الطیرُ یُسبّحُ وأنا صامت !

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثانی)
شرح المفردات 1 ـ فَنُّ الطیران الْمعقَّد

أکدت الآیة الاُولى على أن تحلیق الطیور فی جو السَّماءِ خلافاً للجاذبیة الأرضیة هو آیةٌ من آیات الله: ( أَلمْ یَرَوْا اِلَى الطَّیرِ مُسَخَّرات فى جَوِّ السَّماءِ ) (1) .ونظراً لطبیعة الأجسام فی الانجذاب نحو الأرض فانَّ حرکة الطیور فی أعالی الجو تبدو شیئاً عجیب ، ویجب أنْ تُؤخذ مأخذ جدّ ، فمن المسَّلم به أنَّ هناک مجموعة من المزایا لدى الطیور تمکنها من الطیران بیُسر فی السماء مستثمرة مختلف القوانین الطبیعیة المعقّدة ، إنّه لشیء یبعث على الدهشة بلا شک .إنّ لهذا المیدان العجیب والقوانین التی تسبب هذه الظاهرة المدهشة ربّاً قادراً حکیماً مطلعاً على أسرار العلوم ، بل لیست العلوم إلاّ شیئاً من القوانین التی وضعه ، لهذا یقول فی سیاق الآیة : ( مَا یُمْسِکُهنَّ اِلاَّ اللهُ ) .ویضیف فی ختام الآیة : ( إِنَّ فِى ذَلِکَ لاَیات لِّقَوْم یُؤْمِنُونَ ) .وسنرى فی الایضاحات التی ستأتی فی نهایة هذه الآیات إن شاء الله ـ ما هی القوانین التی یجب أنْ تتظافر کی تحصل هذه الظاهره التی تُدعى « الطیران » ، لذلک نواجه فی کلِّ خطوة آیةً جدیدةً من آیات مُبدیء الوجود العظیم .

والآیة الثانیة تتشابه مع الاُولى من عدة وجوه ، إلاّ أنَّه یُلاحظُ فیما بینهما اختلافاتٌ أیض ، ففی هذه الآیة یدعو الناس « لا سیما المشرکین » إلى تفحّص اوضاع الطیور ، هذه الموجودات التی تنطلق من الأرض خلافاً لقانون الجاذبیة الأرضیة، وتتحرک مسرعةً بکل یُسر فی جو السّماء لساعات وأحیاناً لأسابیع ، وحتى أحیاناً لعدة شهور بدون توقف ، حرکةً مرنة وسریعةً ، بنحو تبرهن على أنّها لا تواجه مشکلةً فی عمله .فیقول : ( أَوَلَمْ یَرَوا اِلَى الطَّیْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّات ویَقْبِضْنَ ) (2) .فلا أحد سوى الرحمن الذی عمَّت رحمتُه کلَّ شیء ، یستطیع أن یُمسکَهُنَّ هناک : ( مَا یُمْسِکُهُنَّ إِلاَّ الرحْمَنُ ) .أجل .. اللهُ الذی منَحها کلَّ أدوات الطیران ، وعلَّمها طریقته واسلوبه ، کما وضعَ قوانین وانظمةً تستفیدها فتحلّق بیسر وسهولة ، فهو العلیم بحاجات کل الموجودات والبصیر بکلِّ شیء: ( إِنَّه بِکُلِّ شَىء بَصِیْرٌ ) .وابتداءً من الذرات حتى المنظومة الشمسیة ، والمنظومات الاُخرى الجبارة ، ومن النباتات والحیوانات المجهریة ، حتى الموجودات العملاقة ، والکل یستمر فی وجوده بتدبیره جلَّ وعل ، التدبیر الذی یُطلعنا فی کلِّ مرحلة منه على آیة جدیدة من علمه وقدرته تبارک وتعالى ، وینفی کل أشکال الاحتمال بوجود الصدفةِ وقدرتها على الخلق ، ویملأ القلب بحبّه والإیمان به .ویُمکن أن یکون التعبیر بـ «صافات» و«یَقْبِضْنَ» إشارة إلى وضع الطیر ، حیث یبسطنَ أجنحتهنَّ تارةً ، ویجمعنَها اُخرى ، ویقدرنَ على الطیران من خلال هذین الفعلین ، ویرِدُ هذا الاحتمال أیضاً بأنْ یکون إشارة إلى صنفین من الطیور : الطیور التی غالباً ما تکون أجنحتها مبسوطة ، وترکبُ أمواجَ الهواء ، وفی نفس الوقت تسیرُ فی کلِّ اتجاه بسرعة ، فکأنّما هناک قدرةٌ خفیَّةٌ تُحرکُها لا نراها بأعینن ، والطیور التی تخفق اجنحتها باستمرار أثناء طیرانه ، ولبعضِ الطیور حالةٌ وسطٌ بین هاتین الحالتین أثناء الطیران (3) .

وفی الآیة الثالثة نواجه صیاغة جدیدة بصدد الآیات التوحیدیة لحیاة الطیور إذ یخاطبُ النبی (صلى الله علیه وآله) قائلا: ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ یُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِى السمَّواتِ وَالأَرْضِ ) ( والطَّیْرُ صافَّات ) .الطیور التی تتحرک فی الجو صفوف ، بجلال وعظمة وجمال ولا تتعبُ العین من مشاهدتها أبد ، فهی ترسمُ أشکالا هندسیةً مختلفة على صفحة السماء بحیث تذهلُ الإنسان ، إذ قد تطیر المئات بل الآلاف من الطیور وتغیُّر طریقها باستمرار من خلالِ أمر خفیٍّ من دون أن یحدث اصطدامٌ فیما بینه .ویضیف فی سیاق الآیة: ( کُلٌ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسْبِیْحَهُ ) (4) .نعم .. فلکلٍّ منها صلاةٌ وابتهال ومناجات ودعاءٌ وحاجات فی عالمها الخاص ، ولکلٍّ تسبیحه وتعظیمه وثناؤه ، ومن المعروف أنَّ ذرات وجود أیٍّ منها وبناء مختلف أعضائه وحرکاته وسکناته تُخبرُ عن مُبدیء عظیم یجمعُ کافة الکمالات ومُنَزَّه عن جمیع النواقص ، وهی دائمةُ التّسبیح بحمده بلسان حاله .ویعتقد بعضهم أنَّ حمدَها وتسبیحها وصلاتها عن وعی ، ویعتبرون لکلِّ موجود حتى الذی نَحسبُه جماداً وبلا روح ، عقلا واحساس ، بالرغم من جهلنا به ، کما نقرأ فی مکان آخر : ( وَإِنْ مِّنْ شَىء إِلاَّ یُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَکِنْ لاَّ تَفْقَهُوْنَ تَسْبِیْحَهُم ) .( الاسراء / 44 )وکل تفسیر من ذینک التفسیرین الصحیحین یصلح أن یکون شاهداً على ادعائنا بأنَّ جمیع الموجودات فی هذا العالم ، لا سیما الطیور التی تطیر فی جوِّ السماء ، آیاتٌ وبراهینٌ على قدْرةِ وعلم خالق الکون .

ویقول فی نهایة الآیة: ( وَاللهُ عَلِیْمٌ بِمَا یَفْعَلُوْنَ ) .فهو یعلم کل أعمالهم ونوایاهم وجمیع حاجاتهم ، وهنا لماذا استند فی هذه الآیة إلى بسط أجنحة الطیور فقط ( صافات ) ؟ لعلَّ السبب هو هذا الوضع العجیب والمدهش حیث تستطیع أن تتحرک فی جو السماء بسرعة بدون تحریک اجنحتها کما أشرنا إلى ذلک سابق .والاحتمال الوارد أیضاً هو أنّ الطیور تتحرک فی السماء بشکل جماعی بنحو یبعث على الحیرة ، حرکة هندسیة منظّمة ، متناسقة تمام ، وبلا قیادة ظاهرة .

وأشار فی الآیة الرابعة والأخیرة من البحث إلى مسألة جدیدة اُخرى من عجائب عالم الطیور فقال : ( وَمَا مِنْ دَابَّة فِى الأَرْضِ وَلاَ طائِر یَطِیْرُ بِجَناحَیْهِ إِلاَّ اُمَمٌ أَمْثالُکُم ) .والتعبیر بـ «اُمَمْ» جمع « اُمهّ » یدللُ على أنَّ لها عقلا واحساساً فی عالمه ، والتعبیر بـ ( أمثالکم ) یؤکد هذا المعنى أیض ، لأنّها تشابه الإنسان فی مسألة الإدراک والفهم والشعور ، وهذا تأکید مجدد للتفسیر الذی ورد فی الآیة السابقة ، بأنَّ لها تسبیحاً ودعاءً عن وعی فی عالمها الخاص به (5) .إنَّ القرائن المتوفرة لدى الطیور ، وباقی الحیوانات ، تؤید بأنّها ذات ذکاء وشعور .لأنَّ : أول : الکثیر من الحیوانات تعمل بمهارة ودقة فی بناءِ بیوتها وجمع غذائها وتربیة فراخه ، ورعایته ، وسعیها لسد حاجات حیاتها الاُخرى بدقة ومهارة لا یُصدق معه ، صدور هذا العمل عن غیر عقل وشعور ؟ .وهی تبدی ردود فعل مناسبة ازاء الاحداث التی لا تمتلک تجربةً سابقةً حیاله ، فمثلا نرى أنَّ الخروف الذی لم یَرَ ذئباً طیلة حیاته له وعیٌ کاملٌ عن خطر هذا العدو ویدافع عن نفسهِ بکلِّ وسیلة یستطیعه .

لقد قاموا بتربیة الحیوانات من أجل غایات مهمّة ، کالطیور التی تنقل الرسائل ، والحیوانات التی تُرسلُ إلى السوق للشراء ، وحیوانات الصید ، وکلاب الشرطة التی تستعمل للکشف عن المخدّرات ، وملاحقة المجرمین وامثال ذلک ، فتُربّى هذه الحیوانات بنحو قد تکون أفضل وأکثر ذکاءً من الإنسان فی انجاز مهمته ، حتى فی هذا العصر الذی تنوعت فیه معدات کشف الجرائم لم یجدوا فی انفسهم غنىً عن هذه الکلاب ! .خصوصاً أنَّ بعض الحیوانات کالنحل والنمل والأرضة ، وبعض الطیور کالطیور المهاجرة ، وبعض حیوانات البحر کالأسماک الحرّة التی تقطع آلاف الأمیال فی اعماق البحر باتجاه منشئها الأصلی أثناء وضع البیوض ، تعیش حیاةً دقیقةً وملیئةً بالأسرار بحیث لا یمکن نسبتُها إلى الغریزة ، لأنَّ الغرائز تُعتبر عادةً مصدراً للأعمال ذات النَسق الواحد ، فی حین أنَّ حیاة هذه الحیوانات لیست کذلک ، وأعمالها دلیلٌ على فهمها واحساسها النسبی .یقول مؤلف تفسیر « روح المعانی » :أنا لا أرى مانعاً من القول بأنّ للحیوانات نفوساً ناطقة وهی متفاوتة الإدراک حسب تفاوتها فی أفراد الإنسان وهی مع ذلک کیفما کانت لا تصل فی إدراکها وتصرفها إلى غایة یصلها الإنسان، والشواهد على هذا کثیرة ولیس فی مقابلتها دَلیل یجب تأویلها لأجله(6) .والظاهر أنّ مقصوده من الشواهد هذه التلمیحات أو التصریحات التی جاءت فی القرآن الکریم فی قصة « الهدهد وسلیمان » وکذلک « النملة وسلیمان » ، وکذلک الروایات التی نُقلت فی تفسیر آیة البعث بأنَّ الحیوانات تُحشرُ وتُنشرُ وتحاسبُ یوم القیامةِ أیض (7) .ولکن على أیّةِ حال فسواء کانت أعمالها وتصرفاتها ناتجة عن عقل وإرادة أو عن غریزة فلا أثر لذلک على بحثن ، فهی بأیَّ نحو آیةٌ من آیات الله وبرهانٌ من براهین علمه وقدرته .

واللطیف أنّه یقول فی نهایة الآیة: ( مَا فَرَّطْنَا فِى الْکِتابِ مِنْ شَىء )(8).( ثُمَّ إِلَى ربِّهِمْ یُحْشَرُوْنَ ) .والتعبیر بـ « حَشر » یشیر أیضاً إلى أنّها ذات عقل وإرادة نوعاً م .یُستفادُ من الآیات أعلاه أنَّ الطیور ومن عدة جوانب تعتبر من آیات الله ولا یمکن نسبة هذه الظواهر الدقیقة والمعقدة والملیئة بالأسرار إلى الصدفة العمیاء والصماء أو إلى الطبیعة التی لا عقل ولا شعور لها.


1. لقد اتخذ بعضهم لفظ « جَوّ » بمعنى الفضاء الذی یحیط بالأرض ، وبعضٌ بمعنى « الهواء » قریباً کان أم بعیداً عن الأرض ، ولکن یبدو أنّ ما یستعمل عادةً هو المعنى الأول ، وهو الذی یناسب الآیة أعلاه حیث یمکن أن یکون مصدراً للاعجاب.
2. یقول بعض المفسرین لو تعدت « الرؤیة » بـ « إلى » فهی تعنی الرؤیة الحسّیة ، وإذا تعدت بـ « فی » فهی تعنی المشاهدة القلبیة والمطالعة العقلیة ( تفسیر روح البیان، ج 10 ، ص91 ) .
3. لماذا جاءت « صافات » بصیغة الاسم الفاعل ، و« یقبضنَ » بصیغة الفعل المضارع ؟ وردت تفسیرات کثیرة أفضله : یقال إنّه عند انبساط الاجنحة یأخذ وضع الطائر نسقاً واحد ، بینما یتکرر رفیف اجنحته عند خفقانه ، وهذا ما یناسب الفعل المضارع ویکسبه صفة الاستمراریة . وذُکر تفسیر آخر فی « الکشاف » وأیده بعض المفسرین : بأنّ منشأ هذا التفاوت ینبع من أنّ الطیران هو الحالة الأصلیة الاُولى للطیور ، والحالة الثانیة هی عرضیة . غیر أن الغموض یکتنف هذا التفسیر .
4. هنا حیث یعود الضمیر فی « عَلِمَ » إلى « الله » أو إلى « کلّ » هنالک جدالٌ بین المفسِّرین ، ولکن ما یناسب وضع الآیة هو أن یعود الضمیر إلى « کل » فیعنی : « کل واحد » أی أنَّ کلَّ واحد من موجودات الأرض والسماء والطیور یعرف صلاته وتسبیحه جید .
5. لقد اعطى المفسرون احتمالات کثیرة فی تفسیر تشبیهها بالإنسان حیث یبدو أنَّ ما اوردناه أعلاه أکثر تناسباً بالرغم من عدم وجود تعارض بین هذه الاحتمالات. یراجع تفسیر المنار، ج 7، ص 392; وتفسیر القرطبی، ج4، ص 2417 .
6. تفسیر روح المعانی، ج 7، ص 147 .
7. تفسیر مجمع البیان، ج 3، ص 298 .
8. « فَرَّطن » من مادة « تفریط » أی التقصیر فی اداء العمل وتضییعه بنحو یضیع ( صحاح اللغة ) ویردُ هذا الاحتمال أیضاً بأنَّ المقصود من عدم التفریط فی هذا الکتاب السماوی یعنی أنَّ للقرآن مفهوماً جامعاً حیث یشمل کافة حاجات الإنسان إلاّ أنّه نظراً إلى ذیل الآیة فانَّ المعنى أعلاه یعتبر أکثر مناسبة .

 

شرح المفردات 1 ـ فَنُّ الطیران الْمعقَّد
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma