وهناک بعض المعاملات التی لا ینبغی للمسلم التورّط فیها، فمثلا لا ینبغی للمسلم أن یدخل فی معاملة أخیه المسلم ویساومه على الثمن، یعنی أن یتدخل فی معاملة بین إثنین ویتنافس فی شراء البضاعة بأعلى ممّا أرادها المشتری الأوّل ما دامت المعاملة لم تزل طیّ التنفیذ، ولم تصبح قطعیّة وجزمیّة بعد.
فمن المؤکد أنّ هذه المسائل الأخلاقیة المذکورة أعلاه فی المعاملات الاقتصادیة، لیس لها محل من الإعراب فی الاقتصاد المادّی إطلاقاً، بل لیس لها معنىً ومفهوم فی هذه المدرسة الأرضیة، ولهذا السبب فانّ المؤمنین والمعتقدین بالقیم السماویّة لا یستطیعون مجارات المادیّین فی اقتصادهم، لأنّه یفتقد الحصیلة الأخلاقیة.
ثمّ إنّ مصلحة المجتمع تتوقف على أن تکون القیم الأخلاقیة ساریة فی تفریعات المسائل الاقتصادیة، وفی امتداداتها الدنیویّة، لأنّها تصبّ فی النهایة فی مصلحة المجتمع بصورة عامّة، وهذا المعنى تجده ملحوظاً ومشهوداً فی الأحادیث الشریفة، مثلا جاء فی الحدیث الشریف عن الإمام علی (علیه السلام) أنّه قال لجابر بن عبدالله الأنصاری:
«یاجابر قوام الدنیا بأربع ... وجواد لا یبخل بمعروفه وفقیر لا یبیع آخرته بدنیاه ... وإذا بخل الغنی بمعروفه باع الفقیر آخرته بدنیاه»(1).
فمن البدیهی أنّ الأثریاء إذا لم یلحظوا القیم الأخلاقیة والدوافع المعنویّة، ولم یهتموا باحتیاج المحتاجین والمعوزین، وإعسار الفقراء والمساکین، فانّ هذا الأمر سوف یؤدّی إلى تشدید العداوة وتوکید الأحقاد، وسوف یتربص البؤساء ومن إشتدّ علیه العوز للانتقام وتلافی سنوات القحط التی مرّوا بها، کما کان هذا هو السبب فی الثورة الشیوعیّة فی روسیا.
ونقرأ فی حدیث آخر «حصّنوا أموالکم بالزکاة»(2)، لأنّه لو لم تدفع الزکاة وتصرف فی مواردها، فانّ نار الفقر سوف تلتهم الفقیر، وتحیل حیاته إلى جحیم، وقد تسری آثارها السلبیّة إلى دینه وإیمانه فیبیعها بدنیاه.
ونخلص من ذلک إلى أنّ القیم الأخلاقیة والمعنویّة مقرونة بالمسائل الاقتصادیة إلى حدٍّ أنّها لا تقبل التفکیک بتاتاً، بخلاف المذاهب الاقتصادیة المادیّة التی لا تتأثر المسائل الاقتصادیة بالمعانی الأخلاقیة والمثل الإنسانیة، ومن هنا یتضح معنى ومغزى تأکید الإسلام على حرمة الرِّبا بتلک العبارات الشدیدة والمذهلة فی الآیات والرّوایات الشریفة، ونعی من ذلک أنّ الإسلام یرید إحاطة المسائل الاقتصادیّة باطار من المعنویّات، وأن یجعلها فی بوتقة العواطف الإنسانیّة والأخلاقیة، فانّ الرِّبا والمعاملات الرّبویّة تهدم اُصول الأخلاق، وتجتث جذور العواطف الإنسانیة، وتعرقل جمیع أعمال الخیر فی البشریّة.