رأینا أنّ البحث فی علل الأحکام من الاُمور المشروعة والمباحة للمکلفین، وبما أننا نعلم أنّ الله تعالى حکیم ولا یقرّ حکماً من الأحکام دون غایة وحکمة، فلیست أحکامه عبثاً، بل أنّ جمیع الشرایع المقدّسة والقوانین السماویّة مرسومة طبقاً لملاکات خاصة ووفقاً للمصالح والمفاسد فی موضوعاتها، إذاً فما الداعی إلى البحث فی علل الأحکام وأن نفهم الحکمة فی کلّ حکم منها؟ ألا یمکن الاکتفاء بهذا المقدار الاجمالی من علمنا بأنّ جمیع الأحکام الشرعیّة لا تخلو من حکمة مقرّرة دون الدخول فی التفاصیل؟
 وفی مقام الجواب على هذا السؤال نقول: إنّ (العلم التفصیلی) بالحکمة والغایة فی علل الأحکام ذو فائدة لا تتحقق بالاقتصار على العلم الاجمالی المشار إلیه، لأنّ الإنسان إذا علم بالمصالح والمنافع الکامنة فی أحد الواجبات، أو أحاط بالمفسدة لحرام من المحرّمات، فسوف یقوى فیه الدافع والباعث بشکل حتمی على أداء ذلک التکلیف، أو ترک ذلک الحرام، کما أنّ المریض الذی اطّلع على خواص الأدویة المعطاة له بشکل تفصیلی، وأدرک بعقله الأضرار والمفاسد المترتبة على المحذورات والممنوعات، فلا ریب أنّ الداعی لتناول تلک الأدویة المرّة واجتناب الأطعمة الضادّة سیضحى أقوى بکثیر، ومن الواضح أنّ أحد الأسباب فی طرح هذه المباحث فی کلمات النبی (صلى الله علیه وآله وسلم) والأئمة المعصومین ـ سلام الله علیهم أجمعین ـ هو هذه المسألة بالذات.
 والنتیجة:
 أوّلا ـ أنّنا یحق لنا البحث عن علل الأحکام واستقصاء الغایة منها.
 وثانیاً ـ أنّ هذا البحث لیس بحثاً علمیاً صرفاً، بل أنّ له فائدة عینیّة وعملیّة لعموم المکلّفین.
 ومع هذه المقدمة القصیرة حول الحکمة من الأحکام الشرعیّة نصل إلى البحث فی (علل تحریم الرِّب).
 ویستفاد من الآیات القرآنیة وروایات المعصومین (علیهم السلام)ومعطیات التحلیل العقلی حول هذا الموضوع، أنّ تحریم هذا العمل الشنیع یتضمن على الإقل خمس نقاط مهمّة تمثّل محاور أساسیّة فی بیان الغرض والحکمة من تحریم الرِّبا.