نقرأ فی قوله عزّ من قائل : (وَمِن کُلِّ شَىء خَلَقْنَا زَوْجَیْنِ لَعَلَّکُم تَذَکَّروُنَ) .
(الذاریات / 49)ویقول تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِى خَلَقَ الاَزْوَاجَ کُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الاَرضُ وَمِن اَنفُسِهِم وَمِمَّا لاَ یَعْلَمُونَ) . (یس / 36)فهذه الآیة تبین ـ بوضوح أکثر ـ شمولیة عنصر الزوجیة للنباتات والبشر والأشیاء الخارجة عن حدود العلم البشری ، ونظراً لأنّ کثیراً من المفسرین لم یجدوا هنا مفهوماً للزوجیة بالمعنى الحقیقی (أی عنصری الذکر والاُنثى) ، فقد عمدوا إلى تفسیرها بالأصناف المختلفة للموجودات فی العالم التی تبدو على شکل زوج زوج مثل: النهار واللیل ، النور والظلمة ، البحر والبر ، الشمس والقمر وغیره .لکننا نجد تفسیراً أدق لهاتین الآیتین فی وقتنا الحاضر ، حیث إنّ التحقیقات العلمیة أثبتت هذه الحقیقة بوضوح وهی أنّ جمیع الموجودات لعالم المادة تتشکل من أجزاء صغیرة جدّاً تدعى بالذرة ، وهذه الأجزاء التی عرفت قدیماً بالموجود الذی لا یتجزء (أجزاء لا تتجزأ) وسمی بـ «الذرة» لهذا السبب قد تحطم على أثر تطور القدرة العلمیة والفکریة للإنسان ، ومن هذا المنطلق نشأت القوة الذریة والصناعات المتعلقة به .وعندما حلّلوا الذرة وجدوا أنّها مرکبة من أجزاء متکونة غالباً من الألکترونات (الجزئیات التی تغلف النواة ، وتحمل شحنة سالبة) ، البروتونات (الجزئیات التی تحمل شحنة موجبة) .وعلى هذا الأساس نستنتج من ذلک معنى أدق للزوجیة فی کل ذرات عالم الوجود وهو توفر عنصری (الذکر) و(الاُنثى) ، (الموجب) و(السالب) ، (الفاعل) و(القابل) وبدون أی استثناء أیض ، فی حین أنّ التفسیر الذی قال به العلماء الأوائل بالرغم من عدم انسجامه الکامل مع مفهوم الزوجیة ، فإنّ فیه استثناءات کثیرة أیض .وعلى أی حال ، توجد هناک جاذبیة قویة بین الزوجین الحقیقیین ، وکذلک بین جسمین بشحنتین کهربائیتین مختلفتین سالبة وموجبة ، وهی کثیراً ما تشابه الجاذبیة الجنسیة ، فی حین لا یوجد أی نوع من أنواع الجاذبیة بین اللیل والنهار ، النور والظلمة ، البحر والبر ، وما شابه ذلک .ومن الجدیر بالذکر ماصرح به بعض المفسرین القدامى من خلال ما استلهموه من الآیات السالفة ، بأنّ المقصود من الزوجین فی هذه الآیات هو عنصری الذکر والانثى نفسیهم ، وإن لم یوضحوا هذا المطلب بصورة کاملة(1) .