الدلیل الثالث، وهو من الأدلة التی یمکن إقامتها لتصدیق أقوال نبیّ الإسلام (صلى الله علیه وآله) هی البشارات والإشارات التی جاءت فی (الکتب السماویة السابقة) ، وبالرغم من أنّ الکثیر من هذه البشارات قد غطتها سحب من التعصب وتم حذفها أو تغییرها وتزویرها من کثرة التحریفات التی جرت على الکتب السماویة السابقة ، ولکن لازالت إشارات کثیرة عن هذا الموضوع تبدو للناظر فی نفس کتب الدیانات الاُخرى الموجودة بین أیدینا الیوم .
وتشیر القرائن إلى أنّ هذه الإشارات والدلالات کانت فی متناول الید فی بدایة ظهور الإسلام أکثر من الوقت الحاضر بالشکل الذی کان القرآن الکریم یستند إلیها مکرراً ویدعو (الیهود) و(النصارى) للتدقیق فیه ، وبلا شک إذا لم یکن ذلک موجود ، فلا یمکن للقرآن أن یعتمد على تلک الإشارات بهذه الصراحة .
وهناک نقطة تثیر الانتباه ، فکما صرحت الکثیر من کتب التاریخ أنّ مجیء مجموعة من الیهود إلى أرض المدینة کان بدافع البشارات التی قرأوها فی کتبهم عن ظهور نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) ، وأنّ الشوق وتمنی إدراک زمان ظهوره هو الذی أجبرهم على ترک دیارهم والجلاء عن أوطانهم وسکنوا المدینة ، وإلاّ فإنّ بیئة الحجاز عموماً والمدینة خاصةً لیس فیها مایجذب للحیاة المادیة من قبیل التجارة أو الزراعة أو تربیة المواشی حتى یختاروها وطنا لهم .
کانوا یعتبرون أنفسهم أکثر أهلیة من الآخرین فی قبول الدین الذی کانوا ینتظرونه ، ولکن بعد ظهور الإسلام وتعرض مصالحهم غیر المشروعة للخطر . غیّر قسمٌ منهم شکل القضیة ، وهبوا فی النهایة لمواجهة النبی (صلى الله علیه وآله) ، ولا مجال للتعجب والاستغراب هنا لأننا نشاهد مثل هذا فی علاقات الکثیر من الأصدقاء والروابط الودیة لمجموعة من المتحابین .
بهذه الإشارة نعود إلى القرآن الکریم ، ونتابع الآیات التی تشیر إلى هذا المعنى ، وتوبخ الیهود والنصارى بسبب عدم توجههم له :
1 ـ (الَّذِینَ آتَیَنَاهُمُ الکِتَابَ یَعرِفُونَهُ کَمَا یَعرِفُونَ اَبنَاءَهُمْ) . (البقرة/146) (الأنعام/20)
2 ـ (الَّذِینَ یَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الاُِمىَّ الَّذِى یَجِدُونَهُ مَکتُوبًا عِندَهُم فِى التَّورَاةِ وَالإَِنِجِیلِ). (الأعراف / 157)
3 ـ (وَاِذْ قَالَ عِیسَى ابنُ مَریَمَ یَابَنى اِسرَائِیلَ اِنِّى رَسُولُ اللَّهِ اِلَیکُم مُّصَدِّقاً لِمَا بَینَ یَدَیَّ مِنَ التَّورَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُول یَأْتِى مِنْ بَعدِى اسمُهُ اَحمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُم بِالبَیَّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِینٌ) . (الصف / 6)
4 ـ (وَلَمَّا جَاءَهُم کِتَابٌ مِّنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُم وَکَانُوا مِن قَبْلُ یَستَفتِحُونَ عَلَى الَّذِینَ کَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّاعَرَفُوا کَفَرُوا بِهِ فَلَعَنةُ اللهِ عَلَى الکَافِرِینَ). (البقرة/ 89)
5 ـ (وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلتُ مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَکُم وَلاَ تَکُونُوا أَوَّلَ کَافِر بِهِ وَلاَ تَشتَرُوا بِآیَاتِى ثَمَناً قَلِیلاً وَاِیَّاىَ فَاتَّقُونِ * وَلاَتَلبِسُوا الحَقَّ بِالبَاطِلِ وَتَکتُمُوا الحَقَّ وَأَنتُم تَعلَمُونَ).(البقرة / 41 ـ 42)
