خَلقُ الحیاة آیة الخلق

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثانی)
شرح المفردات 1 ـ لغز الحیاة الکبیر

جرى الاستناد فی الآیات العشر أعلاه وعدد آخر من الآیات القرآنیة إلى قضیة الحیاة والموت بعنوان إحدى الآیات الإلهیّة الکبیرة وعلامات الذات المقدّسة للخالق ، کان التأکید فی أغلبها على حیاة وموت الإنسان ، وفی بعضها على الحیاة والموت بشکل عام أی عند جمیع الأحیاء ، وفی البعض أکدت على حیاة وموت النباتات .فی الآیة الأولى المخصصة للبحث، ورد کلام عن فلق النواة والحبّة بواسطة القدرة الإلهیّة ، وعن استخراج الکائن الحی من الکائن المیت وبالعکس الکائن المیت من الحی ، بحیث تشمل الحیاة والموت بالمعنى الواسع للکلمة فی النباتات والحیوانات والبشر .الملفت للنظر أن بذور النباتات ذات جدار صلب ومحکم ، والنواة أکثر إحکاماً منه ، إذ لیس فلقها بالأمر الممکن بسهولة ، ومع هذا فالفِلْقة الخارجة من داخل الحبّة والنواة بحیث لایمکن وصف رقتها ولطافتها، أمّا کیف یمکن لتلک الفِلْقة اللطیفة أن تفلق تلک القلعة والحصن الحصین فتخرج من خلال جدرانه وتستمر فی طریقها؟ فلیس ذلک سوى القدرة الإلهیّة الفریدة، وکأنَّ عبارة: (إِنَّ اللهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى )إشارة دقیقة إلى هذا المعنى .وحول کیفیة إخراج الله تعالى المیِّت من الحیِّ والحیِّ من المیتِ ، ذکر الکثیر من المفسرین الماضین الأمثلة علیه ، بخروج الدجاجة من البیضة ، والشجر والنبات من الحبة والنواة ، والإنسان من النطفة ، فی حین صار من المسلّم به لدى العلماء الیوم أنّ الکائنات الحیة تظهر دائماً من الکائنات الحیة ، أی أنّ فی داخل حبة ونواة النباتات والأشجار فضلا عن الکمیة المعینة من المواد الغذائیة ، توجد خلیة حیة هی فی الحقیقة نبات وشجرة مجهریة صغیرة جدّاً وإذا استقرت فی المحیط المناسب فسوف تستفید من هذه المواد الغذائیة فتنمو وتکبر ، وکذلک بالنسبة إلى نطفة الإنسان والحیوان فإنّ الخلایا الحیة کثیرة ، وهی المصدر لتکاثر وتناسل الإنسان والحیوان .أجاب بعض المفسرین المعاصرین ( کالمراغی ومؤلف تفسیر المنار ) الذین التفتوا إلى هذا الإشکال بأن هذه الخلایا الخاصة مع أنّها تسمى فی عرف علماء العلوم الطبیعیة بالکائنات الحیة ، ولکنها لا تجدر بهذه التسمیة فی العرف العام للناس واللغة ، لأنّ أیاً من آثار الحیاة والعیش لا تظهر علیه (1).والأفضل أن نقول : إنّ المراد بخروج الکائن الحی من المیت لا یعدو أحد المعنیین التالیین:

الأول : هو بالرغم من أنّ الکائنات الحیة فی الظروف الحالیة تخرج دائماً من البذور والحبوب والنطف الحیة ، ولکن لا شک أنّ الأمر لم یکن کذلک فی البدایة ، لأنّ الکرة الأرضیة عندما انفصلت عن الشمس کانت عبارة عن کتلة من نار، ولم یکن علیها أی کائن حی، ثم ظهرت أول الکائنات الحیة من الکائنات غیر الحیة ضمن ظروف لا علم لنا بها الیوم وبأمر الله بعد سلسلة من القوانین البالغة فی التعقید .والفرضیة القائلة : إنّ من الممکن للحیاة أن تکون قد انتقلت من الکواکب الاُخرى إلى الکرة الأرضیة بواسطة القطع والأجرام السماویة والتی یُصّر البعض علیه ، لا تستطیع أن تحل لنا أیة مشکلة ، لأنّ الإشکال یصدق على تلک الکواکب أیض ، فهی ولا شک کانت فی البدایة کتلاً محترقة، ولایستطیع أى کائن حی أن یتحمل تلک الظروف .الثانی: هو أنّ البذور والحبوب والنطف الأولى لم تکن إلاّ موجودات صغیرة جدّاً لکنّها نمت وتطورت عن طریق تغذیتها على المواد الغذائیة غیر الحیة وهی فی الحقیقة تجذب إلیها الموجودات غیر الحیة وتحولها إلى حیة ، وعلیه فإنّ آلاف الآلاف وملایین الملایین من الخلایا الحیة قد ظهرت من الموجودات المیتة ، وعن هذا یقال : إنّ الله یخرج المیت من الحی ویخرج الحی من المیت .والبعض قالو : إنّ المراد بهذا التعبیر ولادة « الکافر » من « المؤمن » و « المؤمن » من « الکافر » ، أو ولادة الجنین السقط من الإنسان الحی ، وولادة الطفل الحی من الاُم التی تموت فجأة ولا یزال الطفل حیاً فی بطنه .

ولکن ممّا لا شک فیه أنّ هذه الأقوال هی مصادیق للمفهوم الکلی للآیة ولا تشمل کل مفهوم الآیة ، المفهوم الأصلی للآیة هو أحد المفهومین المُشار إلیهما.وعلى أیّة حال فالتعقید الذی یحیط بقضیة الحیاة والموت من الدرجة بحیث أنّ العلماء لا یزالون عاجزین عن فهم أسراره ، فإذا کان فهم أسرار إحدى الظواهر یحتاج إلى کل هذا العقل والتفکیر والذکاء ، فهل یمکن إیجاد هذه الظاهرة بدون الحاجة إلى أی عقل وذکاء ؟!ولهذا یقول القرآن فی نهایة نفس هذه الآیة : ( ذلِکُمُ اللهُ فَأنّى تُؤْفَکُوْنَ ).

تقول الآیة الثانیة بلهجة الاستفهام المُوبِّخ :(کَیْفَ تَکْفُرُونَ بِاللهِ وکُنتُمْ أَمْوَاتاً فأَحْیَاکُمْ ثُمَّ یُمِیتُکُم ثُمَّ یُحْیِیکمْ )وفى هذا إشارة إلى أنّ قضیة الحیاة والموت کافیة لمعرفة الله .وبتعبیر آخر فإن ظاهرة الحیاة والموت فی عالم الخلقة من أهم الوثائق لإثبات وجود الله .

إنّ الإنسان عندما یفتح عینیه ویعرف نفسه، فإنّه یطالع هذه الوثیقة الکبیرة قبل کل شیء .ویدرک الإنسان جیداً أنّ حیاته لیست من عنده لأنّه کان یوماً فی عداد الموجودات غیر الحیة ، إذن ، ثمّة قدرة وهبته الحیاة ، الحیاة بکل أسرارها ورموزه ، بکل دقائقها وتعقیداته .اعتبر بعض المفسرین « الکفر » فی هذه الآیة بمعنى «کفران النعمة » ، أی کفران نعمة الحیاة والموت ، هذا الموت الذی هو مقدّمة لحیاة أخرى ، ولکن الظاهر هو أنّ الکفر هنا بمعنى إنکار وجود الله أو إنکار توحیده مِن قبل المشرکین .بالإضافة إلى أنّه جرى التأکید فی هذه الآیة على قضیة المعاد ، أی أنّ ظهور الحیاة والموت تمثلان دلیلا على التوحید بالإضافة إلى کونهما دلیلا على إمکان المعاد .

الآیة الثالثة تُعد ضمن آیات المعاد ، ولکن کما قلنا فإنّ قضیة الحیاة والموت دلیل على إثبات وجود الله وعلى إثبات المعاد ، والتعبیر ب ( هُو یُحْیِى وَیُمِیْتُ )إشارة إلى أنّ الحیاة والموت بید الله فقط ، ولا یمکن لأحد سوى الله القادر المتعال أن یصنع مثل هذه الظاهرة المهمّة والعجیبة إلى أقصى الحدود .

أمّا الآیة الرابعة فقد وردت ضمن آیات التوحید فی سورة (المؤمنون) ، وأکدت على قضیتین «قضیة الحیاة والموت » ، و«قضیة ذهاب وإیاب اللیل والنهار » ولهذین شبه کبیر فیما بینهم ، الموت کالظلمة ، والحیاة کالنور والضیاء ، وربما کان تقدیم اللیل على النهار من هذا الباب أیض ، ذلک أنّ الموت کان قبل أن تکون الحیاة وکان الإنسان سابقاً أجزاءً میتة ثم أنعم الله علیه فکساه ثوب الحیاة ، وسواء کان « اختلاف اللیل والنهار » بمعنى ذهاب وإیاب اللیل والنهار ( من مادة (خِلفة) على وزن حِرفة بمعنى التناوب فی المجیء والحلول محل البعض ) ، أو من مادة (خِلاف) بمعنى التباین والاختلاف التدریجی فی فصول السنة المختلفة، وأیّاً کان المعنى فهو یدل على النظام الدقیق الذی یحکمهما وما یرافقه من فصول أربعة ومن برکات ناتجة عنه ، کما أنّ لقضیة الموت والحیاة والنظام الذی یحکمها فی المجتمع الإنسانی نتائج وآثاراً کثیرة لا یمکن بدونها تنظیم حیاة الإنسان .فَإذا لم یمت أحد ، لَما کانت الأرض محلا للحیاة ، وإن مات الجمیع بسرعة خلت الأرض أیض ، ولکن خالق هذا العالم جعل فیه نظاماً دقیقاً بحیث لا تخلو الأرض من أقوام یعیشون علیها ویتمکنون من الانتفاع من مواهب الحیاة ، وهذه هی سنّة الله فَقوم یأتون وقوم یذهبون .ولهذا یقول تعالى فی نهایة الآیة : ( أَفَلا تَعْقِلُونَ ) أفلا تتفکرون فی قدرة الخالق وربوبیته ووحدانیته؟ وإنّ من المستحیل ظهور هذا النظام البدیع من غیر علم ولا تدبیر .

وفی الآیة السادسة جاءت قضیة الحیاة والموت إلى جانب قضیة الربوبیة ، فهوالله سبحانه مالککم وربّکم أنتم وآبائکم ، الأولین وهو خالق الموت والحیاة .وبشکل أساسی فإنّ قضیة الموت والحیاة إحدى فروع ربوبیة الله سبحانه وتعالى،« الربوبیة » بمعنى الإصلاح والتنظیم والتربیة ، وهذه لا تحصل إلاّ عن طریق الحیاة والموت ، الحیاة تعطی الإنسان إمکانیة التکامل ، والموت أیضاً مقدمة لتکامل آخر وحیاة جدیدة فی عالم أوسع .

تعکس الآیة السابعة الحوار التاریخی بین النبی إبراهیم (علیه السلام) وجبار زمانه « نمرود » ، ویبدو أنّ هذا الحوار جاء بعد قصة تحطیم ابراهیم الأصنام وظهوره کبطل من الأبطال وشیاع صیته فی کل مکان واضطرار نمرود إلى إحضاره (2) .إنّ أول سؤال سأله هذا الرجل الأنانی الذی أذهب عقله غرور السلطان للنبی إبراهیم (علیه السلام) هو : «من إلهک ؟ » .فاعتمد إبراهیم قبل کل شیء فی جوابه على ظاهرة الحیاة والموت المهمّة وقال : « ربّیَ الذی یُحیِی ویمیت » .فقال الجبارالطاغی نمرود مع علمه الأکید بأحقّیة کلام إبراهیم ومن أجل استغفال من حوله وتخدیر عقولهم : إننی استطیع القیام بهذا أیضاً « أنا أحیی وأمیت » .لم یذکر القرآن ما صنعه نمرود من أجل إثبات ادّعائه هذ ، ولکن الکثیر من المفسرین قالو : إنّه أمر فوراً باحضار إثنین من السجناء ، فأطلق سراح أحدهم وحکم على الآخر بالموت وقال : أرأیت کیف أن الحیاة والموت بیدی ؟ !والفخر الرازی استبعَدَ هذا المعنى فی تفسیره وهو أن یکون الحضار فی مجلس نمرود من البله والسذاجة بحیث لا یدرکون الفرق بین عمل نمرود وبین الحیاة والموت التی تحصل عن طریق الله .ویقول : إن قصد نمرود هو قوله : أتراک تزعم أنّ الله یقوم بذلک من دون أیّة واسطة ؟ هذا غیر صحیح ، وإن کان ذلک یحصل عن طریق الاستفادة من عالم الأسباب ، فإنّ ذلک بإمکاننا أیض (3).ولکن یبدو أنّ الفخر الرازی نسی هذه النقطة ، وهی : أنّ الجهلاء فی کل عصر وزمان لیسوا قلیلین ، خاصة المتملقین الذین یحیطون بحکام الجور والاستبداد والتجبر.وقد ورد ما یشبه هذا المعنى فی حیاة موسى وفرعون حیث حاول فرعون استغفال وخداع أهل مصر بکلماته الرکیکة المضحکة ودعاهم إلى عبادته .إن تفسیر الفخر الرازی یلائم جماعة من الفلاسفة یجتمعون مع بعضهم ویصطنعون مثل هذه السفسطات ، أمثال لو کان الفاعل فاعلا بالواسطة لکان کذا ولو کان بلا واسطة لکان کذ .

الآیة الثامنة تعتبر إیجاد الحیاة والموت أمراً خاصاً بالله ، شأنها شأن الآیة الثالثة ، وتعتبر عودة جمیع الخلق إلى بارئهم عزوجل.

وفی الآیة التاسعة یخاطب الله تعالى المشرکین بلهجة حازمة فیقول: ( اللهُ الَّذِى خَلَقَکُم ثُمَّ رَزَقَکُم ثُمَّ یُمِیْتُکُمْ ثُمَّ یُحْییکُمْ هَلْ مِنْ شُرَکَائِکُم مَّن یَفْعَلُ مِنْ ذَلِکُمْ مِّنْ شَىء )، هل بامکانهم إحیاء شیء أو إماتته ؟ أو رزقه ؟ وما دامت کل هذه الأمور خاصة بالله ، فما لکم تشرکون به: ( سُبْحَانَهُ وَتَعالىَ عَمَّا یُشْرِکُونَ ).

وأخیراً وفی الآیة العاشرة والأخیرة یطرح الله قضیة حیاة النباتات ، وهو وجهٌ مشرق، جمیل وملیء بالأسرار من وجوه الحیاة ، ویعرض على البشر صورة الأراضی المیتة کیف یُلبس هذه الصحارى الیابسة الفاقدة للحیاة لباسَ الحیاة بزخة مطر واحدة أو عدة زخات ، فتتصاعد من کل جانب من جوانبها أنغام الحیاة فتتجلى ساحة البعث والنشور فی هذه البقعة.وَیضیف فی آخر الآیة : ( إِنَّ فِى ذَلِکَ لاَیَةً لِقَوْم یَسْمَعُونَ ) ، یسمعون انغام تحمید وتسبیح النباتات ویصغون بآذان قلوبهم لهمسات التوحید من کل نبات یخرج من الأرض ویردد ذکر « وحده لا شریک له » : ( اِنَّ فِى ذَلِکَ لاَیَةً لِقَوْم یَسْمَعُونَ ) .


1. تفسیر المراغی، ج 7، ص 197; وتفسیر المنار، ج 7، ص 631 .
2. ورد هذا المعنى وهو أنّ الحوار أعلاه حصل بعد تحطیم الأصنام من قبل إبراهیم فی عدّة تفاسیر منها تفسیر المراغی ج 3 ، ص 21; و الکبیر ج 7، ص 25 .
3. تفسیر الکبیر، ج 7 ، ص 24 .

 

شرح المفردات 1 ـ لغز الحیاة الکبیر
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma