ظاهرة الریح والأمطار والأسرار الکامنة فیه

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثانی)
شرح المفردات 1 ـ تکوین الریاح وفوائدها

أشارت الآیة الاُولى من البحث وکتعریف بالذات الإلهیّة المقدّسة إلى مسألة هبوب الریاح وحرکة الغیوم بواسطتها حیث یقول : ( اللهُ الَّذى یُرْسِلُ الرِّیَاحَ فَتُثِیْرُ سَحَاب ) .ثمَّ تعرضت إلى بسط الغیوم فی کبد السماء ، وتراکمها فوق بعضه ، وفی الختام أشارت إلى خروج قطرات الأمطار من وسطه ، فیقول : ( فَیَبْسُطُهُ فِى السَّماءِ کَیْفَ یَشاءُ ویَجْعَلُهُ کِسَفاً فَتَرىَ الْوَدْقَ یَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ ) .و«الکِسَفْ»: على وزن (قِمَم) تعنی هنا تراکم قطعِ الغیوم حیث تستعد لنزول المطر ، و« الودق » ( على وزن خَلْقْ ) تُطلقُ على الرذاذ الذی یشبه الماء ، وفسَّرها البعض بأنّها قطرات المطر .وفی نهایة الآیة أُشیر إلى استبشار عباد الله أثر نزول المطر فیقول : ( فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ یَستَبْشِرُونَ ) .وعلیه فانَّ الریاح لا تُحرِّکُ الغیومَ فقط ، بل تبسطها فی السماء ثم تضعها على بعضها وتقوم بتبرید أطراف الغیوم وإعدادها لإنزال المطر .

فالریاح شأنها شأن الرعاة ذوی الخبرة والتجربة حین یقومون بجمع قطیع الماشیة فی وقت محدَّد من أطراف الصحراء ویسوقونها فی طریق معین ، ثم یحضّرونها للحلب .فلا سُمکُ الغیوم یکون بحد بحیث یمنع خروج قطرات المطر ، ولا شدّة الریاح بالقدر الذی تمنع نزول هذه القطرات إلى الأرض . ولا تکون قطرات الأمطار صغیرة بالقَدْرِ الذی یجعلها تبقى معلقةً فی السماء ، ولا کبیرة حیث تؤدّی إلى تدمیر المزارع والبیوت ، ولا یقتصر نزول المطر على بشارة الناس بالإعمار والازدهار فقط ، بل إنَّه یُصَفّی ویُلطِّفُ الجو ویبعثُ على النشاط .

والملفت للنظر أنّ الآیات التی تلی هذه الآیة من سورة الروم تُذکِّر بالرحمة الإلهیّة فی إحیاء الأرض بعد موتها: ( فَانْظُرْ إِلى آثارِ رَحْمَةِ اللهِ کَیْفَ یُحْىِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَ ).(الروم / 50 )ومن أجل إدراک مفهوم هذه الآیة یکفینا مشاهدة صور من بعض الصحارى ، والمزارع فی بعض المناطق فی أفریقیا کیف خیَّم علیها شبحُ الموت أثر الجفاف المستمر ، ورحلت عنها ملائکة الرحمة والحیاة .وفی المقابل فإنّ هذه الأمواج اللطیفة للریاح التی تَخترقها قطراتُ الأمطار بسهولة ، تقوم أحیاناً باقتلاع الأشجار الضخمة ، وتُدمِّرُ المبَانی ، وتختطفُ الإنسان معها إلى السماء ثم تقذفه إلى مکان آخر إذا ما أمرت بذلک .

وتتعقبُ الآیة الثانیة هذا الموضوع أیضاً بشیء من الاختلاف ، فهی تصفُ الریاحَ بالمبشِّرات ، وبالإضافة إلى مسألة نزول الأمطار فهی تشیر إلى حرکة السفن بواسطة الهبوب المنظَّم للریاح أیض ، فجاء فی النهایة : ( وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ولَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ) .ومن الممکن أن تکون عبارة ( وَلیُذیْقَکُمْ مِّنْ رَّحْمَتِهِ ) إشارة إلى بقیة فوائد الریاح ، کتلقیح الأشجار ، ودفع العفونات وتصفیة الأجواء وغیرها کما تمّ توضیحه فی تفسیر المیزان (1) .

والحقیقة أنّ الإنسان لا یعرف قَدْرَ النعمةِ إلاّ إذا سُلبت منه، فلو توقفت هذه الریاح والنسمات یوماً واحداً لأصبح العیش فی أجملِ البساتین والمزارع اسوأ من العیش فی مطامیر السجون المظلمة ، ولو هبَّت نسمةٌ على طامورة انفرادیة فهی تضفی علیها صبغة الفضاء الطلق . ولو توقَّفَت الریاح فوق سطح المحیطات ، وتوقّفت الامواج ، فانَّ حیاة الکثیر من الاحیاء المائیة تتعرض إلى الخطر بسبب نقص الاوکسجین ، وتتبدَّل البحارُ إلى مستنقعات متعفنة رهیبة .

واهتَّم فی الآیة الثالثة بهذا الأمر أیضاً مع هذا التفاوت وهو اعتبار الریاحَ مقدمة لرحمته ، ووصفَ الغیوم بـ «الثِّقال» أی (الأحمال الثقیلة ، جمع ثقیل ) لانَّ الغیوم الممطرة اثقل من بقیة الغیوم ، وتکون قَریبة من الأرض ، لذلک عبَّر عنها القرآن الکریم ب «الثِّقال» .و«اقلَّت»: من مادة « إقْلالْ » وتعنی حملُ شیء یکون خفیفاً بالنسبة لقدرة الحامل ، فهو یعتبره قلیلا ولا قیمة له ، إنّ وجود هذا التعبیر فی الآیة أعلاه یبرهنُ على أنّ الغیوم الثقیلة التی قد تحملُ معها ملایین الاطنان من المیاه لا تُحمّلُ الریاح ثقلا کبیر ، وهذا عرضٌ لقدرة الله تعالى .

وقد أشارت الآیة الرابعة إلى أنّ ارسالَ الریاحِ لأداء هذا الدور العظیم هو أحد آثار عظمة الذات الإلهیّة المقدَّسة ، إذ یُحیی الأراضی المیتة بواسطة هذه الریاح .والجدیر بالذکر هنا هو أنّ الآیة استعملت کلمة «تثیر» أی أنّ الریاح تُثیر السُحبَ ، وقد یکون هذا التعبیر إشارة إلى تکوُّنِ الغیوم بسبب هبوب ریاح المناطق الحارّة على سطح المحیطات حیث تؤدّی إلى تکاثف الغیوم ، لأنَّ مسألة حرکة الغیوم اُخِذَتْ بالاعتبار فی عبارة «فسقناه» ، وعلیه فانَّ الریاح لها أثرٌ مهمٌ فی حصول الغیوم ، وکذلک فی تحریکها نحو المناطق الجافة ، ورفعها إلى اعالی الجو وتهیئة الظروف لهطول الأمطار .وذِکْرُ هذه العبارة بصیغة الفعل المضارع « تثیر » إشارة إلى عمل السُحبِ الدائم والمستمر أیض .على أیّة حال فانَّ هذه المسألة تُعتبر برهاناً على علم وقدرة الخالق جلَّ وعلا وکذلک دلیلٌ على قدرته فی المعاد ، ولهذا تمت الإشارة إلى مسألة المعاد فی ختام بعض هذه الآیات .

واستند فی الآیة الخامسة من بحثنا إلى خلقِ سبعةِ أشیاء مختلفة کآیات ودلائل على علم وقدرة الله تعالى لیستفید منها المفکرون والعقلاء وهی : خلق السماء ، والأرض ، واختلاف اللیل والنهار ، والفُلک التی تجری فی البحر بما ینفع الناس ، والأمطار ، وهبوب الریاح واختلافه ، والسحب المعلقة بین الأرض والسماء .واستند فی هذه الآیة على مسألة الحرکات المختلفة للریاح: ( وَتَصْرِیْفِ الرِّیاحِ ) ، وکذلک الغیوم المعلقة بین الأرض والسماء: ( وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّر بَیْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ) ، السحبُ التی تحمل ماء البحار فی أوساطه ، وهی فی ذات الوقت معلقة بین الأرض والسماء ، فهی تمثل فی الواقع أعظم آیات الله ، «فتحیی الأرضَ بنزول المطر وتبّثُ أنواعاً مختلفةً من الدّواب على وجه الأرض »: ( فَأَحْیَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِیْهَا مِنْ کُلِّ دَابَّة ) .وعندما نشاهد أنّ الریاح والغیوم قد ذکرت فی هذه الآیة بعد نزول الأمطار فلعلّها من أجل الإشارة إلى هذه النقطة ، وهی أنّ فائدة الریاح لا تنحصر بتحریک الغیوم وانزال المطر فحسب ، بل لها فوائد جمّة اُخرى تمّت الإشارة إلیها سابق ، وسیشار إلیها فی نهایة الموضوع أیض .

وبغض النظر عن کون الغیوم هی السبب فی هطول الأمطار ، فإنّ الغیوم لوحدها تعتبر ظاهرة عجیبة أیض ، لأنّها تحتفظ ببحار من المیاه وهی معلقةٌ بین الأرض والسماء (2) .

وتستَند الآیة السادسة إلى مسألة میاه شرب الإنسان ، وتذکر موضوعاً جدیداً حیث تقول : ( أَفَرَأَیْتُم المَاءَ الَّذِى تَشْرَبُون * أَأَنْتُمْ أنزَلُتمُوهُ مِنَ المُزْنِ أَمْ نَحنُ المُنْزِلُونَ ) ؟ ثم یضیف تعالى : ( لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلاَ تَشْکُرُونَ ) فلو أنَّ ماء البحر یصطحبُ أثناء تبخره إلى السماء ذرّات الأملاح الصغیرة ، وتنزلُ المیاه المالحة والمرَّة من الغیوم لتحولّت الأرضُ إلى مملحة ، فلا ینمو نباتٌ ، أو شجر ، وإذا أراد الإنسان أن یدفع الموت عنه أثر العطش لم یستطع أن یتجرع شربة من هذا الماء أبد .

إنّ القدرة التی جعلت الماء یتبخر والأملاح الموجودة فی میاه البحار تبقى فی مکانها، هذه العملیة التی أثرت على حیاة الإنسان وغیرت مجراها بل أثرت على أوضاع کل المخلوقات على وجه الکرة الأرضیة، هل یستطیع الإنسان أن یشکر هذه النعمة طیلة بقائه حیاً فی هذه الدنیا؟

وکما قلنا فإنّ «المُزْن» تعنی الغیوم الممطرة و«الأجاج» تعنی الماء الشدید الملوحة أو المرارة .

وأشار فی الآیة السابعة إلى هِبَتَین عظیمتین اُخریین من هِبات الله إلى عباده وهم : هبة الهدایة فی ظلمات البر والبحر « بواسطة النجوم » ، وهبة ارسال الریاح کمبشِّرات قبل نزول أمطار رحمته ، فحیثما تنزلُ الأمطار تصدحُ الحیاة بنغماتها وتکون أساساً لأنواع الخیر والبرکة .

ویستند فی نهایة الآیة على هذین الموضوعین کوثیقة لإثبات وحدانیة الله تعالى ، ویخاطب المشرکین : ( أَ إِلهٌ مَعَ الله تَعَالى اللهُ عَمَّا یُشْرِکُونَ ) ، ولعلَّ ذکرُ هاتین الهِبَتین معاً إشارةٌ إلى هذا المعنى وهو عندما یکون الجو صافیاً یمکن الاستفادة من النجوم لیلا فی الإهتداء إلى الطریق للوصول إلى الهدف ، وإذا کان الجو غائماً فثمة رحمة أخرى وهی المطر ینالها الإنسان ، إذنْ ففی کلا الحالتین هناک موهبة ورحمةٌ ، وهو برهانٌ لمعرفة الذات الإلهیّة المقدّسة .

وفی الآیة الثامنة إشارة إلى مسألة الریاح ونزول الأمطار بتعبیر جدید ، فیقول : ( وَأَرْسَلْنَا الرِّیَاحَ لَواقِحَ ) .هل أنّ المقصود من الآیة الکریمة هو حمل حبوب اللقاح بواسطة الریاح لتلقیح النباتات التی ستحمل الفواکه والثمار من بعد ذلک، أم المقصود هو تلقیح السحاب لکی یحمل المطر؟

وبالنظر لقوله فی تکملة الآیة : ( فَأَنْزَلنَا مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَسْقَیْنَاکُمُوهُ ) ، فیظهر أنّ المعنى الثانی أکثر تناسب ، بالرغم من إمکانیة الاستفادة من المعنیین مع .على أیّة حال ، فانَّ التعبیر أعلاه تعبیرٌ لطیفٌ جدّاً حیث شَبَّه قِطعَ الغیوم بالامهات والآباء ، فتتلاقح هذه الغیوم عن طریق الریاح ثم تحملُ ، وتضعُ جنینها أی قطرات الأمطار على الأرض !ویشیرُ فی ختام الآیة إلى المیاه الجوفیة المخزونة تحت الأرض ، والتی هی من الذخائر الإلهیّة للناس ، فیقول : ( وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِینَ ) .فنحن الذین أمرنا طبقات الأرض أن تحتفظ بمیاه الأمطار الصافیة فی داخله ، وقد تکون الآبار والقنوات التی تستخدمونها الیوم هی من احتیاطی المیاه التی ذُخرت لکم منذ ملایین السنین فی باطن الأرض ، من غیر أنْ تَتلوث أو تتعفن .

وقد نقوم بخزنها عن طریق تجمیدها فی قمم الجبال على هیئة جلید وثلج کی تصبح ماءً بشکل تدریجی ، ونسقیکم أنتم وحیواناتکم ومزارعکم ، وربّما تکون المیاه التی تنحدر من القمَّة الفلانیة الیوم مخزونةً منذ ملایین السنین .

وفی الآیة التاسعة ، فبالاضافة إلى إشارته إلى نزول الأمطار من السماء ، فهو یشیر إلى مسألة تکوُّنِ الینابیع ، فیقول : ( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ اَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَکَهُ یَنَابِیْعَ ) .و«ینابیع»: جمع « ینبوع » وتعنی العَیْن ، وهی فی الأصل مأخوذة من مادة ( نَبْعْ ) وتعنی انبثاق الماء من الأرض ، ومن الطبیعی إنَّ تکوُّنَ الینابیع فی الأرض الذی یجعل الإنسان یستفید من الماء الجاری بدون الحاجة إلى قوة اُخرى ، یتبع ظروفاً خاصةً أولُه : أن تکون طبقة الأرض قابلة للاختراق کی یتغلغل الماء خلاله ، ثم یجب أن یکون ما تحت هذه الطبقة صلداً کی یتوقف الماء ویُخزنَ هناک ، وأن یکون هناک فارقٌ فی المستوى بین خزانات المیاه والمناطق الاُخرى حتى ینسابَ الماء من هناک إلى بقیة النقاط ، ومن المسلَّم به استحالةُ تناسق هذه الأمور لولا تخطیط مُبدیء العلم والقدرة .ویضیف فی سیاق الآیة: ( ثُمَّ یُخْرِجُ بِهِ زَرْعَاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ) .فیمکنُ أنْ یکون اختلاف الألوان هذا إشارة إلى ألوان النباتات المختلفة تمام ، أو إشارة إلى أنواع النباتات وأزهار الزینة والاعشاب الطبیة والصناعیة والخضروات التی یأکلها الإنسان والتی لها أنواع لا تحصى فی الواقع .أَجَل .. إنّ الله تعالى یستخرج من هذا الماء الذی لا لون له مئات الآلاف من ألوان الورود والنباتات المنتشرة فی هذه الریاض الکثیرة، وکما یقول الشاعر نقلا عن اللغة الفارسیة :فإذا توصَّلت إلى أسرارهاستعرف أنّ هذا هو سر الأسرار حیث هناک واحدٌ ولا یوجد غیره« وحده لا اله إلاّ هو »لهذا فهو یقول فی نهایة الآیة : ( إِنَّ فى ذلِکَ لَذِکْرى لأُولى الألْبَاب ) .

وقد أُشیر فی الآیة العاشرة إلى نکتة جدیدة اُخرى ، فیقول : ( وَأَنْزَلْنَا مِنَ المُعْصِراتِ مَاءً ثَجَّاج ) .و«مُعْصِرات»: جمعُ ( مُعْصُِر ) من مادة « عَصْر » وتعنی الضغط ، والمُعصرات تعنی الضاغطات ، وما هو المقصود هنا بهذا التعبیر ؟ لقد ذکروا تفاسیر متعددة : فالبعض اتخذها صفةً للغیوم ، إذ اعتبرها إشارة إلى نظام خاص یتحکم بها عندما تتراکم على بعضه ، فکأنّما تعصِر نفسها کی تجری الأمطار منه ، واعتبر هذا التعبیر من المعاجز العلمیة للقرآن الکریم (3) .إلاّ أنّ البعض الآخر اتخذها صفةً للریاح ، واعتبرها إشارة إلى العواصف الرملیة والأعاصیر الشدیدة والزوابع الترابیة ، حیث لها تأثیرٌ عمیق فی تکوین الأمطار والرعد والبرق ( علماً أنّ « الإعصار » یعنی ریح ترتفع بالتراب أو بمیاه البحار ) .

فیقول هؤلاء .. أثناء هبوب العواصف الرملیة الشدیدة على سطح البحار والمحیطات فانّها تحمل معها البخار من على سطح المحیط ، وحینما تصل به إلى نقاط الجو العلیا الباردة جدّ ، وحیث تکون قدرة إشباع البخار هناک ضعیفة ، یحصل الرعد والبرق الشدید ، وبما أنّ « ثجّاج » صیغة للمبالغة ، وهی من مادة « ثَجَ » على وزن (حّجَّ ) وتعنی سکب الماء تتابعاً وبکثرة فهی تتناسب کثیراً مع مثل هذا الرعد والبرق (4) .

واعتبرها البعض إشارة إلى الغیوم التی تتزامن مع العواصف الرملیة والأعاصیر(5) ، فهذه العواصف تسوق الغیوم نحو الأعلى ، وتأخذها نحو مناطق الجو الباردة حیث تتبدّل هناک إلى قطرات من الماء ، وبما أنّ هذا العمل یتمّ سریعاً فهو یولد زوابع رعدیة شدیدة و( الماء الثجّاج ) ، ونلاحظ کثرة مثل هذه الزوابع الرعدیة فی فصل الربیع ولعله بسبب کثرة حالات الزوابع الرعدیة والعواصف فی هذا الفصل .

ویضیف فی سیاق هذه الآیات: ( لِّنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً * وَجَنّات اَلْفَاف ) ، ویشمل هذا التعبیر جمیع أنواع النباتات والحبوب وأشجار الفاکهة .

وفی الآیة الحادیة عشرة ، وبعد بیان ما جاء فی الآیات السابقة: ( وَهُوَ الَّذِى أَرْسَلَ الرِّیَاحَ بُشْراً بَیْنَ یَدَىْ رَحْمَتِهِ ) ، یَرِدُ ما یلی: ( وَأَنْزَلنَا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُوْر ) .وهذا موضوع جدید حیث یستند إلیه فی هذه الآیة .و«الطّهور»: صیغة مبالغة من « الطهارة » والنقاوة حیث تفید طهارةَ الماء وکذلک کونه مطهّر ، ولو لم تکن للماء صفة التطهیر لتلوثت کلُّ مقومات حیاتنا واجسامنا وأرواحنا خلال یوم واحد ، ویمکن أن نلمسَ حقیقة هذا الکلام إذا ما ابتُلینا تارة بفقدان ماء للتنظیف ، حینها یصعبُ توفیر الغذاء ، وسنفقد نظافة الجسم والنشاط والطراوة والصحة والسلامة . صحیحٌ أنّ الماء لا یقتل الجراثیم ولکنّه (مُذیب) جید فهو یقوم بتحلیل أنواع الجراثیم وإزالته ، ولهذا فهو عاملٌ مؤثرٌ فی تأمین السلامة ، ویطهِّرُ روحَ الإنسان من الأدران عن طریق الوضوء والغُسل أیض .ولیس عبثاً أن یأتی فی الآیة: ( لِنُحْىَ بِهِ بَلْدَةً مَیْت ) .

ثم نواجه فی الآیة الثانیة عشرة والأخیرة مسألةً جدیدةً وهی أنّ الله تعالى یسوق المیاه إلى الأرض « الجُرُز » أی الجافة الیابسة الخالیة من الکل ، فیقول : ( أَوَلَمْ یَرَوا اَنَّا نَسُوقُ المَاءَ إِلىَ الأَرْضِ الجُرُزِ ) ؟! ( فَنُخرِجُ بِه زَرَعاً تَأْکُلُ مِنْهُ أنْعَامُهُمْ وأَنْفُسُهُمْ ) ، فیَأکلون الحبوب وتأکل بهائمهُم السوق والأوراد والجذور .ویستفاد من کلام أرباب اللغة أنّ «الجُرُز» ماخوذة فی الأصل من مادة ( جَرَز ) على وزن (مَرَضْ ) وتعنی ( الانقطاع ) أی انقطاع الماء ، والنبات ، والإعمار والطراوة ، ولذا یقال

للناقة التی تأکل وتقطع کل شیء بـ « ناقة جروز » ، ولمن یأکل کل ما موجود على خوان الطعام ویفرغها تماماً بـ « رجل جروز » (6) .ویقول فی نهایة الآیة داعیاً إلى التفحص فی هذه النِعَم الإلهیّة العظیمة وآیات التوحید : ( أَفَلا یُبْصِرُوْنَ ) .ولکن لماذا تقدمت «الانعام» على الإنسان فی الآیة المذکورة؟ یقول بعض المفسِّرین : لأنَّ الزرعَ أول ما ینبت یصلح للدواب ولا یصلح للإنسان بالإضافة إلى أنّ الزرعَ غذاء الدَّواب وهو لابدَّ منه ، فی حین أنّ للإنسان اغذیة اُخرى (7) .

النتیجة :یستفادُ جیداً من الآیات الآنفة وبالانتباه إلى المسائل الدقیقة والظریفة التی انعکست فیه ، أنّ هناک نظاماً دقیقاً جدّاً ومضبوطاً یسود وجود الریاح والغیوم والأمطار ، حیث کلّما أطالَ الإنسان التمعُن فیها تزداد معرفته بالظرافة والمنافع والبرکات الکامنه فیه .فقد اعتُبر الماء فی بعض هذه الآیات أساساً للحیاة ، وفی بعضها وسیلةً للنظافة ، وفی بعضها کموجود مبارک ( سورة ق، 9 ) ، وفی البعض الآخر کمشروب سائغ ( مَاءً فُرات).
( المرسلات / 27 )ومن مجموع ذلک فاننا أینما وجهنا النظر وحدقنا نعثر على آثار حکمة الله البالغة ، وأینما یقع بصرُنا تتجلى لنا صورة من العظمة الإلهیّة.


1. تفسیر المیزان، ج 16، ص 209 .
2. یجب الانتباه إلى أنّ السحاب : البخار المتراکم وتسمیه العرب ( ضباب ) بالفتح ـ مالم ینفصل من الأرض فإذا انفصل وعلا سُمّی ( سحاباً وغیما وغمام )، ( تفسیر المیزان ج 1، ص 411 ) .
3. راجِع کتاب الریح والمطر ، ص 126 .
4. اعجاز القرآن فی نظر العلوم المعاصرة، ص 67 .
5. التفسیر الکبیر، ج 31، ص 8 إذ ذکر هذا المعنى کأحدِ التفاسیر لهذه الآیة .
6. التحقیق فی کلمات القرآن الکریم، و مصباح اللغة .
7. تفسیر الکبیر، ج 25، ص 187 .

 

شرح المفردات 1 ـ تکوین الریاح وفوائدها
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma