7 ـ الاعجاز القرآنی فی عدم وجود التناقض والاختلاف

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثامن)
9 و 10 ـ أولئک لن یضروکم بشیء خرق العادات والنوامیس الطبیعیة

من الدلائل الاُخرى على اعجاز القرآن الکریم ، وکونه نازلاً من قبل الله تعالى ، هو عدم وجود التناقض والاختلاف فی سائر أنحائه ، فی حین أنّ الصفة الغالبة على الظروف التی نزل فیها القرآن والمبعوث به تدلل على أنّه لو لم یکن صادراً من قبل الله لوقع فیه الاختلاف و التناقض ، بل الاختلافات والتناقضات الکثیرة ، وقد أشار القرآن إلى هذه الحقیقة فی قوله تعالى: (اَفَلاَ یَتَدَبَّروُنَ القُرآنَ وَلَوْ کَانَ مِن عِنْدِ غَیرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِیهِ اِختِلاَفَاً کَثِیر) .(النساء / 82)

ویمکن الوقوف على النکتة الأساسیة لهذه المسألة من خلال تحلیل بسیط ، فنقول : إنّ الحالات الروحیة لأی إنسان فی تغیر مطرد ـ وقانون التکامل یحیط بالإنسان فکراً وروحاً فی حالة وجود ظروف طبیعیة ، وعدم حصول وضع استثنائی فهو یحدث على مرّ الأیّام والشهور والسنین تحولاً مستمراً فی ألسنة البشر وأفکارهم وأحادیثهم ، وإذا ألقینا نظرة فاحصة على تصانیف أحد الکتّاب فسوف لن نجدها على نسق واحد اطلاق ، بل لابدّ من وجود تفاوت فی بدایة الکتاب ونهایته ، خاصة إذا ماکان الإنسان واقفاً أمام موجة من الأحداث الکبیرة والساخنة ، الأحداث التی تضع الحجر الأساس لأحد الانقلابات الفکریة والاجتماعیة والدینیة الشاملة ، فهو مهما سعى وأراد أن یکون کلامه على سیاق ونسق واحد ، ومعطوفاً على سابقة لا یقوى على ذلک وخاصة إذا ما کان اُمیّاً وناشئاً فی محیط متخلف جدّ .

أمّا القرآن فقد نزل على حسب الاحتیاجات والمتطلبات التربویة للمجتمع فی ظروف وملابسات مختلفة تماماً طیلة 23 عام ، فهو الکتاب الذی تحدث عن مواضیع متنوعة ، وهو لیس کسائر الکتب التی تواکب أحد البحوث الاجتماعیة أو السیاسیة أو الفلسفیة أو الحقوقیة أو التاریخیة فحسب ، بل أحیاناً یتحدث عن التوحید وأسرار الخلقة ، وأحیاناً عن الأحکام والقوانین ، والآداب والسنن ، وتارة یتحدث عن الاُمم السابقة وقصصهم المثیرة ، وتارة اُخرى عن المواعظ والنصائح ، والعبادات ، والعلاقة القائمة بین الله تعالى وعباده ، وعلى ضوء قول الدکتور «غوستاولبون» : إنّ الکتاب السماوی للمسلمین ـ وهو القرآن ـ لا یقتصر على التعالیم والدساتیر الدینیة فحسب ، بل تندرج فیه الدساتیر الاجتماعیة والسیاسیة للمسلمین أیض .

إنَّ مثل هذا الکتاب المشتمل على هذه الخصوصیات لا یمکن أن یخلو من التضاد والتناقض واختلاف الأقوال الکثیرة عادة ، لکن عندما نرى الانسجام القائم بین آیاته کله ، وخلوها من کل ألوان التضاد والاختلاف والتهافت یمکننا حینئذ الحدس بأنّ هذا الکتاب لیس ولید أفکار الناس ، بل هو صادر من قبل الباری تعالى ، کما بیّن القرآن نفسه هذه الحقیقة فی الآیة السابقة .

وبعبارة اُخرى ـ إنّ کافة الموجودات المادیة ـ ومن ضمنها الإنسان الذی له صبغة مادیة بأحد اللحاظات ـ فی تغّیر وتحول دائم ومطرد وتنقل هذا التغیّر إلى الموجودات الدائرة حوله ، إنّ قابلیة التأثر والتأثیر جزء لا یتجزأ من طبیعة الإنسان ، وطبیعة أی موجود مادی آخر ، ولهذا السبب تتبدل أفکار الإنسان وآراؤه مع تقدم الزمن ، علاوة على أنّ ازدیاد تجارب الإنسان ورقی مستوى إبداعه فی المسائل المختلفة یساهم فی تصعید هذا التغیر ، وهذه هی التی تؤدّی حتما إلى التغیر والتضاد واللاإنسجام فی المذکرات التی تعود إلى سنین متمادیة لأحد الأشخاص فیما لو جمعت ونسقت بعد ذلک ، والله القادر المتعال وحده هو الذی یکون بمعزل عن هذه التغیرات وقابلیة التأثر والتأثیر، فلیس فی کلماته تضاد أبداً وهذه هی إحدى الطرق فی معرفة کلام الحق وتمییزه عن کلام غیره ، حتى أنّ البعض من المفسرین صرحوا بأنّه لایقتصر الأمر على عدم وجود التضاد فی القرآن فحسب ، بل یتعداه إلى عدم وجود التفاوت والاختلاف فی درجة فصاحته وبلاغته أیض ، ومن الصحیح القول بأنا نجد بعض الآیات القرآنیة أبلغ من بعضها الآخر ، وعلى حد قول الشاعر : متى کانت «تبت یدا» بمنزلة «یاأرض ابلعی» ولکن هذا یتأتى عند اختلاف المقامات أی أنّ کل واحدة منها تعتبر من أفضل التعابیر وانسبها فی مقامها الخاص به ، ومن هذه الجهة لا یوجد تفاوت واختلاف .

سؤال :

وهناک سؤال لابدّ من طرحه وهو : إذا لم یکن هناک تضاد واختلاف فی القرآن الکریم فما هو السبب من وجود آیات ناسخة وآیات منسوخة ؟

الجواب :

سبق وأن قلنا فی بحث الناسخ والمنسوخ فی القرآن : إنّ الآیات المنسوخة تشتمل على قرائن تدل على أنّ أمدها المضمونی قصیر وسینتهی فی یوم من الأیّام ، بمعنى وجود دواعی النسخ فی مضمونه ، وبناء على هذه النکتة فلیست لا تضاد فیها فحسب ، بل علاوة على ذلک ـ یوجد فیها نوع من التناسب والتوافق بینه .

وعلى سبیل المثال لو أردنا أن نعد برنامجاً دراسیاً لمقاطع زمنیة مختلفة حتى نساعد الأفراد الدارسین فی دائرة التعلیم والتربیة على تخطی المراحل المختلفة ، والوصول بهم إلى المرحلة النهائیة ، فإنّ التغیرات الطارئة على البرامج فی فترات مختلفة لا تعد بعنوان تضاد وتناقض وذلک لوجود قرائن فی متن هذه البرامج ، بل على العکس هناک نوع من التوافق والانسجام بینه .

وممّا قلناه آنفاً اتضح الجواب عن سؤال مشابه أیضاً یطرح فی مورد آیات «العام والخاص» أو «المطلق والمقید» ذلک أنّ الجمع بین العام والخاص عن طریق التخصیص ، وکذلک الجمع بین المطلق والمقید هو جمع عرفی متعارف ، ولا یعد تناقضاً بأی شکل من الاشکال .

فمثلاً لو أعلنت الحکومة عن موافقتها على حریة التصدیر بشکل مطلق ، ثم قررت وضع استثناءات معینة بعد ذلک، فإنّ وجود هذه الاستثناءات لیس دلیلاً على التضاد ، وبالأخص إذا ما تجسد هذا العمل على شکل سُنّة وخطّة معینة بحیث یقال له : حکم عام ، ثم یقومون بتقییده وتخصیصه بعد ذلک ، علاوة على أنّه لا یوجد حکم بدون استثناء عادة .

إلى هنا نصل إلى نهایة البحث فی الاعجاز القرآنی والصور المختلفة للاعجاز .

9 و 10 ـ أولئک لن یضروکم بشیء خرق العادات والنوامیس الطبیعیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma