القیامة ، وتحتوی هذه الآیات على اُمور ومسائل دقیقة ، تجعل الإنسان عند مطالعتها والتأمل فیها فی حالة غامرة من العجب، وبإمکانکم مطالعة نبذة من هذه المسائل بشکل موسع فی المجلد الخامس والسادس من هذا الکتاب .


1. شرحنا هذه الآیات تحت عشرین عنواناً فی ج 2، من هذا التفسیر .
2. یراجع ج 3 من هذا التفسیر ، للحصول على معلومات واسعة ومنظمة بهذا الصدد .

 

مقتطفات من الأمثلة الاعجازیة للقرآن:3 ـ إعجاز القرآن فی تصور العلوم الحدیثة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma