بعد هجرة المسلمین من مکة إلى المدینة ظل الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) فی مکة منتظراً أوامر الله تعالى وأحسَّ رؤساء قریش بالخطر الشدید لإسلام أهل المدینة وهجرة مسلمی مکة فقرروا قتل الرسول (صلى الله علیه وآله) فاجتمعوا لذلک وبعد مشاورات طویلة قرروا إشراک القبائل کافة مع قریش فی قتل رسول الله (صلى الله علیه وآله) ، فی ذلک الوقت نفسه أمر الله سبحانه وتعالى رسوله الکریم (صلى الله علیه وآله) بالهجرة (1) .

وفی بدایة شهر ربیع الأول تخلص الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) من محاصرة الأعداء بمعجزة عجیبة وهاجر إلى المدینة فی یوم الاثنین الثانی عشر من شهر ربیع الأول ووصل إلى ( قباء ) (2) وبقی فیها حتى الخمیس وقد بنى هناک مسجداً سُمی ( بمسجد قباء ) وأقام أول صلاة للجمعة وخطبَ فی الناس أول خطبتین للصلاة فی تاریخ الإسلام ، بالقرب من قباء فی ( قبیلة بنی سالم ) .

بعدها دخل المدینة واستقبله أهلها استقبالاً عظیم ، وأول عمل قام به (صلى الله علیه وآله)هو بناء مسجد فیها اعتبره منطلقاً للرسالة وتعالیم الإسلام ، ولتجمع (3) المسلمین ، غیر أنّ الرسول والمسلمین تعرضوا إلى ألوان المؤامرات فاضطر النبی (صلى الله علیه وآله) إلى إشهار السلاح والاستفادة من القوة العظیمة لمسلمی المدینة لإبطال تلک المؤامرات .

وبعد سبعة أشهر من دخولهِ المدینة أرسل الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) أول کتیبة بقیادة عمّه ( الحمزة بن عبد المطلب ) للتعرض لقافلةِ قریش ، ثم جهز سریة اُخرى بقیادة ( سعد بن أبی وقاص ) وارسله إلى (الابواء) ، بعدها غزوة (البواط) التی کان هدفها ضرب قافلة قریش ، ثم غزوة ( العشیرة ) لملاحقة قافلة لقریش أیضاً وفی السنة الثانیة أعدّ سریة ( عبد الله بن جحش ) للتعرض إلى قریش بین مکة والطائف .

وفی السنة نفسها وقعت معرکة بدر الکبرى التی نکست بها رؤوس الشرک والضلالة من قریش وأرسلوا إلى جهنم ووقع کثیر من أهل مکة فی الأسر ، بعد هذا الانتصار ازداد المسلمون قوة وعزیمة وأوقعوا الرُعب فی قلوب اعدائهم ، ثم أعقبتها غزوة (بنی قینقاع) بسبب نقض یهود المدینة عهدهم مع الرسول (صلى الله علیه وآله) ، بعدها (غزوة کدر) ضد بنی سلیم ثم غزوة ( السویق ) ضد هجوم أبی سفیان .

وفی السنة الثالثة للهجرة وقعت حربُ (غطفان) ضد (بنی ثعلبة) الذین أرادوا الهجوم على المسلمین ثم غزوة ( بنی سلیم ) التی قُتل فیها اثنان من شیاطین الکفر هم ( کعب بن أشرف ) و ( أبو رافع ) على أیدی المسلمین ، وبعدها معرکة ( اُحد ) ثم تبعتها غزوة (حمراء الاسد) وقد مُنی المسلمون بالهزیمة فی معرکة أحد لکن ذلک کان باعثاً لهم على التهیؤ للحروب القادمة ولیعلموا أنّ الغفلة والغرور والتعلق بالمادیات هی من أسباب الهزیمة .

وفی السنة الرابعة للهجرة وقعت غزوة (رجیع) ضد قبیلة ( عضل وقارة ) حیث سلَّموا مبلغی الإسلام إلى الأعداء ، بعدها حادثة ( بئر معونة ) فقد دعو ( 70 ) شخصاً لتعلیمهم الإسلام ثم قتلوهم ، وحادثة ( إجلاء بنی النضیر ) إذ صمموا على قتل الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله)وقد أخرجهم من المدینة بأجمعهم .

بعدها وقعت غزوة ( ذات الرقاع ) ضد طائفة ( بنی محارب ) و ( بنی ثعلبة ) من قبیلة (غطفان) .

وفی هذه السنة وقعت ( بدر الثانیة ) التی کان هدفها ملاحقة أبی سفیان . وقد کان لهذه الغزوات أثر بالغٌ فی تقدم وانتشار الإسلام فی الجزیرة العربیة .

وفی السنة الخامسة للهجرة أحسّت قبائل العرب بخطر هذه القوة الجدیدة فقرروا الاتحاد والتنسیق فیما بینهم للقضاء علیها وعدم فسح المجال لها بتأصیل جذورها کقوة ضد الظلم والشرک فی المنطقة فحدثت ( معرکة الأحزاب ) التی انتصر فیها المسلمون ورجع منها المشرکون خائبین مندحرین وأصبحت فکرة القضاء على المسلمین وقلع جذورهم من المحال .

وفی السنة نفسها وقعت غزوة ( بنی قریظة ) وحاصر المسلمون قلعتهم للتخلص من شر الیهود الذین کانوا یحیکون الدسائس ضد المسلمین .

ثم فی السنة السادسة للهجرة وقعت غزوة (ذی قرد) حیث أغار الکفّار على أموال المسلمین وأموال رسول الله (صلى الله علیه وآله) واجتمع کذلک ( بنو المصطلق ) ضد الإسلام ولکنهم اندحروا فی غزوة ( بنی المصطلق )، إنّ هذه الحوادث کلها کانت دلیلاً واضحاً على قدرة وعظمة الإسلام .

1. سیرة ابن هشام، ج 2 ، ص 123 ; والکامل، ج 1 ، ص 515 .
2. سیرة ابن هشام، ج 2 ، ص 138 ; والکامل، ج 2 ، ص 518 ; وتفسیر جامع البیان، ج 2 ، ص 100 .
3. سیرة ابن هشام، ج 2 ، ص 143 ; والکامل، ج 2 ، ص 521 ; وتفسیر جامع البیان، ج 2 ، ص 106 ـ 116 .