التحقیق من مسؤولیات الإنسان الأساسیة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثانی)
تمهیدالنتیجة

الإنسان یحب الکمال ، ویعتبر هذا الحب خالداً عند کل الناس ، یبقى أنّ کل إنسان یرى کماله فی شیء معین ، فیذهب نحوه ، والبعض یذهبون وراء السراب یحسبونه ماءً ویلهثون خَلْفَ القیم الوهمیة والکمالات الخیالیة ویتصورونها واقع .

قد یسمى هذا المبدأ أحیاناً بـ « غریزة حب المنفعة ودفع الضرر » التی یجد الإنسان نفسه على ضوئها بأنّه ملزم أن یکون له تعامل جاد مع کل موضوع یتعلق بمصیره ( بلحاظ النفع والضرر ) .

لکن إطلاق تعبیر « غریزة » على هذا الحب یعدّ تعبیراً غیر صحیح ، فالغریزة عادة تطلق على أمور تؤثر فی أفعال البشر أو باقی الأحیاء بدون تدخل التفکیر ، ومن هنا تستعمل بالنسبة للحیوانات أیض .

وَعلى هذا الأساس فمن الأفضل أن نستخدم تعبیر ( الرغبات السامیة ) التی استعملها البعض لمثل هذه الموارد .

وعلى کل حال ، فالحب للکمال والمیل نحو المصالح المعنویة والمادیة ودفع کل أنواع الضرر یجبر الإنسان على التحقیق حتى فی مواضع الاحتمال ، وکلما کان هذا الأحتمال أقوى ، وذلک النفع والضرر أعظم ، کان التحقیق والبحث أکثر ضرورة .

من المستحیل أن یحتمل شخص تأثیر أمر مهمّ فی مصیره ، ولا یرى من واجبه التحقیق حوله .

وقضیة الإیمان بالله والبحث عن الدین تعتبر من هذه القضایا بلا شک ، لأنّ هنالک فی محتوى الدین کلام عن القضایا المصیریة ، وعن القضایا التی یرتبط خیر وشر الإنسان بها ارتباطاً وثیق .

البعض یذکر مثالا من أجل إیضاح هذا الموضوع ، فیقول : لنفترض أننا نجد إنساناً واقفاً على مفترق طریقین ونسمعه یقول بقطع ویقین: إنَّ البقاء هنا خَطَرٌ، واختیار هذا الطریق ( إشارة إلى أحد الطریقین ) هو الآخر خطر ، والطریق الثانی هو طریق النجاة ، ثم یذکر قرائن وشواهد لکل ما قاله ، فما من شک أن أی عابر سبیل یرى نفسه ملزماً بالتحقیق ویعتقد أنّ اللامبالاة تجاه هذه الأقوال مخالفة لحکم العقل ، وبلحاظ هذه المقدمة ننتقل إلى تفسیر الآیات .

إنّ أول آیة من الآیات المعنیة بالبحث تَعتبر دعوة رسول الله إلى الإسلام دعوةً إلى العیش والحیاة الحقیقیة ، وَتدل هذه الدعوة على أنّ بالإمکان جمع کل محتوى الإسلام فی مفهوم « الحیاة » ، الحیاة التی تشمل الحیاة المعنویة وتشمل الحیاة المادیة ، الحیاة الشاملة والجامعة .

مع أنّ البعض فسر معنى الحیاة هنا بأنّه بخصوص « القرآن » أو « الأیمان » أو « الجهاد »(1) ، لکن ممّا لا شک فیه أنّ الحیاة مفهوم واسع یشمل کل هذه العناوین المذکورة وکل ما هو مؤثر فی حیاة الإنسان المعنویة والمادیة .

وعلى کل حال ، إذا دعانا شخص بمثل هذه الدعوة فهل یمکن أن نغض الطرف عن دعوته ولا نرى من مسؤولیتنا حتى التحقیق فی هذه الدعوة ؟ .

هنا یرید القرآن بهذا التعبیر أن یُوجد حافز الحرکة نحو التحقیق حول الدین لدى کل من له القابلیة على هذه الحرکة .

یقول الراغب فی کتاب « المفردات » : إنّ حقیقة « الاستجابة » هی السعی والقابلیة على استلام الجواب ، ولأنّ هذا الموضوع ینتهی عادةً بالجواب فقد فسروه بمعنى « الاَجابة » (2) .

الآیة الثانیة تعدُّ بعثة الرسول من أعظم النعم الإلهیّة التی منحها الله سبحانه وتعالى للمؤمنین ، ثم تذکر فی تفسیر هذه النعمة ثلاثة برامج مهمّة للرسول : تلاوة الآیات الإلهیّة: ( یَتْلُوا عَلَیْهِمْ آیَاتِهِ ) ، والتزکیة والتربیة: ( وَیُزَکِّیِهمْ ) ، وتعلیم الکتاب والحکمة ( وَیُعَلِّمُهُمُ الْکِتَابَ والْحِکْمَةَ ).

ونتیجة کل هذه البرامج هی النجاة من « الضلال المبین »: ( وَإِنْ کَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِى ضَلاَل مُّبَیْن ) .

إنّ کل هذه التعابیر هی من أجل إحیاء محفزات الحرکة نحو الأسلام لدى الناس ، أو على الأقل من أجل أن یرى کل إنسان نفسه ملزماً بالتحقیق حول الإسلام لأنّه من الممکن أن یکون اکبر نفع وضرر للإنسان کامناً فی هذا التحقیق.

« المِنّة»: من مادة « مَن » وهی فی الأصل کما یعتقد البعض بمعنى القطع ، لهذا فإن: ( أجرٌ غیر ممنون ) بمعنى الثواب الذی لا ینقطع أبد ، وکذلک یقال لنوع من الاصماغ والترشحات ذات الطعم الحلو والتی تشاهد کالقطرات الصغیرة مستقرة على أوراق الأشجار تشبه قطرات الندى، یقال لها «المن».

ولکن یعتقد الراغب أنّ « المن » فی الأصل بمعنى الحجر الذی یَزِنون به ، والذی أطلق فیما بعد على النعم الکبیرة الثقیلة .

وحینما تستخدم هذه المفردة فی القاموس الإلهی فتعنی « منح النعم » وحین تستخدم فی قاموس البشر فتعنی غالباً التحدث بالنعمة التی یجزلها الإنسان لغیره ، من هنا کان معناها الأول إیجابیاً والثانی سلبیاً ومذموم .

الآیة الثالثة تشیر إلى هدف مهم آخر من أهداف بعثة الأنبیاء ، وهو مسألة « العدالة الأِجتماعیة » ، فتقول : إنّنا جهزنا الرسل بثلاثة أشیاء :

أول : البراهین الواضحة التی تشمل « المعجزات » ، و« البراهین العقلیة »: ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَیِّنَاتِ ) .

ثانی : الکتاب السماوی الذی یبین المعارف ویشرح للناس مسؤولیاتهم.

وثالث : المیزان: وهو الوسیلة التی بواسطتها توزن الأشیاء، والعجب أنّ بعض المفسرین قد فسّروا المیزان بالمعنى الذی ذکرناه، فی حین أنّ أغلب المفسرین یعتقدون أنّ المراد من المیزان هی الوسیلة التی بواسطتها یقام العدل فیشخص بواسطتها الحق من الباطل، الزیادة من النقصان، الخیر من الشر، القیم الحقة والخیرة من القیم الباطلة والشریرة، وبإمکاننا أن نفسّر المیزان بالقوانین الإلهیّة.

صحیح أنّ هذه الأمور مذکورة فی نص الکتب السماویة ، ولکن ذکرها بشکل مستقل جاء بسبب أهمیّته .

وعلى کل حال ، هل من الممکن أن یسمع إنسان بأنّ شخصاً یدعی الدعوة إلى وجود مثل هذه الحقائق المصیریة ولا یرى أنّ من واجبه التحقیق فی هذه الدعوة؟ .

یقول الفخر الرازی : الناس ثلاثة أنواع : نوع فی مقام « النفس المطمئنة » وهم المعنیون بالآیة: ( أَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْکِتَابَ ) ، النوع الثانی فی مقام « الْنَفسِ اللَّوامة » وهم أصحاب الیمین الذین یحتاجون إلى معیار قیاسی من أجل المعرفة والأخلاق ، لیکونوا فی أمان من الافراط

والتفریط ، وهم المقصودون بتعبیر ( المیزان ) ، النوع الثالث هم أصحاب « النفس الأمارة » الذین تعنیهم الآیة: ( انزلنا الحدید ) أی هم المستحقون للعقاب والجزاء (3).

فی الآیة الرابعة إشارة إلى الأبعاد المختلفة لبعثة الأنبیاء وبالخصوص السیاسیة والاجتماعیة ونزول الأدیان السماویة ، وفیها ذکر لبعض أوصاف رسول الله (صلى الله علیه وآله) فقد جاءت لترغیب الناس فی اتباعه ، منها: ( یَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْروُفِ ویَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنکَرِ وَیُحِلُّ لَهُم الطَّیِّبَاتِ وَیُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبَائِثَ وَیَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ وَالاَْغْلاَلَ الَّتِى کَانَتْ عَلَیْهِمْ ) .

لا شک أنّ هذه أمور مصیریة وذات علاقة وثیقة بمسألة تکامل الإنسان وخیره وشرِّه ، بل مجرّد احتمالها یکفی لدفعه نحو التحقیق .

« الأِصر»: على وزن مصر ، یعنی فی الأصل الربط والاغلاق وحبس الشیء بقوة وعنوة ، ثم أُطلقت على الحمل الثقیل والأعمال الشاقة التی تعوق الإنسان عن النشاط ، ولهذا سُمیت الجبال والمسامیر التی تربط بها الأعمدة « آصار » ، ولهذا أیضاً سمی العهد والوعد والذنب بالاِصر (4).

یمکن الاستنباط من التعابیر التی وردت فی کلمات أرباب اللغة والمفسرین أن معنى کلمة « إِصر » الجسم الثقیل الذی یُربط بقدم السجین لکی لا یستطیع أن یتحرک ، وإنَّ ذکره إلى جانب الأغلال وهی الأطواق والسلاسل التی تقید بها الأعناق یناسب هذا المعنى ، ثم أطلقت هذه المفردة على معنى آخر یتناسب وأصل الکلمة .

مع إنّ الکثیر من المفسرین فسروا « الإِصر » و« الأغلال » فی هذه الآیة بمعنى التکالیف الشاقة أو الامتحانات العسیرة والمعقدة التی حلّت بالامم السابقة ، لکن الظاهر أنّ لهاتین المفردتین مفهوماً أوسع وأشمل یستوعب کل أنواع قیود الاسر والحمل الثقیل الذی یسببه « الجهل » و« الشهوات » و« الذنوب » و« الاستبداد » و« الأِستعمار » وما شاکل ، وهی أمور ترتفع وتزول تحت ظل وجود رسول الله وتعلیماته التحرریة.

الآیة الخامسة کلام ورد عن لسان محطم الأوثان إبراهیم (علیه السلام) عندما خاطب الوثنیین موبخاً إیّاهم على عملهم القبیح هذا ( عبادة الأصنام ) ، وقال من أجل إیقاض عقولهم حیث کانوا یغطون فی سبات عجیب:

( هَلْ یَسْمَعُونَکُم إِذْ تَدْعُوْنَ * أَوْ یَنْفَعُوْنَکُمْ أَوْ یَضَّروُنَ ؟ ! ) فلابدّ للعبادة أن تکون إمّا من أجل الربح والمکافأة والمنفعة أو من أجل دفع الضرر والعقاب .

وبالطبع لم یکن لدیهم أجوبة إیجابیة على هذه التساؤلات سوى الإعتصام باتباع وتقلید السلف والقول : ( بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا کَذَلِکَ یَفَعْلُونَ ) .

تدل هذه التعابیر جیداً بأنّ حافز النفع والضرر ( لیس النفع والضرر المادی فحسب فالنفع والضرر المعنوی أفضل وأرفع منه ) وَیمکن أن یکون حافزاً للحرکة باتجاه معرفة الله .

حول نزول آیات سورة فصلت وهی الآیة السادسة فی بحثن هذا، نقرأ أن « أبا جهل » سأل « الولید بن المغیرة » وهو من رجال عرب الجاهلیة المعروفین وهو من أهل النظر والمشورة یُرجَع إلیه عند المعضلات : ما هذا الذی یقوله « محمد » ؟ أهو کهانة أم سحر ؟ أهو تکهّن ؟ ... فقال « الولید » : یجب أن أذهب إلیه بنفسی وأتحقق ، وعندما جاء إلى النبی (صلى الله علیه وآله)قرأ له بعضاً من آیات سورة فصلت إلى أن جاء إلى الآیة التی ورَدت فی بحثنا: ( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُکُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَاد وَثَمُودَ ) .

فارتجف « الولید » لسماع هذه الآیات واقشعر بدنه ووقف شعر رأسه، فنهض من مکانه وعاد إلى بیته وأغلق الباب على نفسه ، حتى ظن اکابر قریش أنّه یمیل نحو الدین

الإسلامی ، وعندما جاءوا إلیه وسألوه عن شأنه ، قال : ما صبوت (ای لم اُسلم) وانی على دین قومی وآبائی ولکنی سمعت کلاماً صعباً تقشعرّ منه الجلود ، فلا هو بالشعر ولا بالخطب ولا بالکهانة ، ولما قیل له : إذن ما نقول فیه ؟ قال : قولوا هو سحر ، فانّه آخذ بقلوب الناس (5).

أولا یمکن لمثل هذه التهدیدات الواردة فی الآیات القرآنیة وبقیّة المصادر الدینیة أن تکون حافزاً على التحرک نحو التحقیق (بالنسبة لمن لم یؤمنوا لحد الآن ) .

فی الآیة السابعة من البحث ، أُمِر الرسول (صلى الله علیه وآله) أن یخاطب جمیع معارضیه ویعظهم بمسألة واحدة: ( قُلْ إنَّمَا أَعِظُکُمْ بِوَاحِدَة أَنْ تَقُومُوا للهِِ مَثْنَى وَفُرادَى ثُمَّ تَتَفَکَّروُا مَا بِصَاحِبِکُمْ مِّنْ جِنَّة إِنْ هُوَ اِلاَّ نَذِیْرٌ لَّکُمْ بَیْنَ یَدَى عَذَاب شَدِید ... ) .

کل تعابیر هذه الآیة تعابیر مدروسة .

فالتعبیر بـ «إنّما» من أجل الحصر .

والتعبیر بـ «الموعظة» یستخدم فی المواضع التی یحکم فیها العقل بشیء، ولکن لکون الإنسان غافلا عنه فهناک شخص حریص آخر یوقظه ویعظُهُ.

والتعبیر بـ «القیام» دلیل على الاستعداد الکامل لتنفیذ الأهداف الجدیة .

والتعبیر بـ «مثنى» و«فرادى» إشارة إلى النشاطات الجماعیة والفردیة والجهود الشاملة فی هذا السبیل « لا شک أنّ الإنسان یفکر بشکل أعمق عند انفراده ولکنه یفکر بشکل أکمل حین یکون ضمن الجماعة ، لأنّ الأفکار ستتحد مع بعضها، والجمع بین هذین
( التفکیر على انفراد وضمن الجماعة ) هو أفضل الطرق » (6) .

ثم التعبیر بـ «التفکر» الذی ینبع من الصمیم ویهدی الإنسان إلى البراهین العقلیة الواضحة .

والتعبیر بـ «لکم» هو الآخر ممتزج بمسألة الانذار والإلتفات إلى العذاب الشدید وفیه إشارة إلى أنّ الموضوع هنا هو نفعکم وضررکم فقط ، ولا هدف للنبی (صلى الله علیه وآله) سوى هذ .

أفلا یجب والحال هذه أنّ یأخذوا دعوته مأخذ الجد ویفکروا فیها ویعثروا على الحق ثم یتبعوه ؟


1. ذکرت هذه الاحتمالات عن المفسرین فی تفسیر الکبیر، ج 15 ص 147; وتفسیر المیزان، ج 9، ص 43; و تفسیر روح المعانی، ج 8، ص 169; و تفسیر القرطبی، ج 4 ص 2825 .
2. ولکن یجب الالتفات إلى أنّ « الإجابة » تکون فعلا متعدیاً بدون حرف الجر ، فی حین أنّ « الاستجابة » تذکر غالباً مع حرف اللام .
3. التفسیر الکبیر، ج 29، ص 241.
4. تفسیر مجمع البیان ، ج 4 ، ص 488; التفسیر الکبیر، ج 15، ص 25; تفسیر روح المعانى ، ج 9، ص 72 ومفردات الراغب ، مادة ( إصر ) وکتاب العین، ج 7 ص 147 .
5. بحار الأنوار، ج 17، ص 211 وتفاسیر أخرى ( الأصل فی الحدیث مفصل وقد نقلناه بتلخیص ، لاحظوا تفصیله فی التفسیر الأمثل ذیل الآیة 13 من سورة فصّلت.
6. قال بعض المفسرین : «مثنى» إشارة إلى المناظرة التی لها تأثیر کبیر فی کشف الحق ، فی حین أنّ «فرادى» إشارة إلى القراءة فی الوحدة ، واحتمل بعض آخر أن « مثنى » إشارة إلى التفکیر الذی یقوم به الإنسان خلال النهار ضمن الجماعة و« فرادى » التفکیر الذی یحصل فی اللیل وعند الإنفراد ( تفسیر القرطبی، ج 8، ص 53 و 93 ) .

 

تمهیدالنتیجة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma