ینقل المرحوم الطبرسی فی الاحتجاج عن هشام بن الحکم العالم المعروف وأحد تلامذة الإمام الصّادق (علیه السلام) یقول :
اجتمع کل من ( ابن أبی العوجاء ) ، و ( أبی شاکر الدیصانی ) ، و ( عبد الملک البصری ) ، و ( ابن المقفع ) وقد کانوا جمیعاً من الملحدین الذین لا إیمان لهم، اجتمعوا إلى جوار الکعبة واخذوا یسخرون من أعمال الحجاج ویوجهون الطعن إلى القرآن .
قال ابن أبی العوجاء : هَلمُّوا جمیعاً لینقض کل واحد منّا ربعاً من القرآن ونأتی بشیء مثله ، وسیکون موعد لقائنا فی السنة الآتیة فی هذا المکان ، عندما ننقض القرآن بأکمله ، لأن نقض القرآن هو السبب المؤدی إلى إبطال نبوة محمد (صلى الله علیه وآله) وإبطال نبوته هو إبطال للإسلام وإثبات لأحقیة ادّعائنا، فاتفقوا وتفرقوا على ذلک .
وفی السنة المقبلة ، وفی الیوم نفسه اجتمعوا إلى جوار الکعبة وأخذ ابن أبی العوجاء یحدثهم ویقول: منذ الیوم الذی ترکتکم وابتعدت عنکم ، کُنت اُفکر فی هذه الآیة: ( فَلَمَّا اسْتَیْأَسُوا مِنهُ خَلَصُوا نَجِیّاً ). (یوسف / 80)
فوجدتها على جانب کبیر من الفصاحة والغزارة المعنویة بحیث إننی لم أتمکن من أن اُضیف شیئاً إلیه ، إضافة إلى أنّ هذه الآیة شغلت ذهنی عن التفکیر بغیره .
وأمّا عبد الملک فقال : وأنا کذلک کنت اُفکر فی هذه الآیة حینما افترقت عنکم: ( یَاأَیُّهَا النَّاسُ ضُربَ مَثَلٌ فاستَمِعُوا لَهُ إنَّ الَّذِینَ تَدعُونَ مِن دُونِ اللَّه لَنْ یَخلُقُوا ذُباباً وَلَوِ اجتَمَعُوا لَهُ وإِنْ یسَلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَیئاً لاَّ یَستَنقِذُوهُ مِنُه ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالمَطلُوبُ ).(الحج / 73)
وقد وجدت نفسی عاجزاً عن الإتیان بمثله .
وقال أبو شاکر : منذُ ذلک الوقت الذی ابتعدت عنکم کنت افکر فی هذه الآیة : ( لَو کَانَ فَیهِمَا آلهةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا ). (الأنبیاء / 22)
ولم أجد نفسی قادراً على الإتیان بمثله .
وأضاف ابن المقفع فقال : « یاقوم إنّ هذا القرآن لیس من جنس کلام البشر لأننی منذ تلک اللحظة التی افترقت فیها عنکم کنت أتأمل فی هذه الآیة : (وَقِیلَ یَا اَرْضُ ابلَعِى مَآءَکِ وَیَاسَمَـاءُ اَقْلِعِی وَغِیضَ المَاءُ وَقُضِىَ الاَْمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِىِّ وَقَیِلَ بُعداً لِّلقَومِ الظَّالِمِینَ ). (هود/ 44)
ورأیت نفسی عاجزاً عن الإتیان بمثله .
یقول هشام بن الحکم : فی هذه الأثناء مر بالقرب منهم جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام) وتلا هذه الآیة : (قُل لَّئِنِ اجتَمَعَتِ الاَنسُ وَالجنُّ عَلَى اَنْ یَأْتُوا بِمِثلِ هَذَا القُرآنِ لاَ یأْتونَ بِمثْلِهِ وَلَوْ کانَ بَعضُهُمْ لبَعض ظَهیر). (الاسراء/ 88 )
عندئذ أخذ یَنظر کل واحد منهم إلى الآخر ویقول : إذا کان للإسلام حقیقة قائمة بذاته ، ولم یکن یمثل محمد (صلى الله علیه وآله) سوى جعفر بن محمد (علیه السلام) فتالله لا یقع نظرنا علیه فی وقت من الأوقات إلاّ وتستحوذ علینا أُبهته ، وتقشعر أبداننا من هیبته ، قالوا هذا الکلام وتفرقوا معترفین بعجزهم .