ب) الذین لجأوا إلى المعارضة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثامن)
10 ـ تأثیر القرآن فی اوساط العلماء الاجانبصور اعجاز القرآن

ذکرنا فیما سبق إنّ المعجزة تمثل تحدیاً ودعوة للآخرین بالمواجهة، فیعجز الجمیع عن الإتیان بمثلها، وهنا یتبادر فی الذهن سؤال، وهو: لقد تحدى القرآن البشریة والجنّ وعلى مر التاریخ أنْ لا یستطیعون الإتیان بمثله أبداً، من أین یعلم القرآن بأنّ هذا التحدی سوف یستمر مفعوله على طول التاریخ؟

الجواب واضح ، فهذا الموضوع لیس بمسألة هامشیة حتى یمکن للتاریخ أن ینساه ، بل هی مرتبطة کثیراً بمصیر هذه العقیدة المهمّة ومصیر منافسیها الذین یمتلکون قدرة هائلة ویصرفون سنویاً مبالغ ضخمة فی محاربة الإسلام ومواجهته ولو کان یقع مثل هذا الأمر ، لاتخذوا من ذلک وسیلة اعلامیة وبوقاً دعائیاً واسعاً ومربح .

وعلیه وبناءً على المثل المعروف القائل : «لو کان لبان» لابد أن یبدو للعیان کل مظهر من مظاهر المعارضة والمواجهة فی هذا المجال ، ولهذا السبب کانت ترد بعض الاتهامات على عدة من الأفراد الذین قد لا یفکرون فی معارضة القرآن اطلاقاً واتُخِذَ من ذلک وسیلة دعائیة ، وهذا یدل بوضوح على الاصرار الکبیر على هذه المسألة من قبل المناوئین ولهذا الأمر کانوا یتشبثون بکل الوسائل الممکنة فی سبیل الوصول إلى مقاصدهم الدنیئة .

1 ـ الشخص الوحید الذی سجله التاریخ هو (مُسَیلَمة) المشهور (بالکذاب) الذی قام بادّعاء النبوة فی عصر النبی (صلى الله علیه وآله) وعلى أرض (الیمامة) من منطقة شرق الحجاز .

کان اسمه الحقیقی (مسیلمة بن حبیب) وأظهر دعوته فی آواخر حیاة النبی الأکرم (صلى الله علیه وآله)(فی السنة العاشرة للهجرة) وکان یبذل ما وسعه من أجل أن یقلد رسول الله (صلى الله علیه وآله) فی کل شیء .

ویدعی أنّ ملکاً ینزل علیه اسمه (رحمان) ویأتیه بآیات تشابه آیات القرآن .

وقیل : إنّه طلب من النبی أن یشارکه فی النبوة ویوصی بأنّ یقوم مقامه بعد وفاته (صلى الله علیه وآله)حتى یکف عن المخالفة والعداء .

ونستشف من الکثیر من القرائن والامارات أنّ أیادی العصبیه القبلیة کانت وراء مسیلمة وتؤیده على هذا العمل وتؤازره .

وکان أهل الیمامة یتخذون هذه الوسیلة للقضاء على سیادة قریش وحاکمیة أهل مکة والمدینة التی تحققت تحت ظل مقام نبوة نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) .

ولهذا السبب کانوا یبحثون عن رجل یثیر الشغب ویطلب الرئاسة والمال ، فوجدوا هذه الصفات عند مسیلمة .

إلاّ أنّ الحدیث الذی ینقل عنه بعنوان المعارضة للقرآن یدل بوضوح فضلاً عن کل ما مرّ ـ على أنّه رجل سخیف ، یعتمد السجع فی الکلمات من دون أن یهتم بمحتوى کلامه .

من جملة عباراته المضحکة التی نقلت عنه فی هذا المجال کتقلید للقرآن ، هی هذه الکلمات :

«والمبذرات بذر ، والحاصدات حصد ، والذاریات قمح ، والطاحنات طحن ، والعاجنات عجن ، والخابزات خبز ، والثاردات ثرد ، واللاقمات لقم ، إهالة وسمناً»(1) .

یبدو أنّه یرید من وراء هذه الجمل المضحکة أن یتحدى آیات سورة العادیات أو الذاریات .

یقول القرآن : (وَالعَادِیَاتِ ضَبحَ * فَالمُورَیاتِ قَدحَ * فَالمُغِیَراتِ صُبحَ * فَأَثَرنَ بِهِ نَقعَ * فَوَسَطنَ بِهِ جَمعَ * اِنَّ الاِنَسانَ لِرَبّهِ لَکَنُودٌ ...) انظر إلى هذا التفاوت البعید .

ینقل عنه فی عبارة اُخرى أنّه نزلت علیه هذه الآیات «یا ضفدعة بنت ضفدعین نقی ماتنقین أعلاکِ فی الماء وأسفلک فی الطین لا الماء تکدرین ولا الشارب تمنعین»(2) .

وسائر الأحادیث أو بحسب زعمه الآیات الاُخرى التی نقلت عنه هی على هذه الشاکلة أیض ، بل إنّ بعضها أسوء حال ، وبعضها رکیک ، فالإعراض عن ذکرها أولى .

ویستفاد بوضوح من عباراته التی نقلت عنه أنه یولی السجع أهمیّة کبیرة ویرى ذلک کافی ، بالضبط على غرار الأشعار التی تنظم فی زماننا للاطفال وهی مطالب خاویة لا قیمة لها تصب من دون معنى مترابط فی قوالب شعریة ، ویکتفون بقافیتها فقط .

یذکر المؤرخون : أنّه کان فی عصره امرأة معروفة بالکذب اسمها (سَجاح) على وزن حَباح) ، وکانت العرب تقول: «فلان أکذب من سجاح» نظراً لما اشتهر عنها بالکذب . وهی من بنی تمیم ، وکانت تدعی النبوة ونزول الوحی علیها أیضاً وتبعها ثلة من الناس ، وأخذت هی الاُخرى تنشىء الفاظ السجع کمسیلمة .

یقال : اِنَّ أتباع هذین الشخصین المتجاورین استعد کل منهما للحرب مع الآخر ، إلاّ أنّ مسیلمة توسل بأسلوب الحیلة والمکر واختلى بسَجاح ، وقال له : هل ترغبین بالزواج منی ، فتتحد قبیلتی مع قبیلتک ونحمل حملة رجل واحد على العرب ، فرضیت بذلک ، ومکثت معه ثلاثة أیّام ولما رجعت سألها أفراد قبیلتها عن مهر هذا الزواج ، فجاءت إلى مسیلمة وطالبته بالمهر ، فأمر مسیلمة أحد الأشخاص بالنداء بین القبیلتین : إنّ مهر سجاح هو رفع وحذف صلاتی الصبح والعشاء اللتین وردتا فی شریعة محمد .

وعندما قُتل مسیلمة فی حرب الیمامة بعد رحلة نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) على ید قاتل حمزة المعروف (وحشی) أظهرت هذه المرأة الإسلام(3) .

ولقد اشتهر هذان الشخصان بالکذب إلى درجة بحیث قال أحد الشعراء فی حقهم :

والت سَجاح ووالاها مسیلمةٌ *** کذابةٌ من بنی الدنیا وکذّابُ

2 ـ ومن ضمن الأفراد الذین قاموا بمعارضة القرآن فی آواخر حیاة النبی هو (الأسود العنسی) وکان هو الآخر یکتفی بتلفیق الکلمات فی معارضة القرآن وإن کانت فارغة من المحتوى ، وادّعى النبوة فی أیّام حجة الوداع (فی آواخر حیاة النبی) ولم تستغرق مدّة ادّعائه للنبوة أکثر من أربعة أشهر .

وقد فرض سیطرته على بلاد (البحرین) و(نجران) وقسم من بلاد (الیمن) وسواحل (الخلیج الفارسی) وغیرها ومن ثمَّ قتل فی الیمن على ید «فیروز» الایرانی مستعیناً بزوجته ، ووصلت أنباء قتله إلى المدینة فی حیاة رسول الله (صلى الله علیه وآله) (4) .

ویقال : إنّه کان یعیش فی الأماکن المنحطة فکریاً وخلقی ، ولهذا السبب تبعه مجموعة من شذاذ الآفاق ، وکان یراهن على السجع فی کلماته لمعارضة القرآن ، کما نقل عن مسیلمة ذلک آنف . إلاّ أنّ اتباعه سرعان ما اطلعوا على فساد عقیدته وابتعدوا عنه .

3 ـ وردت بعض الاتهامات المفتعلة أیضاً إلى عدد من الشخصیات بمعارضة القرآن وإن لم یثبت تاریخی ، وقد یکون السبب وراء تلک الاتهامات أنَّ مجموعة من الجهال فسرت قسماً من المقاطع المسجعة لبعض الادباء العرب على انّها تحد للقرآن الکریم ، أو أنّ الأعداء المحتالین أرادوا أنْ یستغلوا هذا الاحتمال .

ومن جملتهم : (عبد الله بن المقفع) وهو من الکتاب والادباء المعروفین فی القرن الثانی للهجرة عاصر الإمام الصادق (علیه السلام) ویُقال عنه نّه کان فی بدایة الأمر مسیحیاً ثم أسلم بعد ذلک ، وکان یمتلک الاحاطة الکاملة باللغة الفارسیة ، وترجم إلى العربیة بعض الکتب من جملتها کتاب (کلیلة ودمنة) وقد أظهر الإسلام بوضوح فی المقدمة التی کتبها لهذا الکتاب . ولکن یقال : نّه سُمع منه أحیاناً بعض الکلمات الجارحة .

ومن ثَمَّ سلَّموه إلى أمیر البصرة (سفیان بن معاویة المُهلبی) فقتله بسبب بعض الاختلافات الجانبیة بینهما ظاهر .

ویقالُ : نّه لما أراد سفیان أن یلقیه فی التنور قال له : أقتلک ولا شیء علیّ لأنّک زندیق قد أفسدت عقائد الناس . وعلى أی حال فإنّ عقائده لیست واضحة لنا بدقة ، ولکن المسلّم به هو أنّه لم یدعُ إلى معارضة القرآن ، وإن کان بعضهم یرى أنّ کتابه المعروف (بالدرة الیتیمة) دُوِّنَ لهذا الغرض ، ومن حسن الحظ أنّ کتابه هذا بین أیدینا وقد طبع عدّة مرات . ولم نرَّ فیه أیّة إشارة لمسألة المعارضة للقرآن ، ولا یعلم ما هو السبب وراء هذه النسبة له ولکتابه .

وعلى أیّة حال لا توجد هناک وثیقة تاریخیة تدل على معارضته للقرآن ، وکتابه المذکور وإن دوّن بصورة أدبیة إلاّ أنّه لا یوجد فیه شیء یدل على (تحدیه) للقرآن .

4 ـ من ضمن الأشخاص الذین نسبت إلیهم هذه التهمة أیض : (أبو العلاء المعری) وهو من الکتاب والشعراء المعروفین فی القرن الخامس للهجرة ، وکان رجلاً ملحد ، نقل عنه کلام جارح ، بحیث لایمکن القیاس بینه وبین (عبد الله بن المقفع) ، إلاّ أنّه وعلى أی حال ـ لا یوجد بین أیدینا سند تاریخی یدل على توجهه إلى تحدی القرآن ; ولعل توجیه مثل هذه النسبة إلیه یعزى إلى اتهامه بالإلحاد وعدم التدین من جهة ، وإلى کونه أدیباً وشاعراً وکاتباً من جهة اُخرى ; یشهد على ذلک استخفافه بالعبارات المسجعة المذکورة فی کتاب (التاج) لابن الراوندی ، إذ یقول بصراحة فی (رسالة الغفران) التی کتبها رد ، على کتاب (التاج) : بان قوافی وسجعیات ابن الراوندی لاتعدو أن تکون نظیر ما یقوله الکهنة نحو : اُف وتُف وجَورَب وخُف(5) .

وعلى هذا الأساس ، یرى هو الآخر أن حَبکَ العبارات المسجوعة من دون مضمون لیس لها أیة قیمة وأهمیّة .

ومن الجدیر بالذکر ، أنّه یمتلک مقالة جیدة بصدد القرآن فی رسالة الغفران نفسها تدل على اعترافه بعظمة القرآن وشموخ معانیه (وإن کان لا یعتبره وحیاً سماویاً) فهو یقول بصراحة : عندما تأتی آیة واحدة من القرآن فی حدیث ما فهی کنجم مضیء یتلألأ فی لیل بهیم .

5 ـ (أحمد بن الحسین الکوفی) الشاعر المعروف بالمتنبی الذی یظهر من اسمه أنّه کان ادّعى النبوّة ، وقد کان من اُدباء القرن الرابع للهجرة ، وهو على جانب کبیر من الذوق الشعری ، فی بدایة الأمر اعتنق الإسلام لکنه ادّعى النبوّة بعد ذلک کما قیل ، ومن الجدیر بالذکر أن دعواه هذه کانت فی السنة السابعة عشرة من عمره .

جاء فی حاشیة کتاب (اعجاز القرآن) للرافعی : أنّه ادّعى النبوّة فی سنة 320 ه . وتبعه جمع من (بنی کلب) ، ومن ثَمّ ألقاه والی حمص فی السجن وتفرق عنه اتباعه ، فتاب واُفرِج عنه ، ثم أنکر هذا الأمر بعد ذلک ، ومرّت مدّة من الزمن أصبح فیها مقرباً إلى (سیف الدولة) وکلما ذُکِّر فی مجلسه ادّعائه للنبوّة کان ینکر ذلک ; قُتل فی نهایة الأمر على ید (فاتک بن أبی جهل) بسبب وقوع اختلافات بینه وبین اتباع (عضد الدولة الدیلمی) (6).

6 ـ ومن ضمن الأشخاص الذی فکروا فی تحدی القرآن : (أحمد بن یحیى) المعروف بابن الراوندی ، وهو من متکلمی المعتزلة ، لازَمَ الملحدین والمناوئین للاسلام دائماً لأنّهم کانوا یلومونه کثیر ، وکان یقول : أرید أن اُحیط علماً بعقائدهم ; ثم تظاهر بالالحاد بعد ذلک ودخل فی منازعات مع الناس ، یقال : إنّ أباه کان یهودیاً ثم أسلم ، لذا قال بعض الیهود لبعض المسلمین : إنّ ابن الراوندی سیضیع کتابکم کما ضیع والده کتاب الیهود .

وکتبوا عنه : أنّه لم یستقر على عقیدة معینة ، إذ کتب للیهود کتاباً فی الرد على الإسلام ، مقابل أربعمائة درهم تحت عنوان (البصیرة) ولما انتهى منه ، انبرى للرد علیه ، وامتنع عن ذلک مقابل استلامه لمائة درهم .

ویقال : إنّه قام بتألیف کتاب ، یتحدى به القرآن اسمه (التاج) إلاّ أنّه لم تقع فی ایدینا نسخة منه إلى وقتنا هذ . وهو الکتاب نفسه الذی یقول عنه (أبو العلاء المعری) : أمّا تاجُهُ فلیس إلاّ نعل ! وهل تاجه إلاّ کما قالت الکهنة : اُف وتُف وجورَب وخُف (7) .

یُستنتج بشکل واضح من کل ما قلناه : نّ أحداً لم یعطِ جواباً لدعوة القرآن إلى المناظرة والتحدی ، على الرغم من توفر الدواعی لهذا الأمر ، ابتداءً من زمن المشرکین العرب وأهل الجاهلیة ، وانتهاءً بهذا الیوم الذی تخصص فیه القوى الاستکباریة رؤوس اموال ضخمة من اجل القضاء على الإسلام والقرآن ، ومن الطبیعی أنه إذا کان باستطاعتهم أن یعبئوا طاقات الاُدباء العرب والعلماء الاجانب للإتیان بما یماثل القرآن لما ادخروا وسعاً فی ذلک .

وما نشاهد فی طول التاریخ من أشخاص کمسیلمة وسجاح مع کل فضائحهما فأنّهم لم یثبتوا قدماً واحداً فی هذا وعندئذ سندرک جیداً عدم إمکانیة هذا الأمر ، وإلاّ لکان ذلک ذریعة کبرى یتوسل بها أعداء الإسلام المعاندون لنشر هذا الأمر فی کل مکان ، وهذا هو معنى الضعف والعجز عن تحدی القرآن .


1. سفینة البحار، مادة (سلم) ; تاریخ ابن الاثیر، ج 2 ، ص 361 ; اعجاز القرآن للرافعی، ص 127 .
2. المصدر السابق ص 128 .
3. دائرة معارف القرن العشرین، فرید وجدی وفق نقل تنزیه التنزیل للمرحوم الشهرستانی ص 176 .
4. دایرة معارف البستانی وفق نقل تنزیه التنزیل للسید هبة الدین الشهرستانی ص 186 .
5. اعجاز القرآن للرافعی، ص 137 .
6. المصدر السابق.
7. اعجاز القرآن ص 133 ـ 137 .

 

10 ـ تأثیر القرآن فی اوساط العلماء الاجانبصور اعجاز القرآن
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma