مع أنَّ « النوم » و« الرؤی » تعتبر بالنسبة لنا أمراً عادی ، إلاّ أنّ العلماء لم یتوصلوا إلى عمق هاتین الظاهرتین المهمتین بالرغم ممّا بذلوه من مساع وجهود .فایُّ فِعْل وانفعالات تطرأُ على جسم الإنسان لیتوقف فجأة القسم الأعظم من نشاطاته الجسمیة والروحیة ؟ ! ویحصلُ هذا التغییر فی جمیع أجزاء جسمه وروحهِ کذلک ، فلا یفهمُ شیئاً ولا یبدی أىَّ حرکة ویستلقی جانباً کالمیت ، ولو غرقت الدنیا بأکملها فهو نائمٌ لا یدری .ومع کل هذه التوضیحات والآراء والفرضیات التی قیلت فی هذا المجال ، فقد حافظ النوم على صورته المدهشة!والأکثر عجباً من ذلک مسألةُ ( الرؤی ) التی تُعَدُّ من الألغاز العظیمة کروح الإنسان .وطبعاً أنّ الحدیث المفصَّلَ بصدد حقیقة وأسرار هاتین الظاهرتین خارجٌ عن موضوع بحثن ، لأنَّ الغایةَ من بحث الآیات المذکورة هی بیان المنافع الکثیرة ، والفوائد التی لا تُحصى للنوم من جانب ومن جانب آخر کونه نعمة من نعم الله .
فالنوم المعتدل دائماً یعتبر دلیلا على سلامةِ روح واعصاب الإنسان ، لذلک فإنّ أهمَ أسئلةِ الأطباء للمصابین بالأمراض النفسیة تدور حول کیفیة نومهم .فلا تتوقف الاجهزة الأساسیة فی جسم الإنسان کالقلب والرئة أثناء النوم ، لکنها تعملُ بهدوء أکثر ، ویصبحُ دوران الدَّم فی الأعضاء أکثرَ تناسق ، ویتوقفُ نشاطُ الدَّماغ تقریب ، وتستقر جمیعُ العضلات أیض ، فتؤدّی کلُّ هذه الاُمور إلى حصول هذه الأعضاء على فرصة لِتجدید بناء بنائها.
وخلالَ النومِ تُزالُ سمومُ الجسم ، وتُعالجُ کثیر من الأمراض .لقد أورد « روخلین » فی کتابه ( الرؤیا فی نظر بافلوف ) بحثاً تحت عنوان ( العلاج بالنوم العمیق ) قائل :« بناءً على فرضیة « بافلوف » فانَّ النومَ عبارةٌ عن ظاهرةِ توقُف من أجل الصیانة وتجدید القوى ، وعلیه فیمکن استغلالهُ کعامل للعلاج من الأمراض المختلفة ، وتؤیدُ التجاربُ الیومیة دور النوم فی ذلک أیض ».ثم یضیف : « إنَّ النومَ العمیق الطویل مؤثر على تحسُن صحة المریض ، لأنَّ المرضى ینامون أکثر من المعهود بعد مرض طویل من أجلِ استعادةِ قواهم وسلامتهم » .ویقول : « لقد واجه العلاجُ عن طریق النوم رواجاً واسعاً فی الاتحاد السوفیتی ، وقد استخدمت هذه الطریقةُ لأولِ مرّة لمعالجة ( جنون الشباب ) « الشیزوفرینی » الذی یعتبر من الأمراض النفسیة الشائعة » .ویقول فی جانب آخر من حدیثه : « تمّ الحصول على نتیجة مُرضیَة لعلاج المصابین بارتفاع ضغط الدم عن طریق النوم العمیق ... فالنوم الطویل الذی هو حالة من الراحةِ الکاملة للمخ ، یُجدد قدرةَ الجهاز العصبی ویوازن تنظیم نشاط الأعضاء الداخلیة ، ویترک أثراً إیجابیاً مساعداً للوضع العام للإنسان» (1) .أَجَل ; فالذی خلق الإنسان سالماً من أجل السعی والنشاط ، وضع جمیع وسائل ذلک تحت تصرفهِ ، وأحدُها نظام النوم والیقظة ، النظام الذی تبرز فیه بکل وضوح براهینُ حکمةِ الباری عز وجل .
1. النوم فی نظر بافلوف، ص 112 ـ 116 ( مع الاختصار ) .
