الدّلیل الأوّل: الآیات القرآنیّة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الربا و البنک الإسلامی
(1) ـ أدلّة حرمة الرِّبا فی الإسلام ـ(2) الرِّبا فی الرّوایات الإسلامیّة

هناک سبع آیات قرآنیّة على الأقل تثبت تحریم الرِّبا:
1 ـ نقرأ فی سورة البقرة الآیة (275):
(الّذِینَ یَأکُلُونَ الرِّبا لا یَقُومُونَ إلاّ کَما یَقُومُ الّذی یَتَخَبَّطُهُ الشَّیطانُ مِنَ المَسِّ ذَلِکَ بِأنَّهُم قالُوا إنَّما البَیْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأحَلَّ اللهُ البَیْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وأمْرُهُ إلى اللهِ وَمَنْ عادَ فَاُولئِکَ أصحَابُ النّارِ هُمْ فِیها خالِدُونَ).
هذه الآیة الکریمة تشبّه فی البدایة حال المرابین یوم القیامة بالمجانین، أو الأشخاص الذین أُصیبوا بالصرع بحیث لا یمتلکون القدرة عند ورودهم عرصات المحشر على إستعادة توازنهم والمحافظة على تعادلهم، فتراهم یترنحون فی مشیتهم کالسکارى، ویتقدمون خطوة ویقعون بعدها، وهکذا.
وهذا التمثیل لحالهم فی عرصات القیامة یحکی عن تجسّم الأعمال فی ذلک الموقف، فالأشخاص الذین یخلّون فی الدنیا بالتوازن الاقتصادی فی المجتمع عن طریق الرِّبا یُبعثون ویُحشرون على هیئة السّکارى والمجانین، فلا تستقیم حرکاتهم ولا تتزن أبدانهم ولا تثبت على الصراط أقدامهم، ممّا یلفت إلیهم أنظار القاصی والدانی من أهل المحشر.
هذا الجزاء الألیم یعتبر أحد الأدلّة على حرمة الرِّبا، ثم یضیف القرآن الکریم: إنّ هذه العقوبة المخزیة نتیجة أنّهم کانوا یقولون: (إنّما البیع مثل الرِّب) فی حین أنّهم یعلمون أنّ الأمر لیس کذلک، لأنّ المعاملات المشروعة تسیر جنباً إلى جنب مع مصلحة المجتمع والإنسان، وإذا عادت بالفائدة والربح على البائع أو المشتری، فانّها تعود کذلک على المجتمع أیضاً، وترفع إحتیاجات أفراده، فی حین أنّ المرابین (کحشرة البعوض) التی تمتص دماء الناس وتعیش على حساب خیرهم وصلاحهم، فالمعاملات الرّبویّة تبعث على تراکم الثروات العظیمة لدى عدّة معدودة دون تقدیم خدمة إلى المجتمع، وبهذا الدّلیل کان البیع حلالا شرعاً والرِّبا حراماً کذلک (وأحلّ الله البیع وحرّم الرِّب).
بعض المفسّرین إحتمل أنّ الجملة الآنفة الذکر من کلام المرابین على سبیل إعتراض، فیکون المراد من هذه الجملة: (أحلّ الله البیع وحرّم الرِّب)إنّ المرابین قالوا: لماذا أحلّ الله البیع وحرّم الرِّبا فی حین أنّهما داخلان تحت مقولة واحدة؟ ولکنّ هذا التفسیر بعید، ولا یتلاءم مع سیاق الآیة الشریفة، وکیف کان، فانّ هذه العبارة دلیل آخر على تحریم الرِّبا.
ثمّ یضیف القرآن الکریم: إنّ کلّ من یسمع هذه الموعظة الإلهیّة وینتهی عن ممارسة الرِّبا ویتوب إلى الله فأنّه غیر محاسب على ما سلف من أعماله (لأنّ القانون لا یرجع فی عملیّة التطبیق إلى الوراء)، وفی نفس الوقت أنّ أمره متروک إلى الله تعالى بأن یشمله بعفوه ورحمته (فمن جاءه موعظة من ربّه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله) وهذه العبارة دلیل ثالث أیضاً على تحریم الرِّبا.
وفی ختام الآیة الشریفة یصرّح القرآن الکریم بأنّ من یستمر بعد هذا البیان الإلهی فی عملیّة الرِّبا فأنّه من أهل النار خالداً فیها: (ومن عاد فاُولئک أصحاب النار هم فیها خالدون) وهذا التعبیر أیضاً دلیل رابع مؤکّد على حرمة الرِّبا،
وعلى هذا الأساس فأنّ الآیة الشریفة هذه مع ما فیها من العبارات المختلفة حرّمت الرِّبا فی أربع أشکال أدبیّة، ولم تبق أدنى شک وتردید لذلک.
سؤال:
وهنا یُطرح سؤال وهو: إنّ الخلود (أی الخلود فی النار) یختصّ بمن یفارق هذه الدنیا عاریاً من الإیمان، أمّا المؤمنون الذین یرتکبون الکبائر من الذنوب فأنّهم غیر مخلّدین فی النار، فعندما یلاقون جزاءهم یوم القیامة، ویذوقون طعم العقوبات الاُخرویّة على تلک الذنوب، ویتخلّصون من أدران الآثام ورسوبات المعاصی تصبح لدیهم اللیاقة والقابلیة على دخول الجنّة، وسوف یشملهم العفو الإلهی ویتخلّصون من العذاب.
إذاً، فلماذا ذکرت الآیة الشریفة الخلود فی النار للمرابین؟
الجواب:
یمکن الإجابة على هذا السؤال بطریقین:
الأوّل: إنّ إثم الرِّبا یکون عظیماً وشدیداً إلى درجة أنّ المرابی یخرج من الدنیا وهو عدیم الإیمان بالله تعالى، ولیس فی قلبه ذرّة من الاعتقاد بالغیب، کما ورد ذلک فی قتل النفس البریئة، فانّ القرآن الکریم أوعد القاتل بالخلود فی جهنّم أیضاً: (وَمَنْ یَقْتُلْ مُؤمِناً مُتَعَمِداً فَجَزاؤُهُ جَهَنّم خالِداً فِیها..)(1).
والآخر: إنّ هذا الخلود لا یعنی الدوام والأبدیّة بالمعنى المتعارف، بل یعنی أنّه یقبع فی النار لمدّة طویلة جدّاً (ویمکن أن یکون المعنى الثانی معنىً مجازیاً وارداً مع قرینة، أو أنّه أحد المعانی الحقیقیّة لمفردة الخلود) وعلى هذا الأساس یبیّن القرآن الکریم إنّ المرابین الذین یغادرون هذه الدنیا فی حال کونهم مؤمنین سیکون جزاءهم عسیراً، وسیمکثون مدة مدیدة فی نار جهنّم.

2 ـ یقول القرآن فی سورة البقرة الآیة (276):
(یَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَیُربِی الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا یُحِبُّ کُلَّ کَفّار أثِیم).
هذه الآیة تؤکد على أنّ الله تعالى یمحق الرِّبا ویمسخ برکته ویبطل نفعه ویساعد المستضعفین والفقراء والمحتاجین وینّمی الإنفاق فی سبیل الله ویزیده ویبارک علیه.
(یمحق) من مادّة (مَحَقَ) بمعنى النقصان أو الهلاک، ولذا یطلق على آخر الشهر (المِحاق)، لأنّ الهلال یکون فی هذا الوقت ضعیفاً جدّاً إلى درجة أنّه یختفی عن الأنظار.
هناک بحث فی أوساط کبار المفسّرین حول هذه الآیة الشریفة بالنسبة إلى المقصود من محق الرِّبا، وهل أنّ المراد به هو فناء العوائد الحاصلة من الرِّبا فی هذه الدنیا، أو أنّه إشارة إلى عدم فائدتها فی الآخرة وإن تمّ إنفاقها فی سبیل الله وصرفت فی موارد الخیرات ظاهراً؟
کلا المعنیین یمکن أن یکون صحیحاً، لأنّ التجربة أثبتت أنّ الأموال الحاصلة من الرِّبا لیس لها ثبات ودوام، ولا برکة فیها، وأنّ مصیر المرابین سوف یکون تعیساً، وعاقبتهم مزریة وسیئة للغایة فی الحیاة الدنیا.
أمّا مصیرهم فی الآخرة فواضح، فعلى فرض أنّ تلک الأموال أنفقت فی سبیل الله فأنّها لا تکون مثمرة، ولا تعود علیهم بالخیر والبرکة فی حیاتهم الاُخرویّة، لأنّ الله تبارک وتعالى لا یتقبّل إلاّ الأموال الطاهرة والحلال، کما بیّنه المبدأ القرآنی (إنّما یَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَقِینَ)(2).
إنّ أدنى معطیات الرِّبا هی أنّه یدفع بصاحبه إلى هوّة الفقر والمسکنة، ویخلخل أواصر الروابط الاجتماعیة، ویقود المجتمع نحو الفساد والانحطاط، لأنّ مردوده التخریبی لا یقتصر على الفرد المرابی فحسب، بل یسری شرره إلى سائر أفراد المجتمع، وسوف یحترق المرابون أنفسهم بنار الفقر التی أوقدوها للآخرین، ویحرقون معهم زبائنهم ومن یتعامل معهم، ومن العسیر فی الواقع العملی أن یعیش أفراد المجتمع المنحط والمتردّی فی أودیة الرذیلة سعداء.
وکیف کان، فانّ صدر الآیة الشریفة هو بمثابة تقریع وتهدید للمرابین، وآخرها ـ یعنی عبارة: (والله لا یحبّ کلّ کفّار أثیم) ـ فیه إشارة واضحة ودلالة بیّنة على حرمة الرِّبا، لأنّ فی هذا المقطع من الآیة الکریمة ینسب القرآن الکریم الکفر للمرابین، وکذلک ینسب إلیهم سمة (الأثیم) التی تؤکد معنى الکفر.
3 و 4 ـ فی الآیات ـ 278 ـ و ـ 279 ـ من سورة البقرة نلاحظ مسألة تحریم الرِّبا بوضوح أشدّ وأکثر، فأوّلا یتوجه القرآن الکریم فی حدیثه إلى جمیع المؤمنین، ویؤکد لهم الأمر الإلهی فی النهی عن الرِّبا:
(یا أیُّها الّذِینَ آمَنُوا اتّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِیَ مِنَ الرِّبا إنْ کُنْتُم مُؤمِنِینَ).
والجدیر بالذکر أنّ الآیة الکریمة تخاطب المؤمنین فی بدایتها، وکذلک فی آخر الآیة تشیر إلى أنّ ترک الرِّبا یعدّ من علائم الإیمان بعد الأمر بجملة (ذرو)، والأمر یدلّ على الوجوب وخاصّة، بعد إلحاقها بعبارة: (إن کنتم مؤمنین).
هذه الآیة نزلت فی وقت کان الرِّبا قد حطّ بجرانه وخیّم بظلامه على الناس فی مکة والمدینة، ولذا جاء أمر القرآن الکریم بشجب القروض الرّبویّة على جمیع الصعد والمراتب، وأمر المسلمین بالتوقف عن الاستمرار فی هذه المعاملات المالیّة.
ثمّ یضیف القرآن الکریم بلحن شدید، وتهدید جدّی: (فان لم تفعلوا ـ أی إن لم تترکوا الرِّبا وتطیعوا الله ورسوله ـ فَأذَنُوا بِحَرب مِنَ اللهِ وَرَسُولُهِ).
قد یظن البعض أنّ مفهوم هذه العبارة أنّکم سوف تعلنون الحرب على الله ورسوله، فی حین أنّ جملة (فأذنو) مع ملاحظة المفهوم اللغوی منها یکون المراد بها أنّ الله ورسوله سوف یعلنون الحرب علیکم، فیکون معناها ومفهومها هو: أنّ الرسول الکریم فی ذلک الزمان سیکون مأموراً باستعمال القوّة العسکریة فی حالة ما إذا لم یکفّ المرابون عن عملهم هذا.
إجمالا، لا نجد تعبیراً فی آیات القرآن الکریم أشدّ من هذا التعبیر بالنسبة إلى أیٍّ من الذنوب والآثام المتصورة، وهذا یشیر إلى شدّة خطر الرِّبا فی المنظور الإسلامی وفداحة ضرره.
وفی نهایة الآیة الشریفة یضیف القرآن الکریم مراعیاً الحق والعدالة بقوله: (وإنْ تُبْتُم فَلَکُم رؤوسُ أموالِکُم لا تَظلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ).
وقد جاء فی شأن نزول الآیات المذکورة أعلاه أنّ خالد بن الولید قال لرسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم): إنّ أبی کان یتعامل مع قبیلة ثقیف بالرِّبا، وقد غادر الدنیا ولم یستوف حقّه منهم، وقد أوصى أن أستلم بقیة الأموال التی فی ذمة قبیلة ثقیف منهم، فهل یجوز لی هذا العمل؟ فنزلت الآیات أعلاه وهی تنهى عن إستلام بقیة الأرباح المستحصلة من الرِّبا فی أیدی الناس، وفی روایة اُخرى أنّ رسول الله (صلى الله علیه وآله وسلم) قال بعد نزول هذه الآیة: (ألا کلُّ ربا من ربا الجاهلیة موضوع، وأوّل ربا أضعه ربا العبّاس بن عبدالمطلب) ـ ومن هنا یُعلم أنّ العباس کان من المرابین فی الجاهلیة.
ونخلص أنّ المعاملات الرّبویّة کانت متفشیّة بین الناس قبل نزول هذه الآیات الکریمة، ثمّ تمّ تحریم الرِّبا بشکل جدّی ومؤکد بعد نزول هذه الآیات، وکذلک تهدید المرابین باستعمال القوّة العسکریة ضدّهم، وأنّه لیس لهم الحق سوى فی إستراجاع رؤوس أموالهم من الناس لا أکثر.
وآخِر ملاحظة حول هذه الآیة الشریفة هی عبارة: (لا تَظلمون ولا تُظلمون)التی تعتبر شعاراً مهماً وقانوناً إسلامیّاً عامّاً، فمع أنّ موردها هو الرِّبا والمرابین، إلاّ أنّ هذا الأصل القرآنی له دلالة على أنّه، لا ینبغی لأحد أن یظلم الآخرین، أو أن یقع مظلوماً من قبلهم.
وبعبارة اُخرى: لا تَظلم، ولا تخضع للظلم، فانّ کِلا الأمرین یعتبر رذیلة وإثم ومخالفة، فلو أنّ المسلمین فی جمیع أقطار العالم التزموا بهذا الشعار المهم فی کلّ بلد إسلامی، وطبّقوه على الصعید الاجتماعی، فسوف لا یقعون فی حبائل وشراک الصهاینة المغرورین، والقساة المعتدین الذین لا یعترفون بشیء من المقدسات، ولا یحترمون شیئاً من القیم ولا یفهمون سوى منطق القوّة، وسوف لا یقعون ضحیّة الاستعمار والدّول الکبرى التی تستأثر بخیراتهم وتنهب ثرواتهم(3).
5 و 6 ـ: (یا أیُّها الّذینَ آمَنُوا لا تَأکُلُوا الرِّبا أضْعَافَاً مُضَاعَفَةً وَاتّقُوا اللهَ لَعَلَّکُم تُفْلِحُونَ، وَاتّقُوا النّارَ الّتی اُعدّتْ لِلکافِرِینَ)(4).
هاتان الآیتان ـ على خلاف الآیات السابقة ـ ناظرتان إلى قسم خاص من الرِّبا، وهو الرِّبا المضاعف، یعنی أنّ الآیة الشریفة حرّمت الرِّبا المضاعف، لا کلّ أقسام الرِّبا، ولا یعنی أنّ بقیّة الأقسام تکون مباحة وجائزة، بل أنّها ساکتة عن بیان حکمها.
وبالنسبة إلى تفسیر الرِّبا على شکل (أضعافاً مضاعفة) هناک بحث بین المفسّرین، وفیه عدّة أقوال:
1 ـ قول المشهور، والذی أخذ به کثیر من المفسّرین، وهو أنّ المدین عند ما لا یستطیع تسدید دینه للمرابی فی الموعد المحدّد، فأنّه یقوم بتأخیر الدَیْن إلى مدّة اُخرى، ولکن مع إضافة قسط من الربح والفائدة على رأس المال فقط، مثلا إذا کان بذمته مائة ألف درهم لمدّة سنة واحدة على أن یسدّد عند تمام السنة مئة وعشرین ألف درهم لصاحب المال، فلو أنّ المدین لم یتمکن من الوفاء بدینه، فأنّ الدائن یقوم بتمدید المدّة إلى سنة اُخرى بعد أن یضیف علیه عشرین ألف درهم آخر کربح لأصل المال، ویشبه إلى حدٍّ کبیر ما تقوم به بعض المؤسسات من إضافة مقدار من المال بعنوان غرامة التأخیر والتی لیست لها مشروعیّة إطلاقاً.
2 ـ التفسیر الأقرب إلى مدلول الآیة الشّریفة، إنّ کل من رأس المال والفائدة المترتبة علیه فی حالة تأخّر التسدید إلى السنة اللاحقة یکونان بمثابة قرض جدید، ویأخذ المرابی أرباح کلا القرضین، فلو لم یستطع المقترض الوفاء بدینه فی المدّة المعلومة مع الربح (أی مئة وعشرین ألف درهم فی المثال المذکور) فأنّ المالک یعطیه فرصة اُخرى لتسدید المئة وعشرین ألف درهم مع فائدتها، فیتضاعف رأس المال والفائدة أیضاً، فیجب على المدین فی السنة القادمة ـ مضافاً إلى تسدید رأس المال المقرّر والربح المذکور فی السنة الاُولى ـ أن یسدد للمرابی أرباح مائة وعشرین درهم لهذه السنة أیضاً.
وهذا الاحتمال یتلاءم أکثر مع عبارة (أضعافاً مضاعفة)، وهذا النوع من الرِّبا أقبح أنواع الرِّبا، لأنّه سوف یؤدی إلى زیادة فقر المدین ـ وتراکم الثروات لدى الأغنیاء المرابین، وتزداد الفاصلة یوماً بعد آخر بینهما ـ وذلک لتراکم الفوائد ومجموع القروض على المدین فی مدّة لیست بالطویلة لتصل إلى أضعاف ما کانت علیه فی السابق، فتکون سبباً فی إنهیار معیشته، وتدمیر حیاته(5).
والذی نقف علیه من التاریخ والرّوایات هو أن هذا النوع من الرّبا، یعنی أکل الرّبا أضعافاً مضاعفة کان متداولاً فی عصر الجاهلیة.
3 ـ الاحتمال الثالث فی عبارة (أضعافاً مضاعفة) أن تکون قیداً توضیحیّاً للمراد، لأنّ جمیع أنواع الرِّبا تشمل على هذا القید، فکلّ ربا یستلزم تضاعف وتراکم الأموال أضعافاً مضاعفة وإن کان على شکل إقراض أشخاص متعدّدین واحداً بعد الآخر بصورة متتالیة.
والنتیجة، أنّه إذا کان الاحتمال الأوّل أو الثانی صحیحاً، فأنّ الآیة الشریفة تدلّ على حرمة نوع خاص من الرِّبا، ولیس لها نظر للأنواع الاُخرى، ولکن على الاحتمال الثالث فأنّ الآیة الشریفة مطلقة وتشمل جمیع أفراد وأنواع الرِّبا، وعلى کل حال فهذه الآیة الشریفة تدلّ على حرمة الرِّبا، لأنّ النهی ظاهر فی الحرمة، خاصةً وأنّ ذیل الآیة الشریفة فیه تصریح على إطلاق سمة الکفر على المرابین(6).

7 ـ یقول تعالى فی سورة النساء:
(فَبِظُلْم مِنَ الّذِینَ هادُوا حَرّمْنا عَلِیْهِم طیّبات اُحِلّتْ لَهُم وَبِصدّهِم عَنْ سَبَیلِ اللهِ کَثِیراً وَأخْذِهمُ الرِّبا وَقَدَ نُهُوا عَنْهُ وَأکْلِهِم أمْوالَ النّاسِ بِالباطِلِ وِأعْتَدنا لِلکافِرِینَ مِنْهُم عَذاباً ألَیمَ)(7).
ونفهم من هذه الآیة الشریفة أنّ الیهود کانوا یرتکبون أربعة أنواع من الأعمال الذمیمة والمنکرة والتی أدّت إلى تحریم بعض الطیبات علیهم، وهی(8):
1 ـ الظلم والعدوان على أنفسهم والآخرین.
2 ـ إنّهم یمنعون الخیر والمعروف کثیراً.
3 ـ التعامل الربوی.
4 ـ الکسب الغیر المشروع، مثل التطفیف بالمیزان، والغش والغبن فی المعاملة، وبیع الخمر، والقمار، وأمثال ذلک، فقد ورد التعبیر عن جمیع هذه المفردات، بأکل المال بالباطل.
فهذه الآیة الشریفة تدلّ أیضاً على أنّ الرِّبا کان حراماً على الیهود، والجدیر بالذکر أنّه على الرغم من التحریف الکثیر الذی طرأ على التوراة، فأنّ تحریم الرِّبا لا یزال مذکوراً فیها فی موضعین، 1 ـ سِفْرِ لاویان، الفصل ـ 25 ، 2 ـ سفر الخروج، الفصل ـ 22 .
سؤال: إنّ الآیة الشریفة بالرغم من أنّها صریحة فی أنّ الرِّبا کان محرّماً على الیهود، ولکن کیف یمکن إستفادة تحریم الرِّبا منها على المسلمین؟
الجواب: إنّ بعض العلماء والفقهاء(9) تمسّکوا فی هذه المسألة وما شابهها بقاعدة (إستصحاب الشرائع السابقة)، ولکنّ حجیّة مثل هذا النوع من الاستصحاب لا تخلو من مناقشة، ونحن لا نعتقد بحجیّته، لأنّ الأصل الأسمى فی الاستصحاب هو قاعدة (لا تنقض الیقین بالشک، بل أنقضه بیقین
آخر
)، وهذه القاعدة لا تجری هنا، لأنّ الشریعة عندما تنسخ فأنّ جمیع قوانینها وأحکامها سوف تنسخ کذلک، لا أنّ أصل الشریعة یقع فی دائرة النسخ باستثناء بعض أحکامها.
ولذا کان المسلمون فی الصدر الأوّل للإسلام ینتظرون الوحی الإلهی فی کلّ مسألة من المسائل(10)، ولم یتمسکوا بأحکام الشرائع الماضیة(11)، بالرغم من وجود مماثلها فی تلک الأدیان والشرائع.
ولکن یمکن إثبات هذه الأحکام للمسلمین عن طریق آخر أیضاً، وهو أنّ الله تبارک وتعالى قد أورد مثل هذا الحکم فی القرآن الکریم أیضاً، على أساس الموافقة له، فلو لم یکن هذا الحکم شاملا للمسلمین، لوجب أن یتطرق إلى نفیه فی هذه الآیة الشریفة، فعلى هذا یکون ذکر هذا النوع من الأحکام فی القرآن ـ من دون إشارة إلى نفیه ونسخه ـ إمضاءً له بالنسبة إلى المسلمین فی الواقع.
ونخلص من مجموع الآیات الشریفة المذکورة أعلاه إلى أنّ الأیات الدالّة على تحریم الرِّبا فی القرآن الکریم کثیرة (سبع آیات على الأقل)، والقرآن الکریم أکّد على تحریم کلّ نوع من أنواع الرِّبا بشدّة إلى الحدّ الذی اعتبره کفراً بالله تعالى، وأعلن من جهة اُخرى الحرب على المرابین، وقرّر أنّ المرابی یستحق الخلود فی النار، مضافاً إلى أنّه سیلاقی جزاءه وعقوبته فی الدنیا أیضاً.


(1) سورة النساء: الآیة، 93.
(2) سورة المائدة: الآیة، 27.
(3) وللمزید من التوضیح حول الآیات الأربع أعلاه علیک بمراجعة تفسیر المیزان والتفسیر الأمثل حول هذا الموضوع.
(4) سورة آل عمران: آیات 130 إلى 131.
(5) وللمزید من الإطلاع على تفسیر هاتین الآیتین راجع تفسیر الأمثل المجلد الثانی ذیل الآیة الکریمة.
(6) ما مرّ علینا من الاحتمالین فی المراد من خلود المرابین من المسلمین فی جهنم یصدق هنا أیضاً فی إطلاق الکفر على المرابین.
(7) سورة النساء: آیة 160 و 161.
(8) ویستفاد من هذه الآیة الشریفة أنّ تحریم شیء على المکلّفین لا یلازم حتماً وجود المفسدة فیه، بل قد یتخذ التحریم صیغة العقوبة والتأدیب.
(9) کالعالم الجلیل والفقیه المتبحر الشّیخ مرتضى الأنصاریى (رضوان الله علیه)، وکذلک الاُصولی البارع المرحوم الآخوند الخراسانی (قدّس الله سرّه) اللذان یُعدّان من أساطین العلم للحوزات العلمیة ومن افتخاراتها، بل من مفاخر عالم التشیّع.
(10) على سبیل المثال، فانّ الرِّبا کان أمراً طبیعیاً قبل نزول آیات تحریم الرِّبا، ولم تردع الشریعة المقدسة عن هذا العمل قبل تحریم الوحی، ولم تمنع المرتکبین له فی ذلک الوقت، بل انّها لم توسّع دائرة التحریم بعد مجی الحکم الشرعی بحرمة الرِّبا لیشمل ما مضى من العقود الرّبویّة، واکتفى القرآن الکریم بقوله (وذروا ما بقی من الرِّب) فی حین أنّ الرِّبا کان حراماً فی الشرائع السابقة.
(11) وللمزید من التوضیح راجع کتاب «أنوار الاُصول» المجلد 3 الصفحة (410) فما بعدها.
(1) ـ أدلّة حرمة الرِّبا فی الإسلام ـ(2) الرِّبا فی الرّوایات الإسلامیّة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma