هل إنَّ الظِّلَّ نعمةٌ عظیمة؟

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء الثانی)
شرح المفرداتلو لم تکن هناک الظلال...؟!

إنَّ الحدیث فی هذه الآیات عن الظلال، والمسألة تبدو وکأنّها عادیَة لکنَّ التفحُصَ فیها یمکنُ أن یُقربَنا ویُعرفَنا أکثر بخالقِ هذا العالم.

ففی الآیة الاُولى یخاطبُ النبیَّ(صلى الله علیه وآله) قائلا: (أَلَمْ تَرَ اِلىَ ربِّکَ کَیْفَ مَدَّ الْظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ سَاکِن).

ویضیف فی نهایة الآیة قائلا: (ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَیْهِ دَلِیْل)، ویضیف فی الآیة التی تلیها: (ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلْینا قَبْضَاً یَسیر).

وهنا ما المقصود بهذا الظِّل الذی یمُّدهُ الباری تعالى ثم یجمعه تدریجیاً؟ قال بعض المفسرین: المقصود هو ظلُّ اللیل حیث ینبسطُ على جمیع سطح الأرض وینقبض بنحو متناوب، ویعتبر وجود الشمس دلیلا وإشارة علیه، إذ «تُعرفُ الاَشیَاءُ بِاَضدَادِهَا».

ویعتبره البعض إشارةً إلى الظلِّ الذی یمتدُّ بین الطلوعین (بین طلوع الصبح وطلوع الشمس)، فیغطی وجه الأرض وهو افضل الظلال والساعات.

واعتبره البعض بمعنى الظلال التی تحصل أثناء النهار بسبب اصطدام ضوء الشمس بالجبال والأشجار وبقیة الاجسام، ثم ینتقل تدریجیاً.

من هنا حیث لا تتعارض هذه التفاسیر الثلاثة، وبما أنّ تعبیر الآیة مُطلق وجامع، فیمکن أن یکون إشارة إلیها کلها إذ إنَّ کلا منها نعمةٌ ثمینة.

إننا نعلمُ أنّ اللَّیلَ فی الواقع هو ظل نصف الکرة الأرضیة الذی یقع أَزاء الشمس، الظلُّ المخروطی الشکل الذی یمتد فی الفضاء فی الجهة المقابلة ویتحرک باستمرار، ولولا ظلُّ اللَّیل لاحترقت کافة الکائنات الحیة بفعل ضوء الشمس والحرارة الناتجة عنه، وهلکَ النسل البشری بسرعة.

وکذلک لولا وجود سائر أنواع الظلال، ولو کان الإنسان مجبوراً على قضاء النَّهار تحت الشمس لوقَعَ فی حَرَج بالغ، ولأصبحت الحیاةُ شاقةً بالنسبة له لاسیما فی فصل الصیف، إنَّ اللهَ تعالى فتحَ الظل للإنسان کی ینالَ الراحة والاستقرار هو ومن یتعلق به.

وبتعبیر آخر فانَّ بعض الأشیاء خُلقت «معتمة»، والبعض خُلق «شفافاً» بحیث یعبرُ النور من خلاله، فلو کانت کل الأشیاء شفافةً فلا وجود للظلِّ اطلاقاً وستتبدلُ حیاة الإنسان مقابل ضوء الشمس المستمر إلى جهنم محرقة، وإذا تفکَّرَ الإنسان قلیلا فی هذا المجال فسیتعرف على عظمة وأهمیّة هذه النعمة ویتمکن من خلال ذلک الوصول إلى الخالق الحکیم.

ولعلَّ التصریح بـ «النظام التدریجی للظِّل» فی الآیةِ أعلاه إشارة إلى هذه الحقیقة وهی لوأنَّ الظِّلال تحصل أو تزول فجأة لأدّت إلى اضرار جسیمة، إذ لا یخفى على أحد الاضرار الناتجة عن الانتقال المفاجیء من النور إلى الظلام وبالعکس، أو من الحر إلى البرد وبالعکس.

ولکنَّ «الظِّل» بما له من برکات ولطف، مضرٌ أیضاً فیما إذا دام وخَلُدَ لأنَّه یحرم الإنسان من نعمة النور، لهذا یقول فی الآیة أعلاه: (وَلَو شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاکِن)، (ولکنه للطفه وکرمه لم یفعل ذلک کی یَنَعُمَ العباد بنعمة النور والظِّل على السواء).

ویقول فی الآیة الثانیة التی تمَّ بیانها ضمن آیات التوحید فی سورة النحل، بعد تعداد بعض آیات الآفاق ونِعَمِ الخالق جلَّ وعلا: (وَاللهُ جَعَلَ لَکُمْ مِّمَّا خَلَق ظِلاَل).

قال بعض المفسّرى: إنَّ المقصود هنا الأشیاء التی تتسبب فی ایجاد الظّلال، کالجبال والأشجار، والغیوم، والسقوف والجدران(1).

وممّا لا شکَّ فیه لو کانت جمیع الاشیاء - کما المحنا سابقاً - شفافةً ومضیئة کالبلور، ولا وجود للظلِّ فی العالم لکانت الحیاة غیر ممکنة بالنسبة للإنسان.

ویشیر سیاق الآیة إلى سائر النِّعم التی هی فی الواقع مکملةً لوجود الظلِّ، کالملاجىء المستحدثة فی الجبال على هیئةِ مغارات وکهوف، والتی تقی الإنسان من حرارةِ الشمس المحرقة، کالدرع حینَ یَصُدُّ طعنات العدو فی ساحة الحرب: (وَجَعَلَ لَکُمْ مِنَ الجِبَالِ أَکنَاناً وَجَعَلَ لَکُمْ سَرَابیْلَ تَقِیْکُمْ بَأسَکُمْ)(2).

وهنا لماذا أشار فی الآیة الآنفة إلى اللباس کوقاء للحفظ من الحَرِّ فقط، من دون الإشارة إلى البرد؟ یقول بعض المفسِّرین: لأنَّ المناطق التی نزلت فیها هذه الآیات، المتداول فیها مسألة الحر بکثرة، أو لکثرة وزیاده اخطار الحرارة والاحتراق عند مواجهة الشمس، فی حین تتزاید طرق وقایة الإنسان لمواجهة البرد.

ولکن لا یجب نسیان أنّ فی آداب العرب حینما یریدون التلمیح إلى ضدّین فهم یحذفون أحدَهُما فی أغلب الموارد ویذکرون واحداً فقط، وهذا الأثر له قرائن کثیرة.

والجدیر بالاهتمام أنّه یقول فی نهایة هذه الآیة بعد ذکر هذه النِّعم الثلاث (الظلال، والمساکن، والملابس): (کَذلِکَ یُتِمٌّ نِعْمَتَهُ عَلَیِکُم لَعَلَکُمْ تُسْلِمُونَ).

نعم.. فالتأمل بهذه النِّعَمِ وأسرارها المختلفة یعرِّفُ الإنسان بعلمِ وقدرة الله تعالى من ناحیة، ومن ناحیة اُخرى یدفعُ إلى التسلیم إلى أوامر الخالق جلَّ وعلا ذی اللطف والرحمة، من خلال تحریک الشعور بالشُّکر له.

وفی الآیة الثالثة یوجه اللوم والتوبیخ للمشرکین فی آیات التوحید فیقول:

(أَوَلَمْ یَرَوْا اِلىَ مَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَىء یَتَفَیَّؤا ظِلاَلُهُ عَنِ الْیَمِیْنِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِّلّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ)(3).

أىٌّ تعبیر لطیف هذا؟ فقد خضعت الظلالُ بأسرها وسجدت أمام ذاته المقدّسة، لأنّها مُسَلِّمةٌ لأمرِهِ وهذا التسلیم والخضوع أمام قوانین الخالق هو سجودها لحضرته تعالى.

فکیف یتضاءل الإنسان أمام الظلال، ویسجدُ للأصنام، ولا یسجدُ للخالق جلَّ وعلا؟!

إنَّ سجودَ الظِّلالِ جزءٌ من سجود کافة الکائنات فی السماء والأرض، ولهذا فقد أشار فی سیاق هذه الآیة إلى هذا السجودِ العام، فقال: (وللهِِ یَسْجُدُ مَا فِى السَّمواتِ ومَا فِى الأَرْضِ مِنْ دابَّة).

وهنا سُتطرحُ بحوثٌ مفصلّة خلال بحث السجود العام لموجودات العالم أمام الباری عزّوجل، على أیّةِ حال ففی هذه الآیةِ إشارة لطیفة إلى أهمیّة الظلال وآثارها حیث تصلح کمصدر لإلهام التوحید.

وفی الآیة الرابعة یضع الظّلال فی جُملة موجودات السماء والأرض التی تخضع وتسجدُ لله تعالى، فیقول: (وَللهِِ یَسْجُدُ مَنْ فِى السَّمَوَاتِ وَالأَرضِ طَوْعاً وَکَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ والآصَالِ).

وربّما یکون التعبیر بـ (طَوْعاً وَکَرْه) إشارة إلى تسلیم الموجودات العاقلة وذات الاحساس رغبةً وطوعاً، وإلى تسلیم الموجودات غیر العاقلة کالظلال للأوامر الإلهیّة فتسجد قوانین الخلق الاجباریة.

أو إلى أنّ المؤمنین یسجدون رغبةً وطوعاً، وغیرُ المؤمنین الذین لیس لدیهم الاستعداد للسجود طوعاً فإنّ جمیعَ ذرات وجودهم مسلِّمة لله تعالى بحکم قوانین الخلق الاجباریة، وقد جبلوا على السجود التکوینی أمام ذاته المقّدسة.

أو أنّ المؤمنین یُمَرِّغون جباهَهُمْ بالتراب أزاءه فی کل الأحوال (فی الراحة وعند حلول المشکلات، مطمئنین کانوا أم مضطربین)، إلاّ أنّ الکافرین لا یتوجهون نحوه إلاّ حینما تباغتهم المشاکل.

وممّا لا شک فیه أنّه لیس هنالک تعارضٌ بین هذه التفاسیر الثلاثة، ویمکنُ جمعُها فی مفهوم واحد.

والتعبیر بـ «مَنْ» فی الآیة أعلاه مع أنّه یختص باصحاب العقول حسب الظاهر، إلاّ أنَّ من المحتمل أن یکون له مفهومٌ عامٌّ فیشمل کافة الموجودات العاقلة وغیر العاقلة، فیصبح التعبیر بـ «مَنْ» من باب التغلیب.

وأمّا تعبیر «الغدو» و«الآصال» (الصباح والمساء) فلعلّه کان بسبب إمکانیة زوال الظلال وسط النهار، أو کونها ضئیلة جدّاً ومحدودة، فی حین أنّها لیست کذلک فی الصباح والمساء، وفضلا عن ذلک، فإنّ هذا التعبیر جاء فی الکثیر من الحالات لبیان الدیمومة والتعمیم، فمثلا تقول: إنّ الشخص الفلانی یدرس صباحاً ومساءً، أو إنّه یؤذی شخصاً آخر، أی إنّه کذلک على الدوام.

یُستفاد من مجموع هذه الآیات أنَّ القرآن الکریم یولی اهتماماً خاصاً حتى للظلال، ویعتبرها من آیات عظمة الله، والتعبیر بـ «السجود» الذی هو غایةُ الخضوع إشارةٌ إلى هذا المعنى.


1. تفسیر روح المعانی، ج 14، ص 186; و تفسیر القرطبی، ج 6، ص 3775.
2. «سرابیل» جمع «سربال» (على وزن مثقال) وقد فسَّرها البعض بکل أنواع الملابس، واعتبرها البعض بمعنى الرداء (حیث یرتدون الدرع کالرداء) إلاّ أنّ المعنى الأول اکثرُ تناسباً هنا.
3. «یَتَفَیَؤا» من مادة «فیء» وتعنی العودة والرجوع، ویحصرها بعض أرباب اللغة بمعنى ظلال الأشیاء حین عودة الشمس عصراً، واطلاقها على غنائم الحرب یعود إمّا بسبب رجوع المسلمین بها، أو زوالها أو فنائها النهائی کالظلال، و«داخر» تعنی المتواضع.

 

 

شرح المفرداتلو لم تکن هناک الظلال...؟!
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma