من المعروف أنّه کلما تعاظمت الموجودات فلابدّ من أنْ تتضاءل دقة القوانین السائدة فیه ، بینما لا یصدقُ هذا المعنى على هذا العالم الشاسع أبد ، أی أنّه مع عظمته وسعته العجیبة وإثارته للجدل ، فهو ذو انظمة دقیقة وظریفة ، ومن أجل إدراک هذه الحقیقة یکفینا الالتفات إلى المسائل الآتیة :أ) نحن نعلم أنّ الإنسان قد أفلحَ فی نهایة المطاف أنْ یُنزلَ سفینة الفضاء بطاقم یتألف من شخصین فی النقطةِ التی حدّدها العلماء فی کوکب القمر ، ثم عادا إلى الأرض ( تأمل جید ..) فعلى مدى الأیّام الثلاثة التی قضتها السفینةُ فی قطع المسافة بین الأرض والقمر ، کانت الأرض تدور حول نفسها وتغیرُ مکانها فی السماء حول الشمس ، وکوکبُ القمر کان یدور حول نفسه وحول الأرض أیض ، فکم یجب أن تکون هذه الحرکات مُنظمةً ودقیقةً ومحبوکة وثابتة بحیث یستطیع العلماء أن یحسبوا حسابَ هذه الحرکات ویقدّروها من خلال العقول الالکترونیة حتى تحط سفینةُ الفضاء فی المکان الذی حددوه على سطح کوکب القمر ، ومِنْ ثمَّ المکان الذی عیّنوهُ لعودتها إلى کوکب الأرض ؟ فإذا اختلفت احدى هذه الحرکات وتداخلت فیما بینها ونقصت أو ازدادت مقدار ثانیة واحدة فمن المسَّلم به أنّ حسابات العلماء سترتبک ویکون عملهم غیر ناجح .أجَلْ .. إنّ نظام عالم الوجود الدقیق هو الذی یمنح الإنسان فرصةَ القیام بمثل هذا العمل ، أی الهبوط على سطح کوکب القمر وفی المکان الذی حددهُ .ب) یستطیع علماء الفلک أن یَحْسُبُوا ویقدّروا أحداث المستقبل التی تتعلق ب « الخسوف » و« الکسوف » فی الکرة الأرضیة قبل عشرات السنین ، وعدد ساعات اللیل والنهار وشروق وغروب الشمس وبزوغ واُفول القمر ، وهذا یعود إلى التنظیم الدقیق لحرکاتها لیس إل .ج) کما اشرنا سابقاً أنّ قوة الجاذبیة تجذب الأجرام السماویة نحو بعضه ، بید أنَّ القوةَ الدافعة التی تحصل من حرکة الدوران والتی تسمى بالقوة الطاردة تُبعدها عن بعضه .فإذا اُرید أنْ تتحرک الکرة فی مدارها ملایین السنین حرکةً دقیقة وفی مدار معَّین فیجب أن تتوازن هاتان القوتان تمام ، وهذا ما نعرفه أیضاً حیث إنَّ الجاذبیةَ تتناسب طردیاً مع حجم الموجودات ، وعکسیاً مع الجذر التربیعی للمسافة بینها ( فلو ازداد الحجم فانَّ الجاذبیة تتضاعف ، وإذا تضاعفت المسافات تضعفُ الجاذبیةُ طبقاً للمعادلة أعلاه ) .وبناءً على ذلک فمن أجل أن تدور الأرض حول الشمس لمدة طویلة جدّاً فی مدار ثابت ، ینبغی أن یکون حجم الشمس والأرض وکذلک المسافة بینهم ، وسرعة حرکةِ الأرض حول الشمس وفقَ حساب دقیق ، کی یتمّ التوازن بینهم ، وهذه المسائل لیست ممکنةً دون تَدَخُل من عالم ذو علم غیرِ متناه وعقل مدبر .