البرکات والأسرار العجیبة للجبال

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثانی)
شرح المفردات1 ـ الجبال والاعجاز العلمی للقرآن

فی القسم الأول من هذه الآیات یدعو الباری تعالى الناسَ إلى البحث والتأمل فی آیات الله فی السماء والأرض ، ثم یشیر إلى کیفیة خلق الابل وکذلک ارتفاع السموات حیث ارتفعت بدون عَمَد مع مالها من عظمة ، وأشار إلى نصب الجبال فقال: ( وَإِلى الجِبَالِ کَیْفَ نُصِبَتْ ) .ولعلَّ هذا التعبیر إشارة إلى ثبات واستقرار الجبال فی أمکنتها ومنع حدوث الزلازل التی سیشار إلیها فی الآیات القادمة أو اُشیرَ إلیه آنف ، أو الوقوف أمام الأعاصیر والعواصف ، وتوفیر الملاجیء الآمنة للبشر ، ومستودعات حفظ المیاه على هیئة ینابیع وقنوات وأنهار .ویمکن أن یکون هذا التعبیر إشارة ظریفة إلى مسألة طبیعة تکوین الجبال ووجودها حیث کشفَ العلم المعاصر الستار عنه ، إذ یقول: إنّ الجبال تکونت نتیجة لعوامل معینة فقد یکون بسبب تعرُّج الأرض ، وأحیاناً بسبب البراکین ، أو نتیجة الترسبات الناتجة عن الأمطار التی تغمر الأرض وتجرف بعضها معها ویبقى الجزء القوی والصلب ثابتاً فی مکانه .وفی أعماق البحار تتکون الکثیر من الجبال نتیجة الترسبات الحیوانیة کالمرجان حیث یطلق علیها الجبال أو الجُزُر المرجانیة .ومن الممکن جمع کل هذه المعانی فی عبارة ( کَیْفَ نُصِبَتْ ) .ویقول فی القسم الثانی من الآیات کبیان للنعم الإلهیّة : ( أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً * وَالْجِبَالَ أَوْتَاد ) ؟

«الاوتاد»: جمع ( وَتَدْ ) ( على وزن حَسَدْ ) ، وتُطلقُ على المسامیر الضخمة القویة جدّ ، وقد فسَّرها البعض بالمسامیر التی تغور فی الأرض وتُربط إلیها حبالُ الخیمة (1) .وهنا کیف تکون الجبال بمثابة أوتاد الأرض ؟ هناک تفاسیر متعددة : أولُها وهو ما ثبت الیوم بانَّ الجبال لها جذورٌ عظیمة فی أعماق الأرض ، وهذه الجذور متشابکة معاً وتُمسکُ بقشرة الأرض کالدرع وتحفظها فی مواجهة الضغوط الناشئة عن الحرارة الداخلیة ، ولولاها لما کان لسطح الأرض من قرار .وفضلا عن ذلک فکما أنّ جاذبیة القمر والشمس تترک تأثیراتها على المحیطات ، وتسبب المد والجزر، فانَّ الیابسة لها تأثیرها أیض ، فیمنحُ درعُ الجبالِ قشرةَ الأرض قدرةَ المقاومة أمام هذا الضغط الهائل .ومن ناحیة ثالثة فانَّ الجبال تصونُ بقاعَ الأرض المختلفة من العواصف والسیول وتقف أمامها کالسور العالی ، بحیث لو کان وجه الأرض کلُّه على هیئة صحراء لتعسَّرت حیاة الإنسان على سطحها أمام هذه السیول العارمة .وأهم من کل ما مضى فإنّ الجبال تعتبر بمنزلة الأوتاد القویة لنظام حیاة البشر لکونها مرکزاً لذخائر المیاه .وجاء فی تفسیر المیزان أنّ الأوتاد جمع وتد وهو المسمار إلاّ أنّه أغلظ منه (2) کما فی المجمع ولعل عدّ الجبال أوتاداً مبنی على أنّ أکثر جبال الأرض ناتجة من البراکین التی تنطلق من أعماق الأرض فتخرج مواد ارضیة مذابة تستقر على فم الشق متراکمة کهیئة الوتد المنصوب على الأرض تسکن به فورة البرکان التی تحته فیرتفع به ما فی الأرض من الاضطراب والتزلزل .

وفی الآیات الثالثة والرابعة والخامسة عُبِّر عن الجبال بـ «الرواسی» حیث یقول : ( وَجَعَلَ فِیْهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَار ) .ویقول فی مکان آخر : ( وَأَلْقىَ فِى الأَرضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِیْدَ بِکُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلا لَعَلَّکُمْ تَهْتَدُوْن ) .ویشاهد هذا المعنى فی الآیة الخامسة أیض .ویستفادُ من مجموع هذه الآیات أنّ أحَد أهم فوائد الجبال هو منع الحرکات غیر الطبیعیة والزلازل الأرضیة .و«تَمیدُ»: من مادة ( مَیْد ) ( على وزن صَیْدْ ) أی إهتزاز الأشیاء الضخمة ، وقال البعض إنّها الحرکة المتزامنة مع التمایل یمیناً وشمال ، کحرکة السفن الخالیة بسبب أمواج البحر ، ولهذا یقال « مَیْدان » أثناء المسابقات أو الحروب .وقد تحدثنا فی شرح الآیات السابقة عن تأثیر الجبال فی منع حرکات قشرة الأرض أثر الضغط الداخلی ، وجاذبیة المد والجزر للشمس والقمر ، والاضطرابات الناتجة عن السیول المستمرة ، ولا حاجة إلى التکرار .ویُفهم من هذه الآیات بصورة عامة أیض ، أنَّ لتکوین الأنهار علاقةً بوجود الجبال ، وهو الصحیح ، فالأنهار الکبیرة التی تجری على مدى السنة وتسقی الأراضی الیابسة هی من برکة المیاه التی تجمعت فی أعماق الجبال أو قممها على هیئة جلید أو ثلج ، ولهذا تُعتبر الجبال العملاقة فی العالم ینابیع لأنهار العالم العظیمة . وربّما یحدث لدى البعض شبهة فی کون وجود الجبال یکون حائلا فی عزل الأراضی عن بعضها وسبباً فی غلق طرق العبور والمرور، لکن الآیات الواردة أعلاه صرحت بأنّ الله سبحانه وتعالى جعل طرقاً واودیة یسلکها الناس لیهتدوا إلى بلوغ مقاصدهم ونیل مآربهم.

وهذه نقطة ظریفة جدّاً حیث توجد على الدوام فی أعماق الجبال العظیمة الشاهقة ممرات وطرقٌ یستطیع الناس من خلالها المرور والعبور ، أی أنّها فی ذات الوقت الذی تشکلُ سداً قویاً أمام العواصف والأعاصیر ، فهی لا تمنع عبور ومرور الناس ، ونادراً ما تقوم هذه الجبال بعزلِ أجزاء من الأرض بشکل کامل .

وهناک نقطة بالغة الاهمیة وهی لو کان سطح الأرض مستویاً، فسوف تکون درجة الحرارة على الأرض عالیة جدّاً ومحرقة وذلک بسبب حرکة الأرض السریعة حول نفسها وحرکة الهواء على سطح الأرض وبذلک تتعذر الحیاة على سطح الأرض.

لکن الباری تعالى الذی جَعَلَ الأرض مهداً لراحة الإنسان ، أمر الجبال أن تکون مرتفعة فی طبقات الجو ، وتدور حول نفسها تبعاً لدوران الأرض ، کی تمنع اهتزاز الجو وحصول الحرارة .بناءً على ذلک نلاحظ جیداً أهمیّة الدور الذی یلعبُهُ وجود هذه القطع الصخریة الصمّاء فی حیاة الموجودات .بالاضافة إلى ذلک فانَّ الجبالَ تُوجدُ مساحات مسطَّحة شاسعة بسبب التعرجات والانکسارات وتؤدّی إلى مضاعفة الجزء الذی یمکن استغلاله من الأرض لعدّة مرات ، وفی نفس الوقت فانَّ أغلبها یعتبر مکاناً لنمو أشجار الغابات الکثیفة وأنواع النباتات الطبیة والغذائیة والمراتع .

ولعلَّ لهذا السبب جاء الحدیث فی الآیة السادسة عن برکات الأرض واقواتها بعد نصب الجبال فی الأرض إذ یقول : ( وَجَعَلَ فِیْهَا رَوَاسِىَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَکَ فِیْهَا وقَدَّرَ فِیهَا أَقْوَاتَهَ ) .لأنَّ ممّا لا شک فیه أنّ الجبال نفسها وکذلک المیاه التی تسیل من بطونها لها دورٌ حساسٌ للغایة فی انتاج المواد الغذائیة .وممّا یلفت الانتباه قوله فی نهایة الآیة : ( سَواءً لِلسـَّائِلیْنَ ) ، فلعلّه إشارة إلى هذا المعنى ، وهو أنّ المواد الغذائیة تعادل ما یحتاجه السائلون والمحتاجون تمام ، ویمکن أن یکون تعبیر «السائلین» إشارة إلى کافة الحیوانات والناس والنباتات ( وإذا جاء بصیغة جمع المذکر للعاقل فهو من باب التغلیب ) نعم فالکل یسأل عن «الاقوات» بلسان حاله .و«أقوات»: جمع ( قوت ) وتعنی الغذاء ، وقد فسَّرها بعض المفسرین ب « الأمطار » فقط ، والبعض الآخر فسَّرها بالمواد الغذائیة المدَّخرة فی باطن الأرض ، إلاّ أنّ الظاهر هو أنّها إشارة إلى کافة المواد الغذائیة التی تخرج من الأرض أو التی تنمو علیه ، ولعلَّ التعبیر ب «قَدَّرَ» وهی من « التقدیر » ، إشارة إلى أنّه قد تمّ تقدیر وتخطیط کافة احتیاجات الإنسان وبقیة الموجودات قبل خلقه .وقد ورد مضمون الآیة السابعة فی الآیات الآنفة .

وأشار فی الآیة الثامنة إلى أربع نِعَم الهیة : فالأرضُ مستقرةٌ بنحو یستطیع الإنسان والموجودات الاُخرى من العیش علیها براحة واطمئنان ، وتکوین الأنهار التی تشق سطح الأرض ، وخلق الجبال العظیمة الراسخة ، وتکوین البرزخ بین البحرین ( من الماء العذب والمالح ) کی لا یختلط احدهما بالآخر .وهذه النعم الأربع ترتبط مع بعضها بنحو مدهش ، فالجبال أساسُ استقرار الأرض ، ومصدر میاه الأنهار ، وهذه الأنهار عندما تصبُ میاهها فی البحر فهی تبقى منفصلة بواسطةِ
حاجز غیر منظور لفترة طویلة لا تختلط مع المیاه المالحة ، وهذا الحاجز لیس سوى اختلاف کثافة الماء « المالح » و« العذب » ، وبتعبیر آخر أنّ اختلاف کثافتهما یؤدّی إلى عدم امتزاج میاه الأنهار العذبة بالمیاه المالحة لمدّة طویلة ، ولهذا فائدة ضروریة للزراعة فی المناطق الساحلیة ، لأنَّ هذه المیاه العذبة تتراجع إلى الخلف عن طریق المد والجزر وتُغطی معظم الأراضی الزراعیة فتغمر البساتین النَظِرة والمزارع المزدهرة .فلیس جزافاً أن یقول فی نهایة هذه الآیة : ( أَ إِلهٌ مَّعَ اللهِ ) ؟ ( بَلْ أَکْثَرُهُمْ لاَ یَعْلَمُونَ ) .أَجَلْ ... فهؤلاء یجهلون أسرار هذه النِعَم والبرکات ، النِعَمُ الموجودة فی کل زوایا وبقاع العالم ، وکلٌ منها برهانٌ على تلک الذات المقدّسة ، إلاّ أنّ هؤلاء الجهلةَ محجوبون عنه .

وفی الآیتین التّاسعة والعاشرة أشار إلى مجموعة اُخرى من خصائص ومنافع الجبال ، فبعد أنْ ذکرَ خلقَ الجبال التی تقی الإنسان حرارة الشمس المحرقة ، یشیر إلى الملاجیء الموجودة فیها حیث یقول : ( وَجَعَلَ لَکُمْ مِّنَ الْجِبَالِ أَکْنَان ) .و«الاکنان»: جمع ( کِنّ ) على وزن (جِنّ ) وکما قال صاحب مجمع البیان هو المکان الذی یضم الإنسان بداخله ، إلاّ أنّ البعض ذکر ذلک بمعنى کلّ نوع من اللباس ، حتى أنّهم اعتبروا « الرداء » « کنّ » للإنسان ، والمقصود ب « اکنان الجبال » المغارات والکهوف التی یستطیع الإنسان أن یستخدمها کملجاً له ، قد تکون أهمیّة الملاجیء الجبلیة والمغارات مجهولة بالنسبة لسکنة المدن، غیر أنّها ذات أهمیّة حسّاسة جدّاً للمسافرین العُزّل ، وقاطعی الصحراء ، والرعاة ، والسائرین لیل ، وغالباً ما تنقذهم من الموت المحتوم ، لا سیما وإنَّ هذه الملاجیء دافئة فی الشتاء وباردةٌ فی الصیف .فضلا عن ذلک فإنّ بعض الناس منذ غابر الأزمان وحتى یومنا هذا ینحتون بیوتهم فی وسط الجبال ، وهی مُحکَمَةٌ جدّاً وآمنة تماماً فی مواجهة الحوادث الطبیعیة ، کما ورد فی القرآن الکریم حول « أصحاب الحجر » ( قوم ثمود ) : ( وَکَانُوا یَنْحِتُوْنَ مِنَ الجِبَالِ بُیُوتاً آمِنِیْنَ ) .( الحجر / 82 ) وهذه فائدة اُخرى للجبال .وفی قسم آخر من هذه الآیات إشارة إلى الطرق التی صنعها الباری تعالى بالوان مختلفة بیضاء وحمراء وأحیاناً سوداء بکامله : ( وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِیضٌ وحُمْرٌ مُختَلِفٌ أَلوانُهَا وغَرابِیبُ سُودٌ ) .و«جُدَدٌ»: جمع ( جُدّة ) ( کغُدَدٌ وغُدَّة ) بمعنى الطریق والجادّة ، و«بِیضٌ» جمع « أبیض » ، و«حُمر» جمع « أحمر » ، و«غرابیب» جمع « غربیب » وتعنی شدید السواد ، ولهذا یقال « غراب » ، و«سود» جمع « أسود » ووردت هنا بعد کلمة «غرابیب» للتأکید .فطرقُ الجبال المختلفة ، بألوانها المتباینة تمام ، لها أهمیّة کبیرة حیث تساعد المسافرین فی العثور على مقاصدهم ، وتنقذهم من التیه ، إضافة إلى أن تعدُّد الألوان یدلُّ على اختلاف مرکبات الصخور ، وقد تکون دلیلا على وجود المعادن المختلفة التی تختفی فیه .

یستفاد جیداً من تسلسل هذه الآیات أنّ خلق الجبال بفوائدها الحیاتیة والضروریة جدّاً والمصیریة ، من البراهین المهمّة على علم وقدرة الباری تعالى وآیات حکمته ورأفته بالإنسان ، ویوضح جیداً أن خلقَ هذا العالم وذرات موجوداته ، ملیءٌ بالمعنى والمحتوى إلى حد کلمّا تم التمعُن به تنکشفُ للإنسان أسرارٌ جدیدة ویتولد على أثرها حبٌ وارتباطٌ بالخالق جلَّ وعل .


1. تفسیر المراغی، ج 30، ص 4 .
2. تفسیر المیزان، ج 20، ص 259 .

 

شرح المفردات1 ـ الجبال والاعجاز العلمی للقرآن
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma